المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
نتنياهو وجو بايدن (أرشيفية)
نتنياهو وجو بايدن (أرشيفية)

من سيل التحليلات الإسرائيلية الذي لا ينقطع بشأن ملامح الصورة العامة الآخذة بالتشكّل التي ستكون عليها العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس الأميركي المقبل جو بايدن، لا بُد من تسجيل الاستنتاجات التالية:
أولاً، ستوظف إدارة بايدن اهتماماً وموارد أكثر لـ"معالجة الروح الأميركية" وفقاً للمعايير التي حدّدها برنامج الحزب الديمقراطي، وذلك على خلفية ما حدث إبان الأعوام الأربعة لولاية الرئيس دونالد ترامب، والتي وصل فيها الانقسام والتوتر العنصري إلى الذروة، وأيضاً تحت وطأة استمرار تفشّي وباء كورونا الذي تسبّب بقتل نحو 220 ألف أميركي، وأسفر عن أضرار اقتصادية وصحية هائلة. وستهتم بالشؤون الخارجية فقط عندما تكون مضطرة، ويكون هذا الاهتمام حيوياً بالنسبة لأمن الولايات المتحدة القومي ورفاهيتها.

ثانياً، سيكون لاستراتيجيا السياسة الخارجية التي تقوم إدارة بايدن ببلورتها تأثير على مقاربتها حيال إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط. وقد توقفنا في آخر ورقة "تقدير موقف" صادرة عن "مركز مدار" عند حقيقة أن بايدن شغل منصب نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وكان من الشخصيات التي صاغت السياسة الأميركية الخارجية لإدارة أوباما، مشيرين إلى أبرز

النقاط التي من المتوقع أن تتعلق بإسرائيل ضمن هذه الاستراتيجيا، وهي التالية بإيجاز: 1- دعمت إدارة أوباما الثورات العربية، في حين كانت إسرائيل تتعامل مع هذه الثورات بتحفظ في أحسن الأحوال وفي عداء لها في حقيقة الأمر. في المقابل دعم ترامب الأنظمة السلطوية رافضاً أي تدخل في فرض إصلاحات سياسية على هذه الأنظمة أو ممارسة الضغط عليها في مسألة حقوق الإنسان وهذا ما كان مع دول خليجية أيضاً؛ 2- عرض أوباما رؤيته لتسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني على أساس حل الدولتين معارضاً الاستيطان ومراقباً له في أحسن الأحوال ما كبح أعمال البناء الاستيطاني نسبياً، وفي إثر فشله في التوصل إلى تسوية بين الطرفين أنهى أوباما ولايته بامتناع الولايات المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية. أما ترامب فقد قام بتبني الرؤية الإسرائيلية للتسوية، فارضاً "صفقة القرن" وما سبقها من نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وملاحقة المؤسسات الدولية الداعمة للفلسطينيين، مثل وكالة الأونروا، المحكمة الجنائية الدولية، مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وغيرها. كذلك أقر ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، وأعلن وزير خارجيته مايك بومبيو أن المستوطنات في الأراضي المحتلة منذ 1967 شرعية ولا تنتهك القانون الدولي!؛ 3- في موضوع الملف الإيراني توصلت إدارة أوباما إلى اتفاق نووي مع إيران بالإضافة إلى الدول الخمس الكبرى، الأمر الذي عارضته إسرائيل بشدة، ما دفع نتنياهو إلى تجاوز البيت الأبيض وإلقاء خطاب ضد الاتفاق في الكونغرس الأمر الذي عمق من التوتر بين الجانبين. وعندما جاء ترامب تراجع عن الاتفاق وانسحب منه، فارضاً على إيران عقوبات اقتصادية غير مسبوقة كما كانت تطالب إسرائيل دائماً؛ 4- في ملف العلاقة مع السلطة الفلسطينية استمرت إدارة أوباما في دعم السلطة الفلسطينية اقتصاديا ولم تحاصرها سياسيا، في حين قطع ترامب الدعم الاقتصادي عن السلطة الفلسطينية فضلاً عن محاولة حصارها سياسيا على المستوى الدبلوماسي، إضافة إلى إغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير في واشنطن؛ 5- فيما يتعلق بتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، انطلقت إدارة أوباما من أن تسوية هذا الصراع سوف يجلب الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط.

ثالثاً، في الساحة الدولية، من المتوقع أن يجدد بايدن مشاركة الولايات المتحدة في اتفاقية المناخ في باريس، وأن يقوم بتعزيز التحالف مع حلفائها التقليديين في العالم الغربي عموماً وفي أوروبا الغربية خصوصاً. وبموجب جلّ التحليلات الإسرائيلية ستكون لهذا التحالف تداعيات على إسرائيل لكون أوروبا تفضل سياسة المصالحة مع إيران ومواقف أكثر تشدّداً حيال إسرائيل في كل ما يختص بسياستها إزاء الفلسطينيين. في ساحة الأمم المتحدة ثمة من يتوقّع عملية سريعة نسبياً فيما يتعلق بهيئتين: وقف الخروج من منظمة الصحة العالمية، والعودة إلى مجلس حقوق الإنسان، مثلما أعاد أوباما الولايات المتحدة إلى هذا المجلس بعد أن أخرجها منه سلفه جورج بوش الابن. وهناك إجماع على أنه في مؤسسات الأمم المتحدة وخارجها سيتأثر سلوك إدارة بايدن بالمنافسة والخصومة مع الصين، وعلى أنه لا يوجد فارق مهم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري إزاء النظرة إلى التهديد الذي تمثله الصين، وورد في برنامج عمل الحزب الديمقراطي علناً أنه في ظروف معنية يجب القيام بـ"إجراءات صارمة" ضد بكين. في الوقت عينه أعلن بايدن أن سياسته إزاء روسيا ستكون أكثر صرامة. وبناء على ذلك هناك تقديرات بأن تؤثر السياسة الأميركية إزاء كل من الصين وروسيا على علاقات إسرائيل الثنائية مع كل من هاتين الدولتين.

في المحصلة العامة، يُشار في التحليلات الإسرائيلية إلى أن نهاية ولاية ترامب وبداية ولاية بايدن تتطلبان مواءمات من طرف إسرائيل، نظراً لكون العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة هي الرصيد الأكثر أهمية لإسرائيل في المنطقة وفي الحلبة الدولية. ولا يختلف أصحاب التحليلات على أنه مع إدارة بايدن أيضاً ستظل الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل حليفاً مهماً، إن لم يكن الأهم، في الشرق الأوسط، وبناء على ذلك تقتضي المصلحة الإسرائيلية تطوير العلاقات مع هذه الإدارة وتقويتها حتى مع وجود خلافات في الرأي معها.

وتؤكد تحليلات الأوساط المقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، كما يمكن الاستشفاف مما يظهر منها في الصحيفة الناطقة بلسانه ("يسرائيل هيوم") مثلاً، أن فوز بايدن خيّب أمل نتنياهو الذي رغب بفوز ترامب بولاية ثانية، لكنه في الوقت ذاته سرعان ما شخّص أن انتصار بايدن يعود عليه بالنفع أيضاً. ولم ينتظر نتنياهو كثيراً كي يوضح منذ الآن أن الخط السياسي الجديد في مقابل الإدارة الأميركية المقبلة وأساساً في مقابل الجمهور الإسرائيلي العريض هو الإصرار العنيد على مصالح دولة إسرائيل. ويبدو أن الرسالة التي يريد نتنياهو بثها فحواها أنه لا يوجد له منافسون في كل ما يتعلق بالصمود في وجه إدارة أميركية معادية أو نصف معادية للسياسة الإسرائيلية. وسيسأل نتنياهو: على من ستعتمدون عندما تبدأ الإدارة الأميركية الجديدة بممارسة الضغوط على إسرائيل لنقل مناطق محتلة إلى أيدي العرب؟ هل ستعتمدون على حليفه/ خصمه بيني غانتس الذي يفتقر إلى عمود فقري؟ أو على نفتالي بينيت عديم التجربة؟ أو على قائد من "اليسار" سيستسلم فوراً؟

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات