المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كشف الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال احتياط بيني غانتس، عن برنامجه السياسي والانتخابي، في أول خطاب له ألقاه أمام حشد كبير من المؤيدين له في تل أبيب في نهاية الشهر الماضي، وأعلن فيه أيضاً عن إقامة تحالف انتخابي مع رئيس سابق آخر لهيئة الأركان العامة هو الجنرال احتياط موشيه يعلون.

وطلب غانتس الحصول على ثقة الناخبين في الانتخابات العامة حتى يتمكن من "قيادة شعب إسرائيل"، وبعث بتهديدات إلى قائد حركة "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار، والتزم بأن تسعى الحكومة تحت رئاسته للسلام، وتعهّد بعدم تفويت أي فرصة إقليمية للسلام، وبالعمل ضد الفساد وضد حملات الهجوم على سلطات القانون، وهاجم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وشدّد على أنه لا يمكن أن يتولى شخص قُدمت ضده لائحة اتهام منصب رئيس الحكومة.

وأشار غانتس إلى مسيرته العسكرية الطويلة وأكد أنها تؤهله لقيادة إسرائيل، كما أكد أن إسرائيل لن تقف مكتوفة اليدين أمام التهديد على سيادتها من جانب إيران أو وكلائها. وقال إن على قادة المنظمات الإرهابية أن يعلموا أن أحمد الجعبري ليس الأول ولن يكون بالضرورة الأخير، في إشارة إلى القائد السابق للجناح العسكري لحركة "حماس" الذي قتلته إسرائيل في غزة خلال ولاية غانتس كرئيس لهيئة الأركان. وأشار في الوقت عينه إلى أنه سيعمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وإلى أن الحكومة التي سيقودها ستسعى للسلام ولن تفوت أي فرصة لإحداث تغيير في المنطقة، وإذا لم تظهر مثل هذه الفرصة "ستوجد واقعاً جديداً".

وأضاف غانتس أنه سيقوم بتعزيز وضع إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، وبتعزيز الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، وشدّد على أن إسرائيل لن تتنازل عن هضبة الجولان وغور الأردن، وعلى أن القدس الموحدة ستظل عاصمة إسرائيل والشعب اليهودي إلى الأبد.

ووجه غانتس تحذيراً مباشراً إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، وقال إنه سيتم إحباط مؤامرات طهران ضد إسرائيل على الحدود الشمالية والجنوبية. وخاطب رئيس "فيلق القدس" قاسم سليماني، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قائلاً إنه حان الأوان لوقف جموحهما الإقليمي.

تشكّل كتلة معارضة لنتنياهو

وقد بات واضحا في أوساط المعارضين لرئيس الحكومة الإسرائيلية وزعيم اليمين بنيامين نتنياهو أن إنهاء حكم هذا الأخير يكون من خلال بناء جسم تحالفي كبير يضم قوائم سياسية وشخصيات لها رصيد شعبي، بينما تنافس القوائم الانتخابية بشكل انفرادي في الانتخابات لن يضمن لها القدرة على تغيير نتنياهو. وما يؤكد ذلك أن استطلاعات الرأي العام، التي أجريت في أعقاب خطاب غانتس المذكور، أعطته حتى حوالي 24 مقعداً في الانتخابات.
واقترب غانتس، في بعض الاستطلاعات، من شعبية نتنياهو كمرشح لرئاسة الحكومة.

لكن نتائج الاستطلاعات التي جرت بعد خطاب غانتس الأول، تشير إلى أن مقاعده جاءت على حساب حزب العمل، وحزب "يوجد مستقبل"، وحزب "كلنا"، بينما لم يؤثر ترشح غانتس ولا خطابه على تمثيل حزب الليكود في الكنيست. علاوة على ذلك هاجمت كتل اليمين الصلب، مثل حزب الوزيرين نفتالي بينيت وأييلت شاكيد الجديد "اليمين الجديد"، غانتس، حيث اعتبر بينيت أن غانتس يفضل حياة المواطنين الفلسطينيين على حياة الجنود الإسرائيليين. وكانت هناك الكثير من الإشارات إلى أن هذا اليمين يرى في غانتس تهديداً لحكمه، وإلى أنه مستعد لبقاء نتنياهو على مضض، في مقابل عدم تمكين غانتس من استبداله، وذلك على الرغم من أن الخطاب السياسي لهذا الأخير كان يمينيا وقوميا، وفي جزء منه كان فاشيا، في وضعه الدولة فوق الجميع، واستعمال مصطلحات يمينية مثل "الوطني".

وهذا هو ما توقفت عنده المراسلة السياسية لصحيفة "هآرتس"، نوعا لانداو، حيث كتبت أن غانتس ليس يساريا، وإنما هو "يمين قديم". وأضافت أن "رد الفعل الببغائي لنتنياهو والليكود، والقائل ’هو يساري’، بدا سطحيا وصبيانيا في مقابل أقواله. عدا ذلك، فإن رد الفعل هذا هو بكل بساطة غير صحيح، لأن من يتعمق في أقوال غانتس بجدية، وخاصة في الأجزاء السياسية – الأمنية، سيكتشف بسهولة أنه ليس يساراً أبداً. وعملياً، هو اليمين القديم".

ورأت لانداو أن غانتس عرض وجهة نظر لليكودي ليبرالي من الماضي، ولرجل الأمن الذي يمدّ يده إلى السلام، ولا يخاف من التحدث عن قيم مثل المساواة والفصل بقدر الإمكان بين الدين والدولة، ويؤمن باقتصاد حرّ إلى جانب أمن اجتماعي. وهو كرّر مقولة "نصنع سلاماً آمناً"، مثلما عزفت ذات مرة دعاية انتخابية مختلفة لنتنياهو مغاير لما هو عليه الآن.

وحول البرنامج السياسي – الأمني لغانتس أشارت لانداو إلى أنه أدلى بتصريح وطني عسكري عام، لا يمكن البدء بأي خطاب من دونه اليوم، كي يوضح "أنا صهيوني". وبعد ذلك انتقل إلى تهديد إيران. وغانتس يتبنى بذلك رواية نتنياهو الأساسية، ومؤداها أن هذا الموضوع هو المركزي في الأجندة الأمنية. وبعد ذلك انتقل إلى غزة. ووجّه تهديداً واضحاً إلى حياة قادة "حماس"، أي لوّح بالعودة إلى سياسة الاغتيالات. وبرأي لانداو "باستثناء اللسعات الموجّهة إلى نتنياهو حول تحويل المال القطري إلى غزة، لا توجد هنا أي بشرى يسارية خاصة".

ولفتت لانداو إلى رؤية غانتس لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وإلى أنها تتمثل بالانفصال عن الفلسطينيين لمصلحة إسرائيل "يهودية وديمقراطية"، وتعزيز "الكتل الاستيطانية"، والاحتفاظ بغور الأردن كحدود شرقية، والتشديد على الأمن، وتصريح عام حول ضرورة بقاء السيادة في هضبة الجولان، وبالطبع "بقاء القدس الموحدة عاصمة الشعب اليهودي إلى الأبد". وخلصت إلى القول: "هذا ليس برنامجا سياسياً – أمنياً يسارياً. هذا برنامج كان سيؤيده الكثيرون في الليكود القديم، وبينهم نتنياهو نفسه".

حلفاء غانتس

وما يؤكد أيضاً أن غانتس يحمل توجهات يمينية، هو انضمام وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، إلى قائمته.

فيعلون معروف بأنه من اليمين القومي الليبرالي، ولا يؤيد قيام دولة فلسطينية، ويعتقد أنه يجب تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، وربما ينتمي يعلون إلى التيار القديم في اليمين الإسرائيلي. كما انضمت إلى غانتس شخصيتان يمينيتان معروفتان، هما يوعز هندل، وهو كاتب وصحافي يميني معروف عمل رئيساً لطاقم نتنياهو الإعلامي في ديوان رئاسة الحكومة ويقف الآن على رأس "معهد الإستراتيجيا الصهيونية" الذي كان من أشد الذين دفعوا قدماً بسن "قانون القومية" الإسرائيلي، وتسفي هاوزر، وهو بيروقراطي يميني عمل بجانب نتنياهو كسكرتير للحكومة. وتشترك هذه الشخصيات الثلاث (يعلون وهندل وهاوزر) في أنها عملت جميعاً مع نتنياهو، وتتبنى مواقف أيديولوجية يمينية واضحة، وتستطيع التحدث عن فكرة اليمين أيديولوجياً بطلاقة ومعرفة مقارنة مع أغلب أعضاء الليكود الحاليين.
ورأى محللون كثر في إسرائيل أن غانتس حاول إرضاء الجميع في خطابه.

وكتبت موران أزولاي، محللة صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قائلة إنه "بدل أن يوضح مواقفه، فضَّل شعارات عامة مقبولة على اليمين واليسار".

واعتبر رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، أنه "يوجد بديل" لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو.
وبينما اتهم نتنياهو ومقربوه غانتس بأنه يساري يحاول أن يظهر بأنه يميني، رحَّبت المعارضة بتصريحاته، على الرغم من خيبة أملها من أنه لم يعلن بصراحة عدم استعداده للانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو.

وعلَّق نتنياهو على شعار غانتس الرئيسي "لا يمين ولا يسار"، قائلاً: "من يقول إنه ليس يمينياً وليس يسارياً، فهو يساري". وأصدر حزب الليكود بياناً جاء فيه أن غانتس سيشكل حكومة يسارية بعد الانتخابات مع رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، وباقي أحزاب اليسار. وقال رئيس الائتلاف الحاكم، ديفيد أمسالم من حزب الليكود: "حينما تُقارن بين نتنياهو وغانتس، فإنني أعتقد أن الفرق بينهما كالفرق بين الطائرات والزوارق".

كما هاجمه، مثلما ذكرنا، وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، رئيس حزب "اليمين الجديد". وقال بينيت إن "غانتس يتحدث بشكل جميل لكنه ضعيف جدا في الأفعال وفي جميع الاختبارات التي واجهها، ومنها التخلي عن جيش لبنان الجنوبي بالانسحاب من لبنان، والتخلي عن الجندي الإسرائيلي مدحت يوسف في نابلس، وتحرير آلاف المخربين، وإخفاق عملية الجرف الصامد، حيث كان مترددا ومتلعثما. إنه رجل طيب، لكنه ضعيف جدا!".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات