المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قابله: فراس خطيب

الباحث الإجتماعي، البروفيسور ماجد الحاج، يقدم من خلال كتابه الجديد "الهجرة والتكوين الإثني لدى اليهود الروس في إسرائيل" طرحاً إجتماعياً سياسيًا قد يعتقده البعض للوهلة الأولى مألوفاً في المجتمع الاسرائيلي، لكنه يحمل في طياته رؤى جديدة وتأثيرات بعيدة الأمد تستقطب تأثيرات الهجرة الروسية الإجتماعية والسياسية والثقافية على المجتمع الاسرئيلي عامة وعلى الفلسطينيين في الداخل واليهود الشرقيين والغربيين، إذ يضع الحاج هذه القضايا كلها في منظور شمولي واحد وفي واقع واحد تملأه التخبطات في كل المجالات.

يعتمد هذا الكتاب، الصادر أخيرًا عن منشورات "بريل" باللغة الإنجليزية، على سلسلة من الأبحاث الميدانية قام بها الباحث على مدى عقد من الزمن منذ قدوم الموجة الأولى من هؤلاء المهاجرين إلى إسرائيل، في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. ولا يخفي الحاج، في حديثه لـ "المشهد الاسرائيلي"، أن شعوراً قديماً إنتابه منذ أوائل التسعينيات لخوض غمار هذا الموضوع.

الحال في المجتمع الإسرائيلي تثير تساؤلات دائمة وربما مستديمة أيضاً، ويحاول الحاج الإجابة على أسئلة إجتماعية مصيرية لها تأثيرات مباشرة على ثلاثة محاور أساسية، وهي المجتمع، الثقافة والسياسة. ويخوض الحاج باحثاً عن تلك المؤثرات التي كانت والمؤثرات المتوقعة مستقبلاً نتيجة الهجرة الروسية التي لا يعتبرها تقليدية مثل باقي الهجرات في العالم.

ماذا يفكر هؤلاء الروس؟ ما هي العلاقة التي تجمعهم مع الفلسطينيين في الداخل؟ هل مواقفهم هذه ناتجة عن ايديولوجية سياسية ام انها يهودية عقائدية؟ ما هو موقفهم من اليمين واليسار الاسرائيليين؟ وماذا بالنسبة لمواقفهم؟ هل هي قابلة للتغير أم انها عبارة عن إيمان لا يتزحزح؟ وهل هم حقًا متعالون على الاسرائيليين؟ عن هذه الأسئلة يجيب البروفيسور ماجد الحاج في هذا الحوار الخاص مع "المشهد الإسرائيلي":

(*): "المشهد الاسرائيلي": لماذا الآن بالذات تتطرق الى قضية الروس، خاصة وأن هذا الموضوع ليس مطروحًا حالياً؟.

(*) أولاً: الباحث الاجتماعي عادة لا يعتمد في ابحاثه على ما تنشره الصحف او حسبما هو مطروح، الحديث هنا عن ظواهر، ليست بالضرورة مطروحة بشكل خاص. انا عملت من خلال دراسة عامة على المجتمع الإسرائيلي سيكون لها تأثير بالغ على المدى البعيد.

ثانيا: هذا تحد اجتماعي وحضاري بالنسبة لي كباحث عربي،لأن الباحثين يفتشون دائمًا في دائرتهم وفي ذاتهم، وانا أعتبر هذا شرعيًا للغاية لكنه ليس كافيًا، والباحث العربي اغلق على نفسه هذه الدائرة. عمليًا وبهذا النهج المتبع يكون الباحث العربي قد أدخل نفسه في سياق "جيتو ثقافي"، وحدّ من تفكيره ومن امكانية فهمه لذاته خاصة في مجتمع مثل المجتمع الاسرائيلي. الباحثون العرب لم يتعمقوا في البحث في المجتمع الاسرائيلي بالشكل الموضوعي، والحديث جار هنا عن النظرة الى المجتمع الاسرائيلي من دافع حقيقي وليس من دافع نتخيله، هذا التخيّل وعدم الدراسة الحقيقية وضع العالم العربي في حال فشل فيها، سواء بسواء، في بناء استراتيجيات مواجهة واستراتيجيات سلمية مع إسرائيل نتيجة عدم بحثه الحقيقي في القضايا المحورية.

ثالثا: الفكر الصهيوني يرفض البحث من الخارج فيما يتعلق في داخله نظراً لإعتبار هذا الفكر ذلك الداخل بمثابة "بقرة مقدسة"، وعدم توجه الباحثين الى هذا الفكر (الصهيوني. ف.خ) أراح المجتمع الصهيوني.. يسألونني دائما، لماذا تهتم بهذا الموضوع؟ فهم يعتقدون ان الباحث العربي يبحث مجتمعه فقط لا أكثر..

(*)"المشهد الاسرائيلي": لماذا موضوع الهجرة الروسية؟ اليست هي هجرة تقليدية تشبه اي مكان في العالم؟ أم ان ثمة ما يميزها؟.

(*) هذه الهجرة تختلف.. وهذا ما كتبته وهذا ما هو موجود فعلا. انا اعتقد ايضا ان هذه المجموعة هي المجموعة التي ستشكل النخبة السياسية والثقافية للمجتمع الاسرئيلي للجيل القادم. أنظر مثلاً الى النخبة الاشكنازية، فهي فئة نفد دورها، وحتى لو نظرنا الى اليهود الشرقيين أيضًا، فهم ما زالوا مهمشين، واذا نظرنا الى الفئة الروسية نرى أنهم على خلاف الشرقيين لم يتنازلوا عن ثقافتهم ولم يقبلوا الطرح الاسرائيلي كما كان، ولم يتعاملوا مع اسرائيل على انها واقع ومجتمع ودولة، لا بل العكس تمامًا، تعاملوا من منطلق إستعلائي ظاهر..الامر الثالث هو ان المهاجرين الروس جاءوا الى هنا مثقفين، فهم يعتبرون الفئة الأكثر تعلمًا في المجتمع الإسرائيلي. نقطة أخرى من الإختلاف من المهم ان نتطرق اليها هي أن هؤلاء المهاجرين جاءوا الى إسرائيل مع نسبة عالية من غير اليهود تصل الى 30% ، ولا يمكن لهؤلاء الإنصهار داخل المجتمع الاسرائيلي، هذه المجموعة هي جديدة خلافا لما طرح في سنوات سابقة، وتنفي دراستي الطرح القائل "إن اسرائيل مبنية على قطبين" الاشكنازي من جهة والشرقي من جهة أخرى، لا بل إن المجتمع الاسرائيلي مبني على ثلاثة أقطاب اليوم.

(*)"المشهد الاسرائيلي": دعنا نستعرض التأثيرات السياسية- الاجتماعية التي كانت من جهة وتلك المتوقعة من جهة أخرى؟

(*) الروس يشكلون اليوم حوالي مليون انسان اي 16% من المجتمع الاسرائيلي حالياً، القسم الأكبر من هذه المجموعة موجود في اوساط اليمين الاسرائيلي لكن لا استبعد في ظروف معينة ان يدعم هؤلاء أحزاب الوسط او حتى أحزابًا من اليسار.. وهذه المجموعة تؤكد وتقوي المبنى الاثني والقومي لدولة إسرائيل، هذا المبنى الذي يستثني الاقلية الفلسطينية الموجودة في داخلها. ومن هذا المنطلق فإن هذه الفئة تهمش الفلسطيني اكثر واكثر، وهم يعتبرون أنفسهم النخبة السياسية الموجودة، هذه المجموعة ستسرع الى خلق نخبة جديدة على مستوى المنطقة.

لم تأت هذه المجموعة على خلفية ايديولوجية، وقسم قليل منها يميني جداً وضد أي حل سياسي، وفي أي استفتاء داخل اسرائيل سيكون هؤلاء في صفوف اليمين. مثلا: إذا عدنا الى العام 92 عندما صرح البنتاغون انه سيعطي اسرائيل قروضًا لاستقبال الهجرة مقابل تجريد المستوطنات، دعمت هذه المجموعات الروسية مبدأ "الارض مقابل السلام" ودعمت رابين في حينه. وفي العام 96 صوتت ضد شمعون بيريس لصالح بنيامين نتنياهو وفي العام 99 دعمت ايهود باراك، وفي الـ 2001 كانت الى جانب شارون، ونتيجة لهذه التقلبات نتوصل الى نتيجة هي أن تعامل هؤلاء ليس مرتكزاً إلى أيديولوجيات سياسية واضحة بل هم متأثرون من الحياة الثقافية السياسية، وينتابهم حاليًا شعور "إسلام فوبيا" وكراهية تجاه المسلمين ويرون في العرب مسلمين ويتعاملون من هذا المنطلق، ولكن اذا ما تناقض هذا المنحى مع مصالحهم الشخصية فإنهم حتمًا سيغيرونه.

(*) "المشهد الإسرائيلي": لنعد الى موضوع الثقافة السياسية وبنيتها عند المجموعة الروسية وتأثير هذا على إسرائيل؟

(*) الثقافة السياسية مبنية على اساسين، الاول اثني والثاني قومي. عمليا هي مبنية على مستوى طبقي وتستثني اليهود الشرقيين والعرب، اما المنطلق الإثني فهو يستثني الفلسطيني، وبما ان الفكر الصهيوني ينادي بتجانس المجتمع، لذا فإن المجتمع الاسرائيلي ركزعلى خط قومي واحد ووضع العرب في اسرائيل خارج "حدود الشرعية"، والمقصود هنا عدم إشراكهم في مراكز القوى، وهم الوحيدون الذين يعتبرون خطرا امنيا واقلية معادية للدولة. اما بالنسبة للمجموعات الثانية فقد انخرطت في كل المراكز. هذا التجانس في المجتمع الاسرائيلي المبني على إساس اثني وقومي، خلق تناقضات كبيرة من أهمها قضية "التعريف" عند الاسرائيليين على الرغم من التركيز الاسرائيلي على ذلك التعريف. إسرائيل ليست علمانية وليس كل سكانها يهوداً، خذ بعين الإعتبار العمال الاجانب، العرب، الروس غير اليهود. كذلك الامر بالنسبة للصهيونية، إن اكثر من 50% من الاسرائيليين ليسوا صهيونيين. وأما بالنسبة لطابع الدولة اليهودي، فلا يوجد تعريف مشترك، المتدينون يفهمون اليهودية شكلاً، واليهود الشرقيون يفهمونها شكلاً آخر...

(*) "المشهد الاسرائيلي": قلت ان العرب سيبقون خارج حدود الشرعية؟ ما الجديد في ذلك؟.

(*) هذا الواقع ليس جديداً، لكن السؤال المطروح يبقى هو: هل ستفتح اسرائيل هذه الحدود لإدخال العرب؟ إستنتاجي هو ان العرب سيهمشون اكثر على المدى القريب، وربما ستلعب في هذا الشأن عوامل أخرى على المدى البعيد والتي من الممكن ان تنفي هذا الاستنتاج. بالنسبة للجديد، فهو كالتالي: يقول الطرح القديم إن حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني من الممكن ان يساهم في خلق تسوية داخل اسرائيل. انا أطرح العكس، وهو ان العرب في اسرائيل هم على هامش مزدوج، والحلول المطروحة تعود الى تكريس هذا الهامش، لان في المجتمع اليهودي رغبة في ايجاد تسوية من منطلق "تكريس اسرائيل"، ومنعها من التحول الى دولة ثنائية قومية. لذا فإن اسرائيل تعمق الثقافة الاسرائيلية، واذا كانت هناك تسوية للصراع على الاقل فهي تسوية يجب ان تؤدي الى "تكريس الهوية" وهذا سيستثني اكثر وأكثر المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل .

(*)"المشهد الاسرائيلي" : كيف تقبل الباحثون الاسرائيليون مجمل هذا الطرح؟

(*) هم ليسوا فئة واحدة، لكن يجب ان نعلم أن اكثر موضوع فيه باحثون هو موضوع الهجرة كون قضية الهجرة في اسرئيل تختلف كليًا عن كل الهجرات في العالم. وهذا الكتاب يطرح منحى جديدًا، وليس مبنياً على تمنيات او على تحليل مقال صحفي. هذا البحث هو الأول الذي يتطرق اليه باحث ويتناول الموضوع بشكل واضح . لم يتطرق اي بحث الى مواقف الهجرة تجاه الفلسطينيين. هذا الكتاب يطرح ما هو جديد تماما، وما زال وقعه يثير نقاشًا حاداً حتى اليوم.

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات