المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ثمة مئات عديدة من الشكاوى تقدم بها مواطنون فلسطينيون وإسرائيليون ضد "جهاز الأمن العام" (الشاباك) ومحققيه على خلفية استخدام العنف وممارسة أشكال مختلفة من التعذيب ضدهم خلال خضوعهم للتحقيق في أقبية الجهاز، منذ العام 2001 وحتى اليوم، لكنها لم تفضِ إلى إجراء أي تحقيق مع أي من رجال "الشاباك" ومحققيه، ولم تقدَّم أية لائحة اتهام ضد أي من هؤلاء! كل ما حظيت به هذه الشكاوى العديدة هو مجرد "فحص" في عدد قليل جدا منها فقط: في العام 2009 ـ تم "فحص" 51 شكوى؛ في العام 2010 – 52 شكوى؛ في العام 2011 – 29 شكوى؛ في العام 2012 – 25 شكوى؛ في العام 2013 – 67 شكوى؛ في العام 2014- 148؛ في العام 2015- 56 وفي العام 2016 – 57.


على خلفية هذه المعطيات (الرسمية) التي كشفت عنها صحيفة "هآرتس" (7/12/2016)، خصصت لجنة القانون، الدستور والقضاء التابعة للكنيست جلسة للبحث في هذا الموضوع (في مطلع كانون الثاني 2017)، لكنّ شيئاً لم يتغيّر منذ ذلك الوقت.

الشكاوى من هذا النوع يتم تقديمها إلى "وحدة مراقِب الشكاوى ضد محققي الشاباك"، التي تم نقلها في العام 2013 من مسؤولية جهاز "الشاباك" نفسه إلى مسؤولية وزارة العدل. وهي توازي "وحدة التحقيق مع رجال الشرطة" (ماحش) التابعة للوزارة نفسها. وقد جاء نقل هذه الوحدة من مسؤولية "الشاباك" إلى مسؤولية الوزارة في أعقاب التماس قُدّم إلى المحكمة العليا الإسرائيلية وكشف أن 600 شكوى ضد محققي "الشاباك" قُدمت بين الأعوام 2001 و 2008 انتهت، جميعها، بإغلاقها دون أية نتائج أو استنتاجات!

منذ إنشاء هذه الوحدة (المكونة من ثلاثة أشخاص فقط، واحد منهم فقط مسؤول عن "التحقيق في الشكاوى"!)، لم تجرِ أي تحقيق جنائي مع أي من محققي "الشاباك" ولم تقدم أية لائحة اتهام ضد أي منهم، رغم ما تضمنته هذه الشكاوى من تفاصيل مرعبة حول أساليب التعذيب التي يعتمدها محققو "الشاباك" ضد المحقَّق معهم ورغم ما كشفه تحقيق أجرته صحيفة "هآرتس" (6/3/2015) عن "ارتفاع حاد في ممارسة التعذيب خلال تحقيقات الشاباك"، وخصوصا في أعقاب عملية خطف وقتل الشبان المستوطنين الثلاثة في غوش عتصيون في حزيران 2014. ومنذ نقلها إلى مسؤولية الوزارة، لم يطرأ أي تغيير في منهجية التعامل مع هذه الشكاوى التي ظلت تُعالَج بواسطة "الفحص"، دون إجراء أي تحقيق جنائي فيها ودون تقديم أية لائحة اتهام بشأنها.

وتكفي إشارة المحامية إفرات برغمان ـ سابير، من "اللجنة العامة ضد التعذيب في إسرائيل"، لتوضيح الصورة الحقيقية عن تعامل "الوحدة" المذكورة مع شكاوى الأشخاص الذين يتعرضون للتعذيب في أقبية "الشاباك". فقد قالت برغمان ـ سابير إن هذه اللجنة وحدها قدمت ألف شكوى على الأقل منذ العام 2001، "تم إغلاقها جميعها، دون أن تفضي أي منها، ولو واحدة فقط، إلى إجراء تحقيق جنائي مع أي من محققي الشاباك أو إلى تقديم لائحة اتهام جنائية بحقهم"!

غالباً ما يجري إغلاق هذه الشكاوى، بعد "فحصها" فقط، بذريعة "الحاجة" (أو ما تصفه المحكمة العسكرية بأنه "تحقيق غير عادي" أو "تحقيق باستخدام وسائل خاصة"!) ـ أي "الحاجة" إلى "استخدام العنف بصورة تناسبية" خلال التحقيق مع مشتبه بهم في "التخطيط، المساعدة أو المشاركة" في تنفيذ "عمليات إرهابية" أو مع مشتبه بهم في "الانتماء إلى تنظيم محظور"، وذلك في إطار ما يُطلق عليه وصف "القنبلة الموقوتة"! والأدهى أن إغلاق هذه الشكاوى يتم دون الاستماع إلى إفادات الأشخاص الذين تقدموا بها، وذلك بذريعة "الخشية من المسّ بالإجراءات"!

تفيد المعطيات التي وردت في تحقيق "هآرتس"، سواء التي تم جمعها من المحاكم العسكرية أو من "اللجنة العامة ضد التعذيب في إسرائيل"، بأنّ الشكاوى التي قدمها فلسطينيون من الضفة الغربية على خلفية تعرضهم للتعذيب خلال التحقيق معهم لدى "الشاباك" شملت: في العام 2014 - 59 شكوى (كان بينها 19 شكوى حول "الحرمان من النوم"، 12 شكوى حول الضرب العنيف، 18 شكوى حول التقييد والربط و 2 حول استخدام أسلوب "الهزّ")؛ في العام 2013 - 16 شكوى؛ في العام 2012 – 30 شكوى؛ في العام 2011 – 27 شكوى وفي العام 2010 – 42 شكوى.
في ردها على هذه الادعاءات، اعترفت وزارة العدل بأن أياً من الشكاوى العديدة التي قُدّمت ضد رجال "الشاباك" ومحققيه لم تؤد إلى فتح تحقيق جنائي مع أي من هؤلاء، زاعمةً بأن ذلك قد تم "بعد فحص كل واحدة من الشكاوى، بما في ذلك الاستماع إلى إفادات المشتكين (الذين وافقوا على الإدلاء بإفاداتهم)، الاستماع إلى تعقيبات محققي الشاباك والنظر في جميع المواد المتعلقة بالتحقيق"! وأضافت الوزارة، في ردها، أنه "في أعقاب هذه الشكاوى، جرى استخلاص استنتاجات مختلفة أو اتخاذ إجراءات تأديبية ضد عدد من المحققين في بعض منها"! أما عن إجراء تحقيقات جنائية مع المحققين، فقالت الوزارة إن "الأمر مشروط بتوفر قاعدة من الأدلة والبينات التي تبرر ذلك، وليس بشكل تعسفي بغية تعديل معطيات إحصائية فقط"!


"الشاباك" لا يقدم أية معلومات

من المعلوم أن مسألة التعذيب في أقبية "الشاباك" تعتبر مسألة "حساسة جدا" في إسرائيل ونادرا ما تُنشر عنها معلومات أو معطيات، سوى في حالات متفرقة جدا وبعد مُطالبة مستمرة استنادا إلى "قانون حرية المعلومات" بشكل أساس، ناهيك عن أن جهاز "الشاباك" يمتنع عن الإدلاء بأية معلومات أو تفاصيل علنية حول هذه المسألة، وهو الموقف الذي تتبناه، بصورة أوتوماتيكية، جميع الأذرع السياسية والأمنية الرسمية المختلفة. ويحرص "الشاباك"، حرصا مشددا، على عدم نشر أية وثائق رسمية علناً عن هذا الموضوع، بينما يقدم (الجهاز) إلى المحاكم "وثائق سرية" عنه لا يجوز لمحامي الدفاع عن المشتبه بهم أو عن المعتقلين الاطلاع عليها في الغالب.

يذكر أن "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية أصدرت، في أيلول 1999، قراراً في التماس قدمته إليها مجموعة من منظمات حقوق الإنسان في إسرائيل ضد "استخدام التعذيب كنهج" في التحقيقات التي يجريها "الشاباك". وفي قرارها ذاك، حظرت المحكمة على الجهاز "استخدام التعذيب كنهج"، لكنها أبقت له منفذاً "صغيراً" جعله محققو الجهاز بوابة كبيرة: محقق "الشاباك" الذي يستخدم أساليب التعذيب يمكنه الادعاء، لاحقا، بأنه كان مضطرا لذلك "بمقتضى الحاجة"، أي "الحاجة الماسة لخرق القانون"! وبناء على قرار المحكمة هذا، وضع المستشار القانوني للحكومة "قواعد سريان "مبدأ الحاجة" في تحقيقات الشاباك"، لكن هذه القواعد سرية ولا يمكن الاطلاع عليها.

 

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, المستشار القانوني للحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات