المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تدل معطيات وزارة السياحة الإسرائيلية على ازدياد متواصل في السياحة الدينية المسيحية إلى البلاد، رغم أنه لا تعريف دقيق للسياحة الدينية، ما قد يجعل هذه السياحة أكبر من التقديرات الإسرائيلية الرسمية. إلا أن تقارير مؤسساتية وصحافية تشير إلى ضعف البنى التحتية السياحية، من مختلف النواحي. وكانت إسرائيل قد سجلت العام الماضي ذروة غير مسبوقة في أعداد السياح القادمين، وبلغ عددهم 55ر4 مليون سائح.

وحسب التقديرات الإسرائيلية الرسمية، فإن مليون سائح من هؤلاء، وصلوا ضمن مجموعات سياحية منظمة، جرى تعريفها على أنها سياحة دينية، فيما تقول تقارير إنه لا تعريف دقيقاً للسياحة الدينية، مثل عدم احتساب زيارات الأفراد والعائلات، أيضا لغرض زيارة الأماكن المقدسة، كما أن زائرين وسياحا يأتون إلى البلاد لأغراض اقتصادية أو ترفيهية، ولكنهم يزورون الأماكن المقدسة، خاصة للمسيحيين.

وحسب احصائيات وزارة السياحة، فإن عدد السياح لأغراض دينية بلغ في العام 2018 أقل بقليل من مليون سائح، بينما كان عددهم 660 ألف سائح في العام 2016. وتعد السياحة الدينية سياحة "فقيرة" بالمفاهيم الاقتصادية، إذ أن السياح بنسبة عالية جدا هم من الشرائح المتوسطة الدنيا، وحتى بعضهم يُعد في بلاده من الفقراء، الذين يجمعون المال على مدى سنوات من أجل الحجيج إلى الأماكن المقدسية.

وحسب الاحصائيات، فإنه في العام الماضي تم استقبال 15 ألف مجموعة سياحية دينية، من بينها مجموعات كبيرة، تحتاج لعدة حافلات. كذلك فإن إسرائيل تلاحظ أن السياحة الدينية التي بغالبيتها من أوروبا والقارة الأميركية، بدأت تشمل أيضا سياحا من دول شرق آسيا مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان والفلبين وغيرها.

ويقول ديفيد كاتس، المسؤول في واحدة من الشركات التي تستقبل السياحة الدينية، إن الارتفاع السنوي واضح، وكان بنسبة حادة في العامين الماضيين، والمؤشرات تدل على ارتفاع مستمر. وقال إن الأوضاع الاقتصادية العالمية جيدة، فيما الأوضاع الأمنية في البلاد هادئة نسبيا ومستقرة.

وأضاف كاتس أن الزيادة ملموسة من الصين وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة، ولكن هذا الحديث قبل انتشار فيروس كورونا، ومن غير الواضح كيف سينعكس هذا على السياحة هذا العام.

وموسم السياحة الدينية المركزي في موسمي عيد الميلاد المجيد والفصح المبارك، إلا أنه في هذين الموسمين ترتفع الأسعار بشكل حاد، بسبب زيادة الطلب، ولذا فإن ما يمكن وصفها بالسياحة الدينية "الفقيرة"، تكون غالبا خارج مواسم الأعياد، مثل فترة الخريف، وأيضا بين شهري أيار وحزيران، بمعنى ما بعد موسم عيد الفصح، وقبل بدء موسم السياحة الصيفية. إلا أن هؤلاء السياح يصطدمون بكلفة معيشة عالية جدا، ولهذا فإنهم يأتون ضمن رزم سياحية تتضمن الإقامة في فنادق بأسعار مخفضة، مثل المبيت في فنادق القدس الشرقية، أو في مؤسسات فندقية تابعة للكنائس والأديرة، كما أن وجبات الطعام تكون مشمولة في الرزمة السياحية التي يشترونها. وبغالبيتهم لا يتنقلون بين فنادق، وإنما يعتمدون السفر اليومي بالحافلات إلى المناطق التي يريدون زيارتها.

كذلك، وحسب تقارير سابقة، فإن قسما من السياحة الدينية، تكون لفترة يوم واحد، أو لقضاء ليلة واحدة، تتم فيها زيارة الأماكن المركزية، مثل القدس وبيت لحم، وهؤلاء السياح إما يكونون على متن رحلات بحرية، أو أنهم يقيمون في وسط سيناء (منطقة طابا) أو حتى في الأردن، ثم يعودون إلى مركز إقامتهم السياحية، حيث الكلفة أقل.

ويشير تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى أن الكنائس الأساسية للمسيحية، وخاصة كنيسة القيامة في القدس المحتلة، وكنيسة المهد في بيت لحم، تشهد اكتظاظا متعاظما سنويا، ويستغرق دخول السائح إلى المكان المركزي في الكنيسة، بمعنى القبر المقدس في كنيسة القيامة، والمهد في بيت لحم، وقتا طويلا يتجاوز الساعة وأكثر. كذلك فإن التدفق الكبير ملحوظ بشكل خاص في شمال بحيرة طبرية، حيث أمضى السيد المسيح، حسب الانجيل، جزءا كبيرا من حياته التبشيرية، ومن هناك انطلقت رسالته. والضغط ملحوظ على كنيسة كفر ناحوم، وجبل التطويبات، ومنطقة "كرسي"، حيث حصلت احدى العجائب. وأيضا عند المخرج الجنوبي لبحيرة طبريا، حيث أماكن المعمودية. والحال ذاتها في مدينة الناصرة، وجبل الطور القريب منها.

وحسب الصحيفة، فإن "سلطة الحدائق الوطنية" الإسرائيلية، التي تسيطر على بعض هذه المواقع، أقامت أماكن خاصة لإقامة صلوات جماعية، بدلا من الكنائس المكتظة، وهذا بتنسيق مع شركات ومؤسسات منظمة للسياحة الدينية، إلا أن كل هذه الأماكن ما تزال ضعيفة من ناحية البنى التحتية.

ضعف البنى التحتية

ويعاني قطاع الفندقة الإسرائيلي من سلسلة قضايا، تجعله في وضعية منافسة صعبة، أمام المنافسة الحادة إقليميا وعالميا. وبشكل خاص بسبب النفقات العالية، التي من بينها لا مثيل لها في العالم، وثانيا، بسبب النقص في العاملين في خدمات الفنادق، التنظيف وتوضيب الغرف.

وحسب تقارير صادرة عن مسؤولين في قطاع الفنادق، فإن إسرائيل مُدرجة في المرتبة 54 في لائحة البنك الدولي، في ما يتعلق بتسهيل إقامة المشاريع الاقتصادية. وهذا ينعكس أيضا على قطاع الفندق.

فمثلا كي تحقق الفنادق أرباحا، بمستوى الأرباح في أوروبا، عليها أن ترفع أسعارها بنسبة 60%، إلا أن هذا يضرب القدرة على المنافسة، أكثر مما هو قائم. وحسب التقارير ذاتها، فإن الفنادق تصرف نسبة عالية جدا من مداخيلها على استيفاء شروط الحلال اليهودي، وعلى ضريبة المسقفات. في حين أن أسعار المواد الغذائية، هي أعلى بضعفين ونصف الضعف من مستواها في أوروبا، ما يزيد من كلفة الفنادق.

ولكن عدا هذا، فإن إسرائيل تواجه نقصا في عدد الغرف الفندقية منذ سنوات طويلة، وحسب التقارير، فإن إقامة فندق يحتاج إلى ست سنوات بالمعدل، منذ طرح فكرة المشروع، وحتى فتحه أمام النزلاء، وقسم من هذا التأخير يعود إلى الأنظمة البيروقراطية، إلا أن وزارة السياحة، ومعها وزارة البنى التحتية، ادعت للصحيفة أن هذه الإجراءات تم تخفيفها في السنوات القليلة الأخيرة، وأن وتيرة البناء ارتفعت من ألف غرفة في العام 2013 إلى 4 آلاف غرفة في العام 2018، ولهذا، حسب التقديرات الإسرائيلية، فإن الأزمة ستخف تدريجيا في السنوات القليلة المقبلة. وحسب وزارة السياحة فإنها تقدم سنويا تسهيلات بما قيمتها 200 مليون شيكل لبناء الفنادق.

ولكن ليس هذا وحده، فالنقص ملموس أيضا في أعداد المرشدين السياحيين، رغم أن أكثر من 7500 شخص بحوزتهم رخص ارشاد سياحي، بينما العاملون فعليا في هذا المجال حوالي 5 آلاف مرشد، وليس واضحا سبب النقص المعلن. ولكن أحد النواقص في الارشاد السياحي، هو مسألة اللغة، إذ بدأ تدفق سياح من دول ذات لغات ليست عالمية. ويشار إلى أن إسرائيل تفرض قيودا مشددة للحصول على رخصة ارشاد سياحي.

وكانت السياحة سجلت في العام الماضي 2019، ذروة غير مسبوقة، إذ بلغ عدد السياح الإجمالي 55ر4 مليون سائح، وهي زيادة رابعة على التوالي منذ العام 2016. وهذه أيضا زيادة بنسبة تقارب 11% عن عدد السياح في العام قبل الماضي 2018. ورغم ذلك، فإن عدد ليالي المبيت في الفنادق، لم يرتفع بذات النسبة بل بنسبة 3ر2% فقط، ما يشير إلى أن السياح باتوا يختصرون عدد أيام الإقامة، والانتقال إلى دول أخرى في المنطقة.

وكانت إسرائيل قد تخطت لأول مرة حاجز 4 ملايين سائح في العام 2010، وبعد ذلك تراجعت السياحة، تارة بسبب الأوضاع في الشرق الأوسط، وتارة بسبب حروب إسرائيل على قطاع غزة. ففي العام 2016، بلغ عدد السياح الإجمالي 89ر2 مليون سائح، وارتفع في العام التالي 2017، إلى 6ر3 مليون سائح، وفي العام 2018، قبل الماضي، تخطى العدد مجددا حاجز أربعة ملايين، وبلغ عددهم 1ر4 مليون سائح، ليسجل هذا العام الذروة غير المسبوقة، 55ر4 مليون سائح.

وحسب تقرير وزارة السياحة، فإن عدد ليالي المبيت ارتفع بنسبة 3ر2% مقارنة مع العام 2018، إذ بلغ عدد الليالي 8ر25 مليون ليلة، مقابل 2ر25 مليون ليلة في العام 2018، و2ر24 مليون ليلة في 2017، وحوالي 1ر22 مليون لليلة في العام 2016.

ويقول التقرير إن عدد ليالي المبيت للسياحة الداخلية بلغ 7ر13 مليون ليلة، مقابل 6ر13 مليون ليلة لذات الشريحة، في حين أن عدد ليالي مبيت السياح من الخارج، ارتفع من 6ر11 مليون ليلة في العام 2018، إلى 1ر12 مليون ليلة في العام الماضي 2019.

وحسب تقديرات وزارة السياحة، فإن معدل صرف السائح يصل إلى حوالي 1400 دولار، وهو مبلغ ليس كبيرا، قياسا بمستوى الأسعار السياحية، وكلفة المعيشة. ولوحظ أن الصين وإيطاليا سجلتا أعلى نسبة ارتفاع بعدد السياح منهم إلى إسرائيل.

وبموجب تقرير وزارة السياحة، فهذه هي الدول العشر الأكبر من حيث عدد السياح: الولايات المتحدة الأميركية، حوالي 890 ألف سائح، زيادة بنسبة 7%، فرنسا، 338 ألف سائح زيادة بنسبة 7%، روسيا 296 ألف سائح زيادة بنسبة 1%، ألمانيا 269 ألف سائح، زيادة بنسبة 11%، المملكة البريطانية المتحدة، قرابة 219 ألف سائح، زيادة بنسبة 8%. ثم إيطاليا حوالي 169 ألف سائح زيادة بنسبة 30%، بولندا أكثر من 145 ألف سائح، زيادة بنسبة 3%، أما الصين، التي حلت في المكان الثامن، فسجلت زيادة بنسبة 51%، وبلغ عدد السياح منها أقل بقليل من 145 ألف سائح. وقد سجل عدد السياح من أوكرانيا بنسبة 2% وبلغ عددهم الإجمالي اقل من 126 ألف سائح، والدولة العاشرة، كانت رومانيا، التي وصل منها أكثر من 115 ألف سائح، زيادة بنسبة 14%.

أزمة كورونا

كل التقارير حتى الأسابيع الأخيرة، كانت تتحدث عن احتمال تسجيل قفزة أخرى في عدد السياح إلى البلاد، ولوحظ أن مصدر الزيادة الهام هو الشرق الأقصى، مثل الصين وكوريا الجنوبية. إلا أن هذه التقديرات سبقت أزمة فيروس كورونا، التي تحولت في الأيام الأخيرة الى أزمة عالمية، على ضوء انتشارها في العديد من الدول في شرق آسيا، وأيضا في أوروبا، مثل إيطاليا وغيرها. وبدأت إسرائيل تضع قيودا على وصول مسافرين من الدول التي تعاني من انتشار الفيروس، وكادت تنشب أزمة سياسية مع كوريا الجنوبية، بعدما أعادت إسرائيل طائرة بكل ركابها عدا الإسرائيليين منهم الى سيئول.

ورغم ذلك، فإن هذه المسألة سيبقى تأثيرها ضبابيا، إذ أن الرهان هو على تراجع انتشار الفيروس الخطير مع انتهاء فصل الشتاء. ولكن هذا سيحتاج إلى وقت، في حين أن عيدي الفصح العبري والفصح المسيحي سيحلان في شهر نيسان المقبل، لذا ليس واضحا كيف سينعكس هذا على السياحة في هذا الموسم الديني السياحي الهام.

 

 

 

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات