عشية الانتخابات الأميركية التي ستجري غداً الثلاثاء (5 تشرين الثاني 2024) ومن شأنها أن تنطوي على نقطة تحوّل في كل ما يتعلّق بمآل الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، فإن أول ما ينبغي التذكير به - وهو ما سبق أن أكّدناه مرات عديدة- أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يراهن منذ فترة طويلة على عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
تتفق معظم التحليلات الأمنيّة والسياسية في إسرائيل على أن قيامها لأول مرة، يوم 26 تشرين الأول الحالي، بشنّ هجوم جوي واسع على أهداف في مواقع عدة في إيران، بما في ذلك أهداف قريبة من العاصمة طهران، أثبت أنها تمتلك تفوّقاً جوياً واستخباراتياً، فضلاً عن أنه تسبّب أيضاً بتحرّرها من خوف دفين عكسته سيناريوهات استشرافية بشأن مثل هذا الهجوم في الماضي القريب والبعيد، وفحوى هذا الخوف أن تنفيذ هجوم جوي إسرائيلي على إيران يمكن أن يؤدي إلى إسقاط طائرات وأسر طيارين أو حتى مقتلهم، ولكن هذا لم يحدث.
في الوقت الذي تُسلّط فيه الأضواء على الحرب مع حزب الله في الجبهة الشماليّة، وعلى الردّ الإسرائيلي على إيران، يبدو أن إسرائيل بدأت بتنفيذ ما تخطط له في كل ما هو مرتبط بـ "اليوم التالي" للحرب بالنسبة إلى قطاع غزة. ولعل ما أثار مثل هذا الاحتمال هو قيام إسرائيل بإعادة "الفرقة العسكرية 162" إلى جباليا برفقة دعوة سكان شمال القطاع إلى إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً عبر "محور نتساريم"، وهو ما اعتبره الكثير من المحللين بمثابة تحقيق لجزء كبير من الفكرة التي يُطلق عليها اسم "خطة الجنرالات" والتي يُعَد اللواء في الاحتياط غيورا آيلاند من أبرز الممثلين لها في الإعلام، وهي تهدف إلى السيطرة على شمال قطاع غزة، وإخلائه من السكان المدنيين هناك، وفرض حصار على المنطقة، كخطوة يُفترض أن تعزّز تحقيق أهداف الحرب ضد حركة حماس (استعادة المخطوفين، وتقويض القوة العسكرية والسياسية لحماس). وفي الخطة اقتراح ينص على تجويع الناس الذين سيبقون في شمال القطاع بافتراض أنهم بصورة أساسية من عناصر حماس. وأشير في أكثر من مناسبة، كان آخرها في سياق ورقة تقدير موقف صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، إلى أن المنظومة الحكومية والسياسية في إسرائيل تفاعلت مع الخطة بإيجابية، على الرغم من أنها لم تعتمدها بالكامل بعد.
تصادف اليوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 الذكرى السنوية الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وقد جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7/10/2023. وهي ما زالت مستمرة، بل واتسعت في الأسابيع الأخيرة لتشمل الجبهة الشمالية مع لبنان، وما توصف بأنها "الحرب الإسرائيلية- الإيرانية الأولى". ولعلّ ما يمكن إجماله في مناسبة مرور أول عام على هذه الحرب هو ما يلي:
تتفق التقديرات السائدة في إسرائيل على أن هذه الأخيرة تحاول، من خلال آخر العمليات التي استهدفت بواسطتها حزب الله ومعظم قادته العسكريين وشبكة الاتصالات والاستدعاءات التي بحيازته، أن تضعه في مواجهة خيارين:
الأول، ويبدو أنه المحبّذ من ناحيتها، هو فك الارتباط بين الجبهة الشمالية والحرب في قطاع غزة والتوصل إلى حلٍ دبلوماسيّ يسفر، من بين أمور أخرى، عن عودة سكان الشمال إلى منازلهم، وانسحاب مقاتلي الحزب من منطقة الحدود مع إسرائيل إلى شمال نهر الليطاني.
والخيار الثاني هو الذهاب نحو مواجهة شاملة في حال قرّر الحزب عدم تبني الخيار الأول، على أن يكون القرار بشأن هذه المواجهة صادراً عن الحزب وليس من جانب إسرائيل.
مع انتهاء الأسبوع الأول من الشهر الثاني عشر لأطول حرب تخوضها إسرائيل منذ إقامتها يقرّ معظم المحللين العسكريين الإسرائيليين بأن "الدولة تجد نفسها في عمق دوامة أمنية، والحدث يلاحق الحدث، والردّات تتلاحق، ولا نهاية للأحداث في كل الجبهات من حولها. ومن الناحية الأمنية، فإن وضع إسرائيل ليس فقط لا يتحسّن بل أيضاً يزداد تعقيداً، ومن جهة أُخرى لا يوجد أفق يدل على نهاية الحرب أو حتى على التوجه نحو حلّ للوضع"، حسبما وصف ذلك اللواء احتياط يسرائيل زيف، القائد السابق لفرقة غزة ولشعبة العمليات في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي قبل يومين (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 14/9/2024).
الصفحة 5 من 49