قبل خمسة أيام دخلت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها الحادي عشر. وفي إجمال سريع لكثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية أشير إلى أنه بالرغم من انقضاء هذه الفترة الطويلة فإن بنيامين نتنياهو، الذي يحملّه العديد من الساسة والمسؤولين الأمنيين السابقين، فضلاً عن العديد من المحللين السياسيين والأمنيين، المسؤولية الرئيسة عن هذه الحرب التي جاءت في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس ضد مواقع عسكريّة وعلى مستوطنات ما يعرف باسم "غلاف غزة" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما زال رئيساً للحكومة اليمينيّة الأكثر تطرفاً قومياً ودينياً والتي بدأت ولايتها بخطة الانقلاب على الجهاز القضائي وما تسببت به من انقسام عمودي في المجتمع الإسرائيلي، وما زال الجيش الإسرائيلي يعيث قتلاً ودماراً في قطاع غزة، كذلك فإن عشرات ألوف الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من منطقتي الحدود مع غزة في الجنوب ومع لبنان في الشمال (على خلفية القصف المتبادل مع حزب الله) ما انفكّوا يقيمون في فنادق ولا يدرون متى تحين ساعة عودتهم إلى منازلهم، وفي الوقت الحالي فإن ملايين الإسرائيليين في حالة ترقّب غير مسبوقة لاحتمال تعرّضهم إلى هجمات من جانب إيران وحزب الله ردّاً على عمليتي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في طهران، والقائد العسكري في حزب الله فؤاد شُكر في الضاحية الجنوبيّة لبيروت.
بحسب معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية كان معروفاً سلفاً أن سفرة رئيسي جهازي الموساد والأمن العام ("الشاباك") ديفيد برنياع ورونين بار إلى القاهرة في نهاية الأسبوع الفائت، لغاية استئناف محادثات صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة حماس، عقيمة ولن تحمل أي بشائر جديدة.
وفي نهاية الأسبوع نشرت وسائل إعلام إسرائيلية عن اندلاع صدام حادّ بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورؤساء المؤسسة الأمنيّة على خلفية رفض توصيتهم بالمضي قدماً نحو المفاوضات. ومع ذلك فإن رؤساء المؤسسة الأمنيّة لا يخرجون علناً ضد نتنياهو، باستثناء تلميحات بسيطة بهذا الخصوص يدلي بها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي يبدو أن مواقفه منسجمة مع ما تتبنّاه المؤسسة الأمنيّة.
وفقاً لآخر القراءات الإسرائيلية حول المحطة الراهنة التي وصلت إليها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما يمكن أن تؤول إليه في قادم الأيام، يمكن ملاحظة ما يلي:
أولاً، هناك اتفاق واسع على أن سلوك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ناجم قبل أي شيء عن مصلحته الشخصية والسياسية الضيقة من جهة، وعلى أن هذه المصلحة منفصلة تماماً عن حاجات إسرائيل في الواقع، من جهة أخرى. ولعلّ أكثر ما دفع في اتجاه هذا الاتفاق الواسع في أوساط المحللين الإسرائيليين هو موضوع صفقة التبادل التي من شأنها أن تؤدي إلى وقف الحرب، ولكنها ما زالت متعثرة، فقط بسبب الشروط التي يضعها نتنياهو، وكان آخرها ضرورة استمرار سيطرة إسرائيل على كل من معبر رفح ومحور فيلادلفيا في منطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر.
تصاعد في الفترة القليلة الفائتة خطر اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله على خلفية عدة تطورات مستجدّة، وكذلك في ظل الوضع القائم في منطقة الحدود مع لبنان والذي يقف في صلبه موضوع إخلاء عشرات ألوف الإسرائيليين من منازلهم في تلك المنطقة إلى أجل غير مسمى لم يتضح إلى الآن متى قد يحين. في الوقت عينه أظهرت استطلاعات للرأي العام في إسرائيل أن نحو 50 بالمئة منه يعتقدون أنه يتعين على إسرائيل أن تبادر بنفسها إلى خوض هذه الحرب لتغيير هذا الوضع القائم.
حدثت في الفترة القليلة الفائتة تطوّرات كثيرة في كل ما يتعلق بتداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى حرب استنزاف على عدة جبهات أبرزها الجبهة الشمالية مع حزب الله في لبنان.
أعلن الوزيران في "كابينيت الحرب" الإسرائيلي بيني غانتس وغادي أيزنكوت أمس الأحد (9/6/2024) استقالتهما من حكومة الطوارئ الإسرائيلية التي أقيمت بعد اندلاع الحرب على غزة يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي خطوة كانت مُقرّرة بالنسبة إلى غانتس منذ يوم السبت الماضي، لكنه أجّلها على خلفية قيام الجيش الإسرائيلي باستعادة 4 مخطوفين إسرائيليين محتجزين في قطاع غزة، وهم أحياء.
الصفحة 4 من 46