المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كشف بنيامين نتنياهو وأتباعه في زعامة الليكود، طبقة جديدة من الهستيريا، فور إدراكهم أن الحفاظ على الحكم ليس بمتناول اليد، وأن العقبة أمام ذلك، بالمحصلة النهائية، هي القوّة التي حققتها القائمة المشتركة. فهي القائمة الوحيدة التي زادت قوتها في داخل المعسكر (غير المتجانس، وغير اليساري وغير الحمائمي بمعظمه، كما يُشاع!) الذي لا يهيمن عليه نتنياهو، وكانت هذه هي الزيادة التي قطعت بالتالي الطريق عليه للعودة بسلاسة إلى مقعده. لهذا سارع إلى تصعيد ما دأب عليه مرارا: التحريض العنصري على المواطنين العرب وليس فقط التشكيك بشرعيتهم السياسية، بل نفيها تماما.

لم يكن التحريض على العرب في نهج نتنياهو السياسي مدفوعا بكراهية عمياء كما قد يُعتقد، بل كان تكتيكا سياسيا باردا يُراد منه تحشيد شرائح إسرائيلية، يمكن إذكاء أو إعادة إذكاء الكراهية في صفوفها للعرب ولغيرهم ممن يُعتبرون خارج "المعسكر القومي". يشمل هذا قضاة وجنرالات وصهاينة متمرّسين، يا للمفارقة. إذاً تحريض نتنياهو غائيّ أداتيّ لطالما خدمه. منذ خطاب "العرب ينهمرون على الصناديق في باصات توفرها لهم جمعيات اليسار"، ووصولا إلى إرسال نشطاء مع كاميرات إلى صناديق اقتراع في بلدات عربية، تردّد كثيرا أن الهدف منه كان إشعال اعتداء على بعضهم يقود إلى الهدف المرجوّ: إحداث ردة فعل تخرج قاطرات الجموع للاقتراع مدفوعة بوقود النقمة على العرب.

"نيويورك تايمز": "المشتركة" حرمت نتنياهو من تحقيق أغلبية برلمانية مطلقة

كتب باتريك كينغزلي في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ضمن تقرير واسع لخّص فيه نتائج الانتخابات وما يتفاعل بعدها، أن تكتل بنيامين نتنياهو اليميني كسب جزئيا بسبب سياسته المتشددة التي همّشت العرب وأعاقت صفقة سلام مع الفلسطينيين. ولكن كسبت القائمة المشتركة التي حققت رقما قياسيا بشكل جعلها ثالث أكبر كتلة في البرلمان وحرمت نتنياهو من تحقيق أغلبية برلمانية مطلقة. وهناك ترابط بين فوز اليمين والعرب، فقد زاد نتنياهو قاعدته بتمرير قوانين تنفر المواطنين العرب والسعي وراء خطط للشرق الأوسط - مثل "صفقة القرن" للرئيس ترامب - والتي سيتم بموجبها ضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، ما دفع الناخبين العرب في إسرائيل الذين كانوا غير مبالين سابقا ليدلوا بأصواتهم، حسب تقديره.

هذا الصحافي يعتقد أن ما حققه المواطنون العرب من مكاسب في صندوق الاقتراع لن يغير الكثير من وضعيتهم في بلد يتحرك بانتظام أكثر فأكثر نحو اليمين. وفي الواقع، يقول، فإن المكاسب هي سلاح ذو حدين، وتجعل اليمين الإسرائيلي أقوى. ولهذا السبب حاول نتنياهو قطع الطريق أمام أي تعاون مع المشتركة من خلال قيامه بنزع الشرعية عنها ووصف نوابها بـ "داعمي الإرهاب". وبالنسبة لنتنياهو فالعرب كما قال أمام قادة الأحزاب المتطرفة التي دعمته ليسوا "ضمن المعادلة" وهو ما ينذر بالقادم حول سياساته إن استطاع تشكيل حكومته الخامسة. وهذا يفسر المشاركة الكبيرة للعرب الذين لم يكونوا يبالون بيوم الانتخابات إلى هذه الدرجة، لأنها لا تغير من حياتهم. ولهذا - يقدّر مراسل الصحيفة الأميركية - جاءت المشاركة الكبيرة تعبيرا عن مواطنتهم التي لا يمكن مسحها والخوف من التطهير العرقي، خاصة أن خطة ترامب تتحدث عن تبادل أراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مثل منطقة المثلث، وهو ما أثار حنق وغضب العرب.

معضلة الليكوديّة البارزة التي أسفت لتصويت العرب للمشتركة!

الجديد في تكتيك التحريض الراهن أنه لا يأتي من باب "الفهلوة" واللؤم البارد الذي يلعب على أوتار غرائز التعصب لدى شرائح يهودية واسعة قبل الانتخابات؛ بل يأتي من عمق الإحباط والأزمة التي يقبع فيها نتنياهو ورهطه بعد انتهاء الانتخابات وظهور نتائجها التي لم تحقق له الأغلبية المرجوة والتي ظنّ أنه نالها مثلما ظهر في خطاب النصر المبكر.

لقد بدا عدد من متحدثي الليكود في كامل توترهم الأسبوع الفائت ووصلت الأمور أحيانا حد المهزلة. جاء هذا فوراً بعد أن وصف نتنياهو، في تصريح مسجل نشر على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، القائمة المشتركة بـ"داعمي الإرهاب"، مذكرا بوعود منافسه زعيم تحالف "كحول لفان"، بيني غانتس، بعدم تشكيل ائتلاف حاكم يعتمد بطريقة أو بأخرى على تلك القائمة العربية. وواصل بديماغوغية غير مُحكمة: "غانتس يسعى لتشكيل حكومة خطيرة بالنسبة لدولة إسرائيل مع داعمي الإرهاب".

الوزيرة ميري ريغف هاجمت القائمة المشتركة بعنصرية واطئة تميّز أداءها، ونافقت المواطنين العرب، زاعمة أن الحكومة "أعطتهم" الكثير وعبرت عن أسفها لدعمهم القائمة المشتركة رغم هذا "السخاء" المزعوم! ولكنها رغم أسفها على ذلك "الدعم"، زعمت أن المشتركة لا تمثلهم. وحين قاطعها وسألها صحافيان كانا يحاورانها من الإذاعة العامة: لكن كيف، فالعرب صوتوا لها بنسبة هائلة؟ راحت الليكودية البارزة تهذي بجمل مهشمة لم يتمكن المذيعان من إخفاء استخفافهما بها.

أما الوزير دافيد أمسالم فراح هو الآخر يهاجم القائمة المشتركة قُريب كيل الشتائم، زاعما أنه يحق للمواطنين العرب كل الحقوق المدنية لكن ليس الحسم في "المسائل القومية" لأنهم يدافعون عن الفلسطينيين أولا بل يقدمون أنفسهم كفلسطينيين. وكأن حقيقة الانتماء الفلسطيني لهؤلاء المواطنين دون أي تنازل أو مهادنة على حقوقهم المدنية، لم يوضّح للقاصي والداني بعد. وحين ووجه بسؤال صحافي بسيط: لكن التصويت واحتساب الصوت بمساواة هو جزء من هذه الحقوق المدنية التي تتحدث عنها، راح يقول انه يجب أولا إنهاء الصراع وبعدها سيجد العرب أنفسهم أقرب إلى الليكود في القضايا الاجتماعية! وهو قول كان يمكن النظر اليه أيضاً كموقف راديكالي جدا، لكنه هنا بدا ناجما عن ارتباك وعصبية وعجز أكثر مما عن إدراك.

بنيامين نتنياهو وأتباعه فقدوا جميع الكوابح. ليس تلك الأخلاقية، فهم في حلٍّ منها ولم يلتزموا بها بالمرة. لكنهم يفقدون كوابح العقل السليم، لأنهم يفتقرون لأي جواب أمام انتخاب المواطنين العرب قوّة ثالثة مؤثرة لا يمكن تجاهلها. لذلك لا تُسمع سوى التفاهات والتحريضات.

يهود "انهمروا" أكثر على التصويت للقائمة المشتركة

كما كتبت هجار شيزاف في "هآرتس"، فإن قوة المشتركة تعززت في بلدات مع أغلبية يهودية، منها رمات هشارون ورامات غان ورعنانا ومدن أخرى. وكتبت: يتبين من بيانات التصويت في المدن التي فيها أغلبية يهودية واضحة أنه في انتخابات الكنيست الـ 23 حدثت زيادة في نسبة تأييد القائمة المشتركة في أوساط المصوتين اليهود، حتى لو كان عدد الأصوات قليلاً نسبيا.

وفصّلت: في رامات غان، على سبيل المثال، تضاعف عدد المصوتين للمشتركة من 289 في انتخابات أيلول إلى 573 صوتا في الانتخابات الأخيرة. وفي رعنانا تعززت القائمة المشتركة من 57 صوتا في أيلول إلى 117 صوتا في الانتخابات الحالية. وفي رمات هشارون فإن نسبة التصويت للقائمة المشتركة بلغت 152 صوتا، أي ضعف العدد مقارنة مع أيلول، حيث حصلت القائمة على 74 صوتا. أيضا في كفار فراديم فان القائمة تعززت وزادت (من 94ر0 في المئة إلى 55ر1 في المئة من الأصوات). وفي كاليل كانت المشتركة هي القائمة الثالثة في حجمها وحصلت على 21ر12 في المئة من الأصوات مقابل 33ر6 في المئة في أيلول الأخير.

الصحافية تقتبس مصوتة اسمها ميطال (31 سنة) من تل أبيب صوتت دائما لليكود، لكن في هذه المرة صوتت للقائمة المشتركة: "لقد صوت لليكود لاعتقادي بأن نتنياهو زعيم لديه تجربة ويمكن الاعتماد عليه، ولم أشاهد أي شخص يمكنه أن يستبدله. ولكن مؤخرا بدأت بالتفكير بشكل مختلف، ليس التصويت فقط بحسب مسألة من سيكون رئيس الحكومة، بل من الذي يعكس أكثر قيمي ورغبتي في مجتمع أكثر تسامحا".

أما إيلي بركات (51 سنة) فقد كان في السابق سكرتير فرع ميرتس في القدس. وقد حول دعمه للقائمة المشتركة منذ انتخابات أيلول بعد اتحاد ميرتس مع إيهود باراك. وحسب قوله "التحالف مع العمل احتاج إلى طمس قيم، وفي الحملة لم يكن أي حديث عن النضال ضد الاحتلال أو الشراكة بين اليهود والعرب أو عن خطة ترامب". ويقول إن التصويت للقائمة المشتركة كان مقرونا باستبعاد نقاط أيديولوجية معينة؛ "تصويتي هو في المقام الأول تصويت تضامني".

يمكن القول إن هذه هي إحدى المرات القليلة التي يتألم فيها اليمين الاستيطاني العنصري المنظّم في معسكر نتنياهو (هناك يمين استيطاني عنصري في المعسكر الخصم أيضا، وتحديدا في "كحول لفان"، يجدر القول والتنبيه) إلى هذه الدرجة المحبِطة من قوة العرب السياسية المنظمة، ومعهم حلفاء تقدميون يهود "انهمروا" نسبيا على التصويت للقائمة المشتركة في الانتخابات الأخيرة. في الأيام التالية سترتفع درجة حرارة إذكاء الكراهية والتحريض العنصري، وتتزايد الأصوات المحذرة من أن نتنياهو يكرر ما فعله في الفترة التي سبقت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق إسحاق رابين. وحالياً قرر ضابط الأمن في الكنيست في مطلع الأسبوع فعلا تكثيف الحراسة على بيني غانتس!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات