تُحيل لفظة "نواة التوراة" أو "الأنوية التوراتية" إلى المشاريع الاستيطانية الزاحفة في المدن والبلدات داخل إسرائيل. ويتمثّل الهدف الأسمى لهذه الأنوية- كما اصطُلح على تسميتها إسرائيلياً- في محاصرة الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين والتضييق عليهم وصولاً إلى طردهم نهائياً من "المدن المختلطة" كالرملة ويافا وعكا واللد، كما تهدف إلى "تطهير القلوب" من خلال "استيطانها" وما تتضمنه هذه العملية من تديين لمظاهر الحياة في هذه المناطق، وهذا ما يُمكن اعتباره موجّهاً أيضاً للقضاء على المظاهر العلمانية السائدة في المدن والبلدات الإسرائيلية نفسها.
أعاد قرار وزير التربية والتعليم الإسرائيلي يوآف غالانت بعدم السماح بمنح "جائزة إسرائيل للعام 2021" للبروفسور ذائع الصيت في علوم الحاسوب والرياضيات، والباحث في معهد وايزمان للعلوم، عوديد غولدرايخ، إثارة الجدل في الأوساط الأكاديمية والإعلامية حول المعايير الواجب توفرها في من يحق له تلقي الجائزة، او بالأحرى ما المعيار الحاسم الذي يمنع شخصا ما من تلقي هذه الجائزة التي تعتبر الأهم والأكثر قيمة من بين كافة الجوائز في إسرائيل، وهو نقاش يعكس في جوهره الميل المتزايد نحو اليمين ذي النزعة الفاشية الذي تغلغل في مفاصل الدولة، ويرى نفسه وقيمه على أنها التعبير الحصري والأمثل عن حالة "الإجماع" والخط السياسي السليم والوفي لقيم الصهيونية.
"اللعبة" هنا مكشوفة تماماً لا يداني حقيقتها أي شك: الوزير أرييه درعي، زعيم حركة شاس الحريدية السفارادية، لم يكن هنا سوى المنفّذ لهذه المبادرة التشريعية الجديدة التي ترمي، عينياً، إلى تغيير طريقة الانتخابات الإسرائيلية، لكنها تأتي لإنقاذ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من ورطاته وإخراجه من مآزقه. لا شك في أن درعي وحركته سيكسبان نقاطاً هامة غير قليلة من وراء إخراجهما هذه المبادرة إلى حيز التنفيذ، وخصوصاً في ترجمة هذا الولاء "إلى معسكر اليمين" بقيادة نتنياهو تحديداً إلى مكسب انتخابي في الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي يبدو أن موعد إجرائها لن يتأخر كثيراً، حتى لو تكللت مبادرة درعي وشاس الأخيرة هذه بالنجاح الذي يرجوه أصحابها والمستفيدون منها.
يبدو أن المشهد الإسرائيلي بشأن تشكيل حكومة جديدة يزداد تعقيدا، ولم يتبق أمام الكنيست سوى 6 أسابيع لمنح الثقة لحكومة. ومن هذه الأسابيع ثلاثة أسابيع لبنيامين نتنياهو، إذا أراد التمديد لأسبوعين، وثلاثة أسابيع ستكون لمكلف آخر غير نتنياهو، إذا ما فشل الأخير. وفي المقابل، فإن التقارير الاقتصادية، والأوضاع الناشئة، تدل على أن الأزمة الاقتصادية ستنعكس قريبا على جيب الجمهور، الذي سيكون مطالبا بالمشاركة في تسديد العجز المتفاقم، وكذا الدين العام الذي بلغ تريليون شيكل، في حين أن وتيرة ارتفاع الأسعار للبضائع الاستهلاكية ليست مسبوقة منذ ثماني سنوات.
في الثّاني عشر من نيسان الجاري أضرم جنديّ احتياط إسرائيليّ (26 عاماً) النّار في نفسه أمام قسم التأهيل التابع لوزارة الدفاع في بيتح تكفا؛ وبحسب القناة الإسرائيليّة، فالجنديُّ يُدعى إسحق صعيديان، وكان قد وصل إلى قسم التأهيل يحملُ زجاجتين تحتويان على مادّة قابلة للاشتعال ثمّ سكبها على نفسه. وكان الجنديّ قد تعرّض لصدمة نفسيّة قويّة خلال مشاركته في الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة العام 2014، بعد عمليّة للمقاومة الفلسطينيّة في حيّ الشجاعيّة. وذكر أصدقاء الجنديّ وكذلك رئيس اتّحاد ذوي الإعاقة الإسرائيليّ أنّ الجنديّ لم يكن يتلقّى حتّى اللحظة العلاج النفسيّ الذي يتناسب ووضعه الصحّيّ من قبل قسم التأهيل، إذ لم يتلقّ غير 25% من فوائد الإعاقة النّاتجة عن المشاركة في عملٍ عسكريّ.
دفعت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في آذار 2021 قضية الأحزاب العربية إلى مركز الجدل السياسي الحاصل داخل معسكر اليمين الصهيوني. لأول مرة يبدي حزب عربي، وهو القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس، عدم تحفظه من التحالف مع اليمين الصهيوني، فيما قد يبدو أحد مخارج تشكيل حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو. وبينما أن نتنياهو قادر ببراغماتيته الفهلوية على التحول من ذلك القائد الصهيوني اليميني الذي يشيطن الناخب العربي (كما حصل في انتخابات الكنيست العام 2015) إلى "أبو يائير" الذي يرتشف القهوة بصحبة أصدقائه العرب، إلا أن هناك أصواتاً يمينية أخرى تنظر إلى الناخب العربي كتهديد استراتيجي لا يمكن التهادن معه. فقد أغلق بتسلئيل سموتريتش، رئيس قائمة الصهيونية الدينية، الباب الذي تركه نتنياهو موارباً لانضمام القائمة العربية الموحدة لحكومة يعمل على تشكيلها. وفي السادس من نيسان 2021، أعلن سموتريتش أنه "ممنوع منعاً باتاً إقامة حكومة بدعم من القائمة العربية الموحدة".
الصفحة 139 من 346