التزمت إسرائيل الرسمية الحذر تجاه أحداث الأسبوع الماضي في الأردن، أي ما عرف بـ"قضية الأمير حمزة"، لكن وزير الدفاع بيني غانتس، ومن موقعه الجديد بعد الانتخابات، إذ بات محسوبا على صفوف معارضي بنيامين نتنياهو، وبعد أن كرر العبارات الدبلوماسية المعهودة أن ما يجري في الأردن هو شأن داخلي، وجدها فرصة للغمز من قناة رئيس الحكومة بالقول إن من واجب رئاسة الحكومة تقديم المساعدات لهذا البلد الذي يمر بأزمات صحية واقتصادية.
أعادت جولة الانتخابات الرابعة للكنيست الـ 24 التي جرت في 23 آذار الماضي، إنتاج أزمة الحكم التي تعيشها إسرائيل منذ عامين، كما أنها زادت الصورة تعقيدا، من خلال إحداث حالة من الخلط وإعادة الاصطفاف داخل المعسكرين المتنافسين، واللذين تم اختزال الفوارق بينهما في شخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
تبدو احتمالات تشكيل حكومة إسرائيلية ذات أغلبية ثابتة، متدنية، بعد أسبوع تقريبا من تكليف بنيامين نتنياهو تشكيل الحكومة المقبلة، وعلى الرغم من هذا، حتى يوم 18 أيار، فإن كل الاحتمالات واردة، بدءا من حل الكنيست مجددا والتوجه لانتخابات خامسة، وحتى تشكيل حكومة واسعة، تحت يافطة: "إخراج إسرائيل من أزمتها". من ناحية أخرى، دلت قراءة لنتائج الانتخابات على أن المعاقل القديمة لما يسمى بـ"اليسار الصهيوني"، قد استنفرت نسبيا في الانتخابات الأخيرة، لدعم قائمتي حزبي العمل وميرتس، وضاعفت أصواتها لهذين الحزبين، مقارنة مع انتخابات آذار 2020، التي كان فيها الحزبان متحالفين في قائمة واحدة.
يقول "بنك إسرائيل"، البنك المركزي، في تقرير حديث له تناول المجريات الاقتصادية في العام الماضي 2020، ونشرت أجزاء منه على موقعه الشبكي، إن المجتمع العربي في إسرائيل وعلى نحو خاص كان الأكثر تعرّضاً للأضرار الناجمة عن تفشي وباء الكورونا والأزمة التي رافقته. والسبب الذي يشدّد عليه التقرير هو خصائص سابقة لهذا المجتمع، اقتصاديّا، وقد جعلته أقل قدرة على مواجهة الظرف الطارئ. البنك يقول فعلياً إن التمييز المسبق المتجسّد في الفجوة بين العرب واليهود هو السبب، وهو يحيل إلى مقارنة بين المجتمعين، العربي واليهودي، في القدرة والمناعة الاقتصاديتين السابقتين للأزمة.
كعادة إسرائيل، فإنها تقدم الاعتبارات والمصالح الأمنية والسياسية الخاصة بها على أية اعتبارات أخرى في تعاملها مع التطورات الداخلية والإقليمية والدولية. ولم تبتعد إسرائيل في تعاملها مع أحداث "الربيع العربي" وأحداثه ونتائجه عن منظور الإيجابيات والسلبيات بالنسبة لها سياسيا وأمنيا واستراتيجيا.
ومع مرور عقد على بداية الثورات التي تحول بعضها إلى حروب أهلية، وإلى حروب بالوكالة، استعرض محللون ومراكز أبحاث آثار الأحداث التي عصفت ببعض الدول العربية على إسرائيل، من ناحية، كذلك استعرضوا من ناحية أخرى مآلات الثورات العربية حاليا، كبروز محاور متضادة غيرت في موازين التحالفات السياسية في المنطقة. ويلاحظ حضور إيران بشكل واضح في مقاربات الباحثين والكتّاب حول مرور عقد على بدء الربيع العربي.
في العام 1954 أقام رودولف [يسرائيل] كاستنر دعوى قضائيَّة كانت الأولى من نوعها في إسرائيل والتي توجَّبَ فِيها على قاضٍ إسرائيليّ وللمرّة الأولى البتّ، قانونياً وسياسياً، في مسألة ما إن كان يُمكِن تجريم بعض اليهود بتهمة التعاون مع النّازية خلال الحرب العالميّة الثانية.
كان المتّهم عجوزاً يهودياً هنغارياً يُدعى مالكييل غرينوالد، وكان المُدّعي هو رودولف كاستنر الذي اتّهم غرينوالد بالتشهير به مدّعياً أنّه كان متعاوناً مع النازيّة خلال الحرب العالميّة الثانية. كاستنر كان قد عاش في هنغاريا في ذلك الوقت وكان عضواً في لجنة الإنقاذ الصهيونية التي عملت على توفير ملجأ آمن لليهود الفارّين من النازية في أوروبا. وبعد الاحتلال النازيّ لهنغاريا العام 1944، عمل كاستنر كمفاوض رئيس بعد استدعائه من قبل ضابط الأس أس النازيّ، أدولف أيخمان، الذي يعرف بمهندس الحلّ النهائيّ، للتفاوض حول مصير اليهود الهنغاريين. عرض كاستنر اتفاقاً مبدئياً لإنقاذ حياة ما يقارب مليون يهوديّ مقابل عشرة آلاف شاحنة تسلّم للجيش الألمانيّ فيما عرف لاحقاً بالـ"Blood for Goods". لكنّ الاتفاق لم ينفّذ وأرسل أكثر من 400 ألف يهوديّ إلى معسكر اعتقال أوشفيتز، ومع ذلك، تمكّن كاستنر من عقد اتفاق جانبيّ لإنقاذ حياة 1685 يهوديّا من بينهم أقاربه وأصدقائه أرسلوا إلى سويسرا مقابل أموال ومجوهرات سُلِّمت إلى أيخمان.
الصفحة 134 من 338