يرى البعض أن سبب الأزمة التي تواجهها إسرائيل حاليا محصور في سلوك زعيم حزب الليكود ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الخاضع إلى ضغوط بعض أعضاء الحزب، كوزير العدل ياريف ليفين، ولشركاء نتنياهو من الأحزاب الأخرى في الائتلاف الحكومي - إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وغيرهما- مستغلين حاجته لتعديل النظام القضائي بما يخدم مصلحته الشخصية في مواجهة محاكمته. وأحيانا يتم تحييد الجانب الفكري والقناعات والجذور السياسية لنتنياهو منذ بروزه في العمل الدبلوماسي في الثمانينيات وفي العمل السياسي أواخر ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي حتى فوزه بزعامة حزب الليكود العام 1993 بعد سلسلة من المناصب السياسية السابقة في العمل الدبلوماسي في واشنطن وفي الأمم المتحدة (1982 – 1988). وتحصر بعض التحليلات سلوك نتنياهو الحالي فقط بالتطورات المتعلقة بمحاكمته بدءا من الشروع بالتحقيق معه في نهاية عام 2016 وصولا إلى اتهامه والبدء بمحاكمته المتواصلة حتى الآن.
الأزمة الداخلية الحالية، بما في ذلك طريقة إدارتها، هي حدث تدميريّ متواصل وغير مسبوق في إسرائيل، لا من حيث حدته ولا من حيث نطاقه ولا من حيث إسقاطاته المستقبلية. من الصعب جداً تقدير كيفية تطور هذا الحدث ووجهات تطوره، إلا إن الفرضية المتفق عليها هو أنه قد نشأ في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة "ميزان رعب" غير مستقرّ ما بين الحكومة والحركة الاحتجاجية. ومن المشكوك فيه، جداً، إن كانا، كلاهما أو كل منهما على حدة، معنيين بالبحث عن إمكانيات التجسير على الفجوات العميقة بينهما، أو مدركين لضرورة هذا البحث أو قادرين عليه. ذلك أن القضية لا تنحصر في المواضيع العينية المتعلقة ببرنامج "الإصلاح" الحكومي في المجال القضائي، وإنما هي تطال، في العمق وبقوة كبيرة، الشرخ الاجتماعي العميق، السابق على الأزمة الحالية بكثير.
المواقف القائلة إنّ العديد من القضايا والمشاكل الجدية تتفاعل وتتضخّم خلف صخب الصدام السياسي في إسرائيل، ما بين الحكومة ومعارضي خطواتها الموصوفة بالانقلاب على الحكم، تتخذ تجليات ملموسة في مسائل الصحة ومجمل الحقوق الصحية. وتكشّفت مؤخراً معطيات، وصفتها لجنة الصحة التابعة للكنيست بأنها مقلقة، وتخصّ معدل إشغال الأسرّة في أقسام الأمراض الباطنية في المستشفيات في أنحاء البلاد. وقد بلغت في مستشفى بيلينسون الواقع بين تل أبيب وبيتح تكفا 133%، وفي هداسا الواقع في القدس بلغت النسبة 114%.
هذا الأسبوع ارتأينا تسليط مزيدٍ من الأضواء على اليمين الإسرائيلي المتطرّف والمتمثّل تحديداً في مثلث الأحزاب الذي شكّل تحالف "الصهيونية الدينيّة" (والقصد أحزاب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش، وعوتسما يهوديت بزعامة إيتمار بن غفير، ونوعام بزعامة آفي ماعوز) والذي فاز في الانتخابات العامة الأخيرة (جرت يوم 1/11/2022) بـ 14 مقعداً في الكنيست المنتخب (الـ 25). وبسبب هذا اليمين المتطرّف وما يحمله من أفكارٍ وما يقوم به من ممارسات ميدانية، توصف الحكومة التي أقامها بنيامين نتنياهو معه، ومع أحزاب اليهود الحريديم (المتشددون دينياً)، وهي حكومته السادسة، بأنها الأكثر تطرفّاً دينياً وقوميّاً حتى من طرف أقرب أصدقاء إسرائيل وحلفائها، كما عبّر عنهم الرئيس الأميركي جو بايدن.
الصفحة 114 من 886