يبث القرار الذي اتخذه المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية والأمنية ("الكابينيت") بالإجماع الليلة الماضية، والقاضي بتوسيع الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، رسالة فحواها أن القناعة السائدة لدى المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل هي أنه حان الوقت للانتقال إلى مرحلة هجوم كامل وحاسم في القطاع. وبموجب ما تُروّج له أبواق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فإنه بهذا الشكل من الهجوم يمكن تحقيق أهداف الحرب وأهمها القضاء على حركة حماس، إلى جانب توجيه رسالة شاملة على المستوى الإقليمي.
يبدو أن هناك شبه تسليم في إسرائيل بأن هناك اتفاقاً آخذاً بالتبلور بين الولايات المتحدة وإيران، بحسب ما يرد تباعاً في أغلب التحليلات الإسرائيلية بشأن جولات المفاوضات التي جرت بين مندوبي الدولتين حتى الآن في كل من سلطنة عُمان وإيطاليا. ووفقاً لما يكتبه محللون إسرائيليون مقربون من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فعلى الرغم من أن المحادثات لا تزال في بدايتها إلا إن "حماسة الطرفين غير محدودة، ويبدو أنهما مصممان على التوصل إلى اتفاق. وعندما يندفع كلاهما نحو الاتفاق بهذه السرعة، قد ينتهي بهما الأمر إلى التوصل إليه فعلاً" ("يسرائيل هيوم"، 27/4/2025).
وفي سبيل أن نضع القراء في سياق الموقف الإسرائيلي بمختلف جوانبه، يتعيّن أن ننوّه بما يلي:
إلى ماذا تشير آخر التقديرات في إسرائيل فيما يتعلق بمخططاتها حيال الحرب التي استأنفتها ضد قطاع غزة منذ يوم 18 آذار الماضي؟ وما الذي تخبئه الأيام المقبلة بهذا الشأن؟ وهل تنفرد إسرائيل في اعتماد المخططات التي بحيازتها والدفع بها قدماً أم أنها تحظى بموافقة الإدارة الأميركية والرئيس دونالد ترامب؟ وما هو موقف الرئيس الأميركي الذي يدرك الجميع أنه الآمر الناهي في هذا الصدد؟
تحاول أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ربط استمرار الحرب على غزة وفي جبهات أخرى بعوامل تحيل إلى فوائد جمّة على المستوى البعيد، كي تبعد عنها بالأساس شبهة المصالح السياسية والشخصية لنتنياهو خصوصاً واليمين الإسرائيلي المتطرّف عموماً. وفي هذا السياق يمكن مصادفة أمور يتم تداولها باعتبارها حقائق لا يمكن الخروج عن سلطتها. وهو ما حاول أن يسوّقه وزير الطاقة والبنى التحتية إيلي كوهين ضمن مقال بعنوان "خط الطاقة الجديد: كيف تعزّز الحرب مكانة إسرائيل في المنطقة" ("معاريف"، 27/3/2025).
مع استئناف الحرب على غزة لوحظ أن أكثر ما يسكن تقديرات جلّ المحللين السياسيين والعسكريين في إسرائيل، ناهيك عن عدد كبير من القادة العسكريين السابقين، هي قناعة تامة بأن الحرب تخدم أولاً وقبل أي شيء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يسعى للبقاء، ويعتمد بقاؤه على حلفائه المسيانيين الإشكاليين. ويسكن هذه التقديرات ثانياً نقطة انطلاق تنوّه بأن نتنياهو ما كان ليقدم على خطوة استئناف القتال، التي لا تحظى بإجماع إسرائيلي، من دون دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بدأ ولايته الرئاسية الثانية بالكشف عن أنيابه الحادّة.
لا بُد من القول إن ما يجري تداوله في إسرائيل بشأن مستقبل الحرب ضد قطاع غزة وما آلت إليه من نتائج حتى الآن، في ظل عدم الوضوح الذي يحيط بسير مفاوضات الهدنة أو وقف إطلاق النار، يشي بما يلي من استنتاجات، والتي بوسعها أن تُحيل إلى الصورة العامة باعتبارها، بكيفية ما، تحصيل حاصل تجميع الجزيئات المتفرقة:
أولاً، حسم المعركة مع حركة حماس ما زال بعيد المنال، بل ثمة من يؤكد أنه غير ممكن. وهذا الاستنتاج غير مقتصر على اللواء في الاحتياط إسحق بريك، الذي التصق به نعت "نبيّ الغضب" في إبان هذه الحرب، وكرّر مؤخراً تأكيد أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع بوضعه الحالي البقاء وقتاً طويلاً في المناطق التي احتلها من قطاع غزة، ولا يمتلك القوة الكافية من أجل تفجير مئات الكيلومترات من الأنفاق (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 12/3/2025)، بل يتعدّاه إلى مسؤولين عسكريين وأمنيين سابقين ناهيك عن محللين في الشؤون الأمنية والعسكرية من الصعب حصرهم.
الصفحة 2 من 49