المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
ترامب من وراء نتنياهو: القوّة أولاً (وكالات)
  • كلمة في البداية
  • 32
  • أنطوان شلحت

لا تزال أنظار العالم مشدودة إلى ردة الفعل التي من المتوقع أن تُقدم عليها إيران في إثر انضمام الولايات المتحدة إلى الحرب الإسرائيلية العدوانية عليها، من خلال إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ هجوم وصفه بأنه ناجح للغاية استهدف ثلاثة مواقع نووية في إيران هي منشآت فوردو ونطنز وأصفهان، الليلة قبل الماضية.

وبالرغم من الغموض الذي يسيطر على الموقف بوجه عام، من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط قد دخلت مرحلةً جديدة، وأن الخطوات اللاحقة التي ستتخذها إيران والولايات المتحدة وإسرائيل لن تحدّد فقط مصير المواجهة الحالية، بل أيضاً مسار المنطقة برمّتها.

وإلى أن تتضح ملامح ردة الفعل الإيرانية هذه سنتوقف عند أبرز الخلاصات التي توصلت إليها القراءات الإسرائيلية لهذه الخطوة الأميركية التي من المُقدّر لها أن تنطوي على تداعيات كثيرة إقليمياً وعالمياً.

بادئ ذي بدء لا بد من التنويه بأن هناك إجماعاً في إسرائيل على أن سلوك ترامب هذا يتناغم مع عقيدة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي اعتبر أن الهجوم الأميركي يجسّد أكثر شيء ما كان يقوله هو والرئيس ترامب وفحواه أن السلام يتحقق بالقوة؛ القوة أولاً، ثم السلام.

ثانياً، أبرزت أغلب التحليلات الإسرائيلية أن الرئيس الأميركي اعتبر الهجوم الذي أمر بتنفيذه في إيران بأنه يمهّد إلى ما أسماه "وقت السلام". كما وجّه كبار مسؤولي إدارة ترامب رسائل، على مدار الساعات المنصرمة منذ الهجوم، مفادها أن الولايات المتحدة ليست في حرب مع إيران، وأنها ترغب في الوصول إلى التفاوض، وليس هدفها تغيير النظام الإيراني، محذرين إيران من الرد على الهجوم الأميركي وأنه سيواجه بضربة أكبر. وأكد نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس أن الولايات المتحدة لا تستهدف تغيير النظام، وهو نفس ما أكده وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو. وذكرت شبكة التلفزة الأميركية "سي بي إس"، نقلا عن مصادر لم تسمها، أن واشنطن بلغت طهران بأن الهجوم سيقتصر على برنامجها النووي فقط، وأن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير النظام، مثلما تسعى إسرائيل علناً وعلى رؤوس الأشهاد. غير أنه بالرغم من ذلك لمّح الرئيس الأميركي إلى إمكانية تغيير النظام الحاكم في إيران، حيث كتب في منشور على منصته "تروث سوشال" الليلة الماضية يقول إنه ليس من الصواب سياسياً استخدام مصطلح تغيير النظام، ولكن إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على جعل إيران عظيمة مرة أخرى، فلماذا لا يكون هناك تغيير في النظام؟ ولعلّه من نافل القول بهذا الشأن إنه نظراً إلى عدم اليقين الذي يسود إسرائيل بشأن قدرتها على تدمير البنية الأساسية النووية الإيرانية بالكامل، فإنها تتطلّع أيضاً إلى تسهيل انتفاضة عامة من شأنها إطاحة النظام الإيراني. وتردّد أبواق نتنياهو صباح مساء أنه من أجل تحقيق أهداف الحرب لفترة طويلة، يُفضّل أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض مكانة النظام الإيراني إلى حد سقوطه.

 ثالثاً، يشدّد عدد من المحللين الإسرائيليين على أن وقائع الحرب التي شنتها  إسرائيل على إيران سيكون لها تأثير كبير على حركة حماس، وخصوصاً من حيث المعنويات واللوجستيات، وبالتالي على سيرورة الحرب في قطاع غزة. ومثلما كان لها تأثير على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وبالأساس إلى جهة دفع هذه الأخيرة إلى الانضمام إليها، سيكون لها تأثير على علاقاتها مع القوة العظمى الأخرى في العالم وهي الصين، وكذلك على علاقاتها مع قوى عالمية مثل أوروبا وروسيا والهند، ومع قوى إقليمية وبالأساس تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية.

رابعاً، تشير القناعة الرئيسة السائدة في إسرائيل إلى أنها تحارب من أجل ضمان وجودها خلال العقود المقبلة، وذلك في "مواجهة الذين يسعون لفنائها"، وفي هذا ما يبرّر كونها تدفع ثمناً دموياً باهظاً، وهو ما كان يمكن أن يكون أكثر بهظاً لولا أن إسرائيل ألحقت أضراراً جسيمة بحزب الله وترسانته العسكرية في لبنان.

ومثل هذه القناعة هي ما أجّجت وقوف جميع أحزاب المعارضة الإسرائيلية، بدءاً من حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان وانتهاء بحزب "الديمقراطيون" الناجم عن تحالف حزبي العمل وميرتس بزعامة يائير غولان، من وراء عملية "شعب كالأسد" العسكرية ضد إيران. وينبغي أن نشير هنا إلى أن بعض قادة المعارضة، وأبرزهم رئيس "المعسكر الرسمي" بيني غانتس، لم يكيل المديح إلى الجيش الإسرائيلي فقط إنما أيضاً كاله إلى الحكومة ورئيسها نتنياهو.  

خامساً، تعتبر جلّ التعليقات الإسرائيلية أن توقيت الحرب على إيران كان الأمثل، وذلك في ضوء ضمان الدعم الأميركي من جهة، والتسليم بهذه الحرب أحياناً بصمت من جانب بقية الدول الغربية البارزة مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى. ويُشار هنا كذلك إلى قبول ادّعاء إسرائيل الذاهب إلى أنّ إيران بدأت بالتقدم نحو إنتاج سلاح نووي، ليس فقط من خلال تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى عالٍ جداً (60 بالمائة)، حسبما ظهر في تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما يتيح التخصيب إلى المستوى المطلوب لإنتاج جهاز تفجير نووي خلال أيام، بل أيضاً من خلال بدء عملية التسليح. وقد ساهم في ذلك أيضاً رفض إيران العرض الأميركي في المفاوضات التي جرت بين الجانبين، والتقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد أن إيران خرقت التزاماتها في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأدارت برنامجاً منظماً لإنتاج السلاح النووي. وهذا التقرير دفع مجلس المحافظين في هذه الوكالة الدولية إلى اتخاذ قرار يدين إيران، وينقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي. وفي ظل هذه الظروف، ومع الأخذ بعين الاعتبار الدعوات المتكررة من طرف النظام في طهران إلى القضاء على إسرائيل، تم الحصول على ما رأت هذه الأخيرة أنه بمثابة شرعية دولية للحرب، بعد أن اعتبرت في الوقت عينه أنها أمام "فرصة استراتيجية" نشأت بالدرجة الأولى نتيجة ما يلي: 1- الضربة التي وُجّهت إلى حزب الله، و2- إصرار الإيرانيين على مواجهة الولايات المتحدة، و3- آخر التطورات في سورية.

سادساً، صادفتنا أيضاً تحليلات إسرائيلية، وإن كانت نادرة، اعتبرت أن الفرصة التي أتاحت إمكان شن الحرب على إيران انطوت كذلك، من ناحية نتنياهو، على فرصة خاصة في وسعها أن تزيح من جدول الأعمال الإخفاق المترتب على هجوم "طوفان الأقصى" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وكذلك نتائج الحرب على قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من 630 يوماً، وقضية الأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين في غزة. وبموجب هذه التحليلات، لا تبدو في الأفق أي نهاية للحرب على غزة. أمّا الحرب ضد إيران فقد تتحوّل إلى حرب استنزاف لا نهاية لها، وقد تؤدي إلى مزيد من الدمار الاقتصادي والاجتماعي. وفي قراءة بعض هذه التحليلات، لا يوجد توازُن في تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية الأكثر تطرفاً يمينياً قومياً ودينياً في كل ما يتعلّق باتخاذ القرارات، فضلاً عن أنه منذ إقالة وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت وتغيير رؤساء المؤسسة الأمنية والجيش وحتى الوقت الحالي، هناك غياب شبه تام لـ"الصوت الآخر" عن القرارات في هذه الحرب.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات