المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تُعرّف المؤسسة الحاخامية، وبشكل لا يقبل التأويل، اليهودي بأنه الشخص الذي ولد لأم يهودية، ويأتي بالدرجة الثانية الأشخاص الذين يعتنقون الديانة اليهودية من غير اليهود ("مِتجيريم").

ان ولادة طفل لأب يهودي وأم غير يهودية، لا تمنحه الديانة اليهودية، ويعتبر هذا الولد يهودياً في حال اعتناق أمه للديانة اليهودية بعد أو قبل ولادته. ووفقاً للقوانين والطقوس اليهودية الأرثوذوكسية، وفي حال ولادة شخص لام يهودية، وأب غير يهودي، يكون المولود يهودياً، وفقاً للشريعة اليهودية. ومثال على ذلك من التاريخ القريب: ترك والد المفكر اليهودي الاشتراكي "كارل ماركس" اليهودية واعتنق النصرانية وابنه في سن السادسة، أبقى ماركس الولد يهودياً تابعاً لأمه حسب الشريعة اليهودية.

لا يقتصر السؤال حول من هو اليهودي على الأمور الدينية وحسب، حيث لا يمكن فصل القومية عن الديانة اليهودية، فيرى اليهود بأنفسهم شعباً حتى قبل تسلم سيدنا موسى الوصايا العشر، وقد ورد في سفر التثنية (الاصحاح 14\2) "لأنك شعب مقدس للرب الهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبا خاصا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض".

وينبثق من منظومة "القومية هي الدين" قانون الهجرة اليهودية إلى البلاد، والذي يمنح كل يهودي حق العودة الى اسرائيل، وبمجرد دخوله اليها يمكنه الحصول على المواطنة (1950)، قانون المحاكم الدينية الحاخامية "الزواج والطلاق" (1953)، قانون سجل السكان من عام (1965) والذي يلزم كل مواطن في اسرائيل بتسجيل ديانته وقوميته في البطاقة الشخصية وغيرها من القوانين المدنية في اسرائيل.

لقد شغل سؤال "من هو اليهودي؟" المؤسسة الدينية اليهودية على مدار العقود الماضية، كما ويثار الموضوع في الخطاب السياسي المحلي منذ قيام دولة اسرائيل. وتناولت محكمة العدل العليا في اسرائيل موضوع من هو اليهودي سنة (1962) في ما عرف باسم "قضية روفايزن".

في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، رفعت البرلمانية الاسرائيلية "شولميت الوني"، الناشطة في حركة حقوق المواطن، شعار الفصل بين الدولة والدين، كما طالبت بحرية اعتناق اليهودية خارج المؤسسة الحاخامية الأرثوذوكسية.

ترفض المؤسسة اليهودية الأرثوذوكسية أفكار ونهج اليهودية الاصلاحية "الريفورم" و"الكُنسيرفاتيف" رفضاً قاطعاً، معتبرة إياهما خارج الإجماع الديني الصحيح غير مستوفين الحد الأدنى للقوانين والتعليمات الدينية في عملية "الجيور"، أي اعتناق الأغيار للديانة اليهودية بشكل سهل ومتسامح.

تشترط المؤسسة الحاخامية على الذين يرغبون في اعتناق اليهودية القيام بجميع الفرائض الدينية، "الصغيرة منها قبل الكبيرة"، وهذا الشرط لا يساوم فيه .

تدعي المؤسسة الحاخامية ان مجموعات من اليهود الروس لا يَفون بالشروط الأساسية للديانة اليهودية، وتطالب الحاخامية بإجراء الطقوس للأشخاص المشكوك في يهوديتهم.

تنص الشريعة اليهودية المدونة في تعليمات "هشولحان هعَروخ" أي الطاولة الممدودة، على وجوب إيفاء الشروط الأساسية لمن يود إعتناق الديانة اليهودية، وتنص التعليمات على ما يلي : إجراء الختان "ميلاه" للذكور، والتطهر في الماء النقي في العملية التي يطلق عليها " طفيلاه" أي تغطيس (للذكور وللإناث)، وهذه العملية موازية للتعميد في الديانة المسيحية.

بعدها يتعهد الشخص امام المؤسسة التي تعتني بشؤون إعتناق اليهودية، بتقديم أضحية لله في حال بناء الهيكل من جديد، والقيام بالواجبات الدينية والعبادات "الصغيرة منها قبل الكبيرة".

ان الختان للذكور، والتطهر بالماء النقي، واضحان في نصوص التلمود البابلي، فيقول بن آبا على لسان الحاخام يوحنان: "لا يدخل ذكر الدين اليهودي قبل ختانه وتطهره بالماء"(جمارا ام-ع"ب).

ويلي هذه الطقوس تنفيذ العبادات الدينية بأكملها. كما ذكرت في التلمود ضرورة الشرح للشخص الذي يود التهود مدى صعوبة اعتناق اليهودية، والمشاق التي يمر بها اليهود كأمة بين الشعوب الأخرى، فإن قبل الشخص الوضع وأجاب بالموافقة، فإنه يقبل للديانة، وحينها يتم ارشاده على كيفية تنفيذ الفرائض والعبادات بأكملها.(جمارا م ز-ع"أ )

يشرح التلمود عملية اعتناق اليهودية، "جيور"، التي يتم فيها تلقين الشخص الفرائض الدينية على مرحلتين: تكون الأولى قبل اعتناق الشخص الديانة اليهودية رسمياً، وفيها يستمع الى الصعوبات في أداء الفرائض وتنفيذ الشرائع، ويتم الأمر امام الجهة المختصة في الموضوع، وتكون في الغالب المحكمة الدينية. وإن وافق على الشروط برغبته الشخصية يقبل في اليهودية فوراً.(جمارا م ز-ع"أ )

يشرح للشخص في المرحلة الثانية أصول العبادات والشرائع أثناء عملية التطهر في الماء، من خلال حاخامين متمرسين في العبادات.

يحبذ "الرمبام" إبلاغ الراغب في اعتناق اليهودية بالمصاعب والمخاطر التي يمكن ان تواجهه، ويوصي بفحص ماضي الشخص، واخلاقياته، كما يتوجب سؤاله عن رغبته في التهود، وان قبل التحديات يضم للديانة اليهودية.

ان الجملة التلمودية "كَشيم جيريم ليهوديم كَسَباحَت" والتي تعني صعوبة وثقل الاشخاص معتنقي اليهودية على اليهود انفسهم، هي تفسير لمكانة "متجيير" في اليهودية.

يشدد الرمبام على الدوافع لاعتناق اليهودية، فيفحص ان كانت دوافع الشخص مادية، أو الجري وراء الجاه والسلطة، أو من دوافع الخوف، أو حتى رغبة الشخص الزواج من امرأة يهودية.

تطرق "حاييم كوهين"، القاضي السابق في محكمة العدل العليا، الى موضوع "من هو اليهودي" في الكثير من الكتابات. وفي المقال الذي نشر تحت عنوان "من هو اليهودي؟" في مجلة "يَهدوت حوفشيت" (يهودية حرّة) عدد: 26- 27، سنة 2003 كتب قائلاً : "اليهودي هو الشخص الذي يعلن ويصرح بأنه يهودي عن قناعة ذاتية صادقة"، وأضاف يقول ان النقاش حول القضية من هو اليهودي شغل على مدار التاريخ المؤسسة الدينية اليهودية، ويبدي كوهين رأيه ويقول: "إن التهود في دولة يهودية كدولة اسرائيل يجب ان يكون اكثر تسامحاً، كونه يختلف عن اعتناق اليهودية في دولة أجنبية غير يهودية".

تنعكس مسألة من هو اليهودي على الحياة الفردية والعامة في دولة إسرائيل. ففي وثيقة الاستقلال ذكرت يهودية الدولة، الأمر الذي انعكس على القوانين والشرائع الدينية، وعلى رأسها قوانين السبت التي تمنع العمل والاتجار في أيام السبت في المدن والقرى اليهودية.

تتحكم المؤسسة الحاخامية، "رابانوت راشيت"، بالمؤسسات الدينية والمحاكم الربانية اليهودية، وبمؤسسة مراقبة صلاحية المأكولات والأطعمة، "كشروت".

يدور اليوم صراع مرير بين المؤسسة الحاخامية الأرثوذوكسية، وبين جهات تحررية علمانية- اصلاحية، حول مصداقية المؤسسة الحاخامية.

تمانع الحاخامية الأرثوذوكسية تقديم الخدمات الدينية لمجموعات واسعة في المجتمع اليهودي في دولة إسرائيل، فمنذ سنوات الخمسينات من القرن الماضي طرحت الأحزاب العلمانية وعلى رأسها حزبا "مبام" و "اللبيراليون المستقلون"، مسألة "بسولي حيتون" (مرفوضي الزواج) من قبل المؤسسة الحاخامية، بادعاء ان هؤلاء الاشخاص لا يَفُون بشروط الشريعة اليهودية. أمثال: زواج الكهنة من المطلقات، وزواج اليهود من المجموعات الاصلاحية "ريفورم" من نساء يهوديات وبالعكس، وزواج شخص غير شرعي "مامزير" (لقيط) من المرأة اليهودية، وحتى عدم الاعتراف بشرعية الزواج الذي يعقد من قبل الحاخامات الاصلاحيين "ريفورميم".

أدت كل الأسباب التي ذكرت، الى احتدام النقاش لدى القطاعات الواسعة داخل المجتمع اليهودي في اسرائيل، وعلى وجه التحديد حول مصداقية اليهودية التي جلبها اليهود الروس الى البلاد. وطرح السؤال بحدته في فترة تولي حزب شاس الديني حقيبة الداخلية ذات التأثير المباشر على منح الهوية والمواطنة في اسرائيل. وقد تولى هذه الحقيبة وزارء حزب شاس، الذين عملوا بالتنسيق مع المؤسسة الدينية في الحفاظ على الهوية الأرثوذوكسية، من خلال رفض اليهودي غير الموثوق في يهوديته التي حددتها المؤسسة الحاخامية.

انتقلت السلطة بعد ذلك من حزب شاس الى الوزير "ناتان شيرانسكي"، رئيس حزب اليهود الروس "يسرائيل بعلياه"، الذي قام بدوره بتخفيف الرقابة على الهوية الدينية لليهود الروس وعمل على تذليل القليل من العقبات التي واجهت مؤيديه من اليهود الروس في مسألة من هو اليهودي؟

وفي الفترة التي تولى فيها حزب "شينوي" حقيبة الداخلية، وبما أن هذا الحزب مناهض للأحزاب الدينية المتشددة وللمؤسسة الدينية الحاخامية، فقد طفت على السطح قضية من هو اليهودي من جديد.

(*) من كتاب صادر حديثًا للمؤلف بعنوان "اليهودية- ديانة توحيدية أم شعب مختار؟"

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات