يبث القرار الذي اتخذه المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية والأمنية ("الكابينيت") بالإجماع الليلة الماضية، والقاضي بتوسيع الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، رسالة فحواها أن القناعة السائدة لدى المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل هي أنه حان الوقت للانتقال إلى مرحلة هجوم كامل وحاسم في القطاع. وبموجب ما تُروّج له أبواق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فإنه بهذا الشكل من الهجوم يمكن تحقيق أهداف الحرب وأهمها القضاء على حركة حماس، إلى جانب توجيه رسالة شاملة على المستوى الإقليمي.
وقبل قرار "الكابينيت" بدأ الجيش الإسرائيلي، في نهاية الأسبوع الفائت، في إرسال أوامر تعبئة إلى عناصر تشكيلات الاحتياط، تمهيداً لاستدعاء عشرات الآلاف منهم بهدف توسيع نطاق الحرب التي يشنها على قطاع غزة. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه سيتم إرسال عناصر تشكيلات الاحتياط للحلول محل جنود نظاميين ينتشرون في أنحاء إسرائيل والضفة الغربية بحيث يتاح إرسال هؤلاء الجنود للقتال في قطاع غزة.
إن ما يمكن التنويه به، انطلاقاً من قرار "الكابينيت" وفي كل ما يتعلّق بالإجابة عن سؤال: الحرب في غزة إلى أين؟، هو ما يلي:
أولاً، إن الحكومة الإسرائيلية معنيّة باستمرار الحرب. وما يجدر التذكير به هنا أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، أكد خلال مؤتمر JNS [وكالة الأنباء اليهودية] الذي عقد في القدس قبل أسبوع، أن الحرب ستنتهي خلال عام بحسب تقديراته، وسيجري ذلك في موازاة توقيع اتفاقيات سلام. وديرمر الذي عيّنه نتنياهو رئيساً لطاقم المفاوضات بشأن إطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة هو الشخص الأقرب إليه. ولذا يُمكن تفسير هذه الأقوال الصادرة عن الشخص الأكثر قرباً من رئيس الحكومة بأنها ترسم خطّة هذا الأخير للعام المقبل. وشدّدت تحليلات إسرائيلية متطابقة على أن ما يتعيّن فهمه من أقوال وزير الشؤون الاستراتيجية هو أن نتنياهو ينوي الاستمرار في حالة الحرب هذه عاماً آخر على الأقل، لكي يُعلن أن "النصر المطلق تحقّق". ورأت بعض التحليلات أنه لا يُمكن تجاهُل حقيقة أن الجدول الزمني الذي رسمه ديرمر يتماشى مع الوتيرة السياسية التي يسير فيها رئيس الحكومة، فـ"الحرب تسمح ببقائه السياسي وبقاء حكومته. هذا بالإضافة إلى أن استمرار القتال يوجد لنتنياهو فرصاً في الوصول إلى الانتخابات العامة المقبلة مع إنجازات، إمّا على صعيد إطلاق الأسرى، وإمّا اتفاقيات السلام".
وفي هذا الخصوص تحديداً، تم أخيراً الكشف عن سلّم الأولويات الحقيقي لدى القيادة الإسرائيلية - أولاً، القضاء على حماس، وبقاء قضية الأسرى هدفاً سطحياً. وتعتبر المؤسسة السياسية أن حماس لن تقبل إطلاق جميع الأسرى، ولذلك يجب الامتناع من الذهاب في هذا الاتجاه. وثمة من استنتج أن رؤية نتنياهو وديرمر، حسبما كُشف عنها في الوقت الحالي، تتماشى مع الأقوال العلنية التي صدرت عن عضو "الكابينيت" بتسلئيل سموتريتش الذي قال إن إطلاق الأسرى ليس الهدف الأهم للحرب.
ثانياً، مثلما تؤكد المنابر التي تعمّم رسائل نتنياهو، ومنها "معهد القدس للاستراتيجيا والأمن" (JISS)، فإن مفتاح تحقيق أهداف الحرب يكمن بالأساس في تدمير حماس، عسكرياً وسياسياً، أي القضاء التام على هذه الحركة ككيان يسيطر على قطاع غزة مدنياً، وهذا الشرط أساسي، ولكن على الرغم من ضرورته فإنه بحد ذاته غير كافٍ، ويمكن الافتراض بأنه حتى في حال إيجاد بديل سلطوي في القطاع مستقبلاً بعد هزم حماس، فإن التيارات العميقة ستستمر، وفي ظلّ هذه الظروف سيكون ما يفصل عن "تشكيل تهديد جديد لإسرائيل من قطاع غزة مُجرّد مسألة وقت". ولذا فإن الشرط المحوري لتحقيق هدف الحرب القاضي بعدم وجود تهديد لإسرائيل من قطاع غزة في المدى الطويل يتطلب، في عرف هذا المعهد، سيطرة أمنية كاملة على قطاع غزة من خلال الوجود الميداني (وفق النموذج القائم في الضفة الغربية منذ عملية "السور الواقي" في العام 2002)، وليس من خلال السيطرة عن بُعد (على غرار نمط السيطرة الذي اعتمدته إسرائيل في القطاع قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023).
ثالثاً، يؤكد المعهد السالف نفسه، والذي ليس من المبالغة تقدير أنه يعكس موقف نتنياهو وحكومته، أنه من أجل تحقيق الهدوء أعواماً طويلة فإن إسرائيل مطالَبة، من ناحية استراتيجية، إمّا "بتنفيذ برنامج فعّال وسريع" لإزالة ما تصفه بأنه "تطرّف" وهو احتمال ضعيف التحقق، وإمّا بتحقيق رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهي "الهجرة الطوعية لسكان غزة إلى دول العالم"!
رابعاً، بالنسبة إلى قضية الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، فإن الاعتقاد الذي تروّج له هذه الأبواق والمُتبنى من طرف نتنياهو هو أن خطوة السيطرة الكاملة على قطاع غزة وانتزاع مسؤولية توزيع المساعدات من يد حماس من شأنها أن تشكّل رافعة ضغط حيوية تدفعها إلى قبول صفقة تبادل تشمل من ضمن أمور أخرى خروج آمن لعناصرها من القطاع.
خامساً، بالرغم من كل ما تقدّم ما زال الإجماع السائد في إسرائيل هو أن الشخص الوحيد القادر على تغيير المعادلة بشكل جوهري يظل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لا يبدي اهتماماً كبيراً بغزة ولديه اهتمامات مهمة أُخرى، وعلى رأسها حرب الرسوم الجمركية، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والاتفاق النووي الآخذ في التبلور بين الولايات المتحدة وإيران.
ويمكن استشعار مثل هذا الأمر لدى أبواق نتنياهو، حيث أن بعضها يبني عليه توقعاته المقبلة ومنها أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن نافذة الفرصة التي أُتيحت لإسرائيل للعمل بحرّية شبه مطلقة في غزة - وهي غير مسبوقة في تاريخ حروب إسرائيل- توشك على الإغلاق، وهناك تلميحات لذلك في تصريحات الرئيس ترامب في الأيام الأخيرة والتي قال فيها إنه يتوقع من نتنياهو تخفيف الضغط على غزة والسماح بإدخال المساعدات والغذاء، وأعرب عن أمله في إنهاء الحرب، ربما استعداداً لزياراته المرتقبة الأسبوع المقبل إلى السعودية، وقطر، والإمارات، والتي اختارها كأول وجهات رحلاته العالمية وفي الشرق الأوسط.
كذلك تلفت تحليلات إسرائيلية أخرى إلى أن السعودية تعمل، من وراء الكواليس، على إنهاء الحرب في غزة. وفي ضوء ذلك يبدو كما لو أن زيارة دونالد ترامب إلى السعودية والإمارات وقطر أصبحت بمثابة موعد حاسم جديد، حيث يسعى الأميركيون والسعوديون والمصريون والقطريون لتحقيق تقدُّم قبل هذا الموعد، سواء من خلال التعاون، أو حتى من خلال التنافس. وحالياً، يتركز الاهتمام الإقليمي الأساس لترامب على جهديْن آخريْن هما: أولاً، إتمام صفقة مع السعودية تشمل صفقات سلاح وتكنولوجيا بمئات المليارات من الدولارات؛ ثانياً، التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران. وإذا ما أصرّت السعودية على ربط هذه القضايا بإنهاء الحرب في قطاع غزة، فقد يولي ترامب ذلك اهتماماً. وتتابع التحليلات نفسها أنه في إسرائيل يدركون تماماً أن ترامب هو الحَكَم النهائي، وإذا ما غيّر موقفه فإنه سيُجبر نتنياهو على تغيير مساره، حتى لو تسبب ذلك بانهيار ائتلافه الحكومي!