المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
النزوح القسري من مدينة غزة. (أ.ف.ب)
  • كلمة في البداية
  • 7
  • أنطوان شلحت

مع استمرار ما يوصف في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه توغّل الجيش الإسرائيلي  البرّي في قلب مدينة غزة، في إطار عملية عسكرية واسعة النطاق ترمي إلى احتلال المدينة، وهو التوغّل الذي تشارك فيه فرقتان نظاميتان، ومن المتوقع أن تنضم إليهما فرقة أُخرى لاحقاً بينما تنتشر فرقتان إضافيتان في وضعية دفاعية، يُلاحظ أن تركيز معظم وسائل الإعلام هذه، ولا سيما محلليها العسكريين، هو على ما يلي:

 

أولاً، أن أوساطاً يتم نعتها بأنها "مهنيّة" في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعارض العملية، وبعض هذه الأوساط يعتبر أن العملية هي بمثابة مجازفة غير محمودة العواقب. وبموجب ما كتب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل فإن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال إيال زامير "تجادل مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشأن هذه العملية حتى اللحظة الأخيرة، واستمر في الضغط، عبثاً، من أجل إبرام صفقة تبادل أسرى جديدة".

ثانياً، تفتقر الساحة الإسرائيلية الداخليّة إلى حركة احتجاجية فعّالة ضد هذه الخطوة.

ثالثاً، تشي قرارات نتنياهو وتصريحاته الأخيرة كلها (والتي شملت، من بين أمور أخرى، رفض مقترحات أميركية بشأن صفقة تبادل أسرى جديدة، وقصف الدوحة في قطر، والإصرار على اجتياح مدينة غزة، وخطابه الذي أعلن فيه أنه سيحوّل إسرائيل إلى "سوبر- إسبارطة" ويقصد دولة مكتفية ذاتياً واقتصادياً في مواجهة "الكراهية الأوروبية") بأنه معنيّ بمواصلة الحرب على قطاع غزة إلى ما لا نهاية، لأن وقفَها من شأنه أن يهدّد بقاءه السياسي، ناهيك عن أنه لم يعد يذكر الأسرى الإسرائيليين، و"واجب" إطلاقهم، متجاهلاً بذلك صرخات عائلات الأسرى، التي ترى أنه أمر باجتياح مدينة غزة على الرغم من الخطر المباشر والداهم على حياة أبنائها.

رابعاً، إن أبرز أسباب موقف نتنياهو هذا هو أنه ما زال يحظى بدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمواصلة الحرب. ومن آخر مظاهر تجسيد هذا الدعم استخدام الولايات المتحدة، في نهاية الأسبوع الفائت، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي طالب بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة وإطلاق الأسرى الإسرائيليين، والذي حظي بتأييد جميع الأعضاء الـ14 الآخرين في مجلس الأمن. وبموجب تحليلات إسرائيلية متطابقة، يفضل ترامب منح نتنياهو فرصة أُخرى، والتقدير السائد هو أنه لن يكون هناك أي تحوّل في هذا الوضع إلا عندما يتغيّر موقف الرئيس الأميركي.

بالرغم من هذا التماسك على صعيد الجبهة الداخلية، تحدث في الجبهة الخارجية تطوّرات مهمة لعل أبرزها الاعتراف المتواتر بالدولة الفلسطينية، وتصاعُد المقاطعة ضد إسرائيل.

وفي قراءة المراسل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إيتمار آيخنر، فإن تصريحات نتنياهو حول "العزلة السياسية" التي يُتوقع أن تدخل فيها إسرائيل لم تكن مجرد إعلان سياسي بل هي حقيقة مريرة تنتشر كالنار في الهشيم خارج المجال الدبلوماسي وتؤثر في مجالات عديدة أبرزها الاقتصاد والثقافة والعلوم والمجال الأكاديمي والرياضة والسياحة، وفيما هو أبعد من ذلك. وبرأيه "إسرائيل اليوم دولة منبوذة".

وبغية توضيح الصورة أكثر، يُشار مثلاً على الصعيد الاقتصادي إلى تعليق بنود في اتفاقيات التجارة مع إسرائيل، بما في ذلك إعادة فرض رسوم جمركية على السلع الإسرائيلية، كردّ على الحرب في قطاع غزة والانتهاكات المستمرة في الضفة الغربية.

كما يتم التنويه بأن الثقافة الإسرائيلية تتلقى ضربات موجعة على خلفية دعوات في أرجاء العالم إلى مقاطعة التعاون مع إسرائيل والتي تذكّر إلى درجة كبيرة بالمقاطعات ضد جنوب أفريقيا في زمن نظام الأبارتهايد. وكذلك فإن هذه الضربات ناجمة عن مواجهة فرق موسيقية إسرائيلية صعوبات في المشاركة في المهرجانات الدولية. وقد أعلنت إسبانيا، إحدى الدول الخمس الكبار التي تموّل مسابقة الأغنية الأوروبية (اليوروفيجن)، أنها ستنسحب من المسابقة في العام 2026 في فيينا في حال شاركت إسرائيل، وبهذا تنضم إلى هولندا وأيرلندا وسلوفينيا، التي أعلنت احتمال المقاطعة فعلياً، وكذلك تتعالى أصوات مشابهة في آيسلندا.

وتواجه الرياضة الإسرائيلية تهديداً مماثلاً. وهناك محاولات لمنع فرق إسرائيلية من المشاركة في البطولات الأوروبية، وقد تبلغ الذروة إلى حدّ الاستبعاد الكامل من بطولة أوروبا لكرة القدم، وصولاً إلى الألعاب الأولمبية، وهو ما يشبه العقوبات المفروضة على روسيا عقب الحرب في أوكرانيا.

وتتسارع المقاطعة الأكاديمية ضد إسرائيل، وأطلقت لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية على ذلك عنوان "التهديد بفرض حصار علمي على إسرائيل". ويشمل هذا الإجراء إبعاد إسرائيل من برامج بحث أوروبية، ومقاطعة الباحثين الإسرائيليين في جمعيات أكاديمية مهنية، وقطع العلاقات ووقف التعاون بين المؤسسات، ووقف التعاون الأكاديمي مع أعضاء هيئات التدريس الإسرائيلية.

ومنذ تموز 2025، أوقفت مجموعة من الدول بيع السلاح لإسرائيل، أو قلّصته، ومنها سلوفينيا التي كانت أول مَن فرض حظراً كاملاً، وإيطاليا، وإسبانيا، وكندا، وهولندا، والمملكة المتحدة وبلجيكا. كما أن هناك توجهاً لإلغاء صفقات شراء أسلحة من إسرائيل.

ومن المعروف أن الإسرائيليين يحظون بإعفاء من التأشيرة في 131 دولة، لكن تقارير إسرائيلية تشير إلى أن هناك دولاً قد تلغي الاتفاقيات بسبب التحقيق في تورُّط إسرائيل في إبادة جماعية، أو جرائم حرب. ووفقاً لما أورده آيخنر، ظهرت فعلاً بعض القيود في أميركا الجنوبية، وهي الوجهة المفضلة للمسرّحين من الجيش، حيث تم نشر أسماء جنود في شبكات التواصل الاجتماعي، ما جعلهم يضطرون إلى المغادرة سراً، خوفاً من الاعتقال، وهذا الوضع سيضرّ بالسياحة الوافدة والسياحة في الخارج بشدة، وحتى بالإجازات العائلية البسيطة. وواجه كثيرون من الإسرائيليين بشكل فعلي إلغاء حجوزات عبر Airbnb، أو في نُزل، أو فنادق، فقط لأنهم إسرائيليون.

ومثلما ينوّه البعض، فإن عدم اكتراث نتنياهو بكل هذه المستجدّات المهمة في الجبهة الخارجية يعود إلى سببين: الأول، أن جبهته الداخلية ما زالت محصّنة. والثاني، أنه يسوّق نفسه، ويسوّقه أبواقه، بأنه "الرجل المناسب" الذي سيواجه هذا كله!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات