المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لا تعرف إسرائيل حتى اليوم ما إذا كانت الحرب التي شنتها ضد قطاع غزة على مدار خمسين يوما، بين 7 تموز و26 آب من العام الماضي- 2014، حققت هدفها الرئيس، وهو ردع حركة حماس، أم لا.

ويحاول خبراء أمنيون إسرائيليون دراسة أداء حماس، وبالأساس ذراعها العسكري، كتائب عز الدين القسام، خلال الحروب السابقة بين الجانبين، وأيضا خلال فترات الهدوء بين هذه الحروب، بهدف محاولة استشراف أداء حماس وكتائب القسام في الحرب المقبلة، التي تعتبر إسرائيل أنها ستنشب لا محالة، وأن نشوبها مسألة وقت ليس أكثر.

حول هذا الموضوع، صدر بحث عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، مؤخرا، بعنوان "هل ستكون حماس مستعدة أكثر في المواجهة المقبلة مع إسرائيل – رؤى وتقييمات حيال دروس حماس من ’الجرف الصامد’" وهو التسمية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي على الحرب الأخيرة ضد قطاع غزة.

وأعد هذا البحث مدير برنامج "جيش وإستراتيجيا" في المعهد، الدكتور غابي سيبوني، ومسؤول رفيع المستوى في مكتب رئيس الحكومة، تم الإشارة إليه بالحرفين ع. ج، وربما يكون مسؤولا في الشاباك أو في مجلس الأمن القومي التابعين لرئيس الحكومة الإسرائيلية مباشرة.

وأشار الباحثان إلى أن "حماس هي حركة تقوم بدراسة تجاربها، وتستخلص الدروس بعد أية مواجهة أو جولة قتال مع إسرائيل، وتطبق نتائج دراستها جيدا في أسلوب قتالها الذي تمارسه في أية جولة جديدة. وتستخلص حماس الدروس من تجربتها في ميدان القتال أولا، ولكن تستخلص أيضا الدروس من تجارب منظمات إرهابية أخرى حاربت ضد إسرائيل، مثل حزب الله، وكذلك من الخبرة والتجارب المتراكمة التي نُقلت إليها من قِبل دول، مثل إيران وسورية".

واعتبر البحث أن حماس استخلصت الدروس من "الجرف الصامد" في ثلاثة مستويات، هي: المستوى الإستراتيجي في السياق الجيوسياسي، ومستوى بناء القوة والتسلح، والمستوى العملي لتفعيل القوة.

ورجح الباحثان بأن حماس ستطبق هذه الدروس في جولة القتال المقبلة بينها وبين إسرائيل، وفي المقابل فإنه بإمكان إسرائيل استخلاص رؤى من دروس حماس فيما يتعلق بطرق مواجهة الجيش الإسرائيلي ضد الحركة في المستقبل.

أسباب حرب صيف العام 2014

أشارت الدراسة إلى أن حماس خاضت هذه الحرب، في صيف العام الماضي، في الوقت الذي كانت فيه الحركة "في حضيض غير مسبوق من الناحيتين السياسية والاقتصادية".

وبرأي الدراسة ثمة سببان مباشران أديا إلى الحرب، أولهما حملة اعتقالات واسعة شنها الجيش الإسرائيلي في صفوف حماس في الضفة الغربية، وطالت مئات النشطاء، في أعقاب اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة. والسبب الثاني هو اكتشاف الجيش الإسرائيلي نفقا هجوميا في جنوب القطاع يمتد إلى معبر كرم أبو سالم، وتدميره ومقتل عدد من مقاتلي كتائب القسام.

وأضافت الدراسة أن هناك أسبابا أخرى، أعمق وجذرية أكثر، أدت إلى الحرب، وتتعلق بتطورات حدثت في السنوات الأخيرة وتسببت بتدهور الوضع الداخلي في حماس وعزلتها الإقليمية "وتخوف حقيقي في صفوف قيادتها من فقدان القدرة على استمرار حكمها في قطاع غزة".

وهذه الأسباب مجتمعة "دفعت قادة حماس إلى الاستنتاج بأن ليس ثمة ما تخسره، ولذلك لم يتبق سوى استخدام ’قوة الضرر’ من أجل ضمان استمرار بقاء الحركة"، لأنه "بالنسبة إلى حماس، إطلاق الصواريخ هو ’سياسة بوسائل أخرى’، وخيار الدخول إلى جولة قتال لم يكن خيارا بين الحرب والسلم، وإنما بين الاختناق البطيء والحرب".

كذلك توقعت حماس وجود احتمال، وإن كان منخفضا، بأن تؤدي حرب كهذه إلى تخفيف الحصار المفروض على القطاع.
إلى جانب ذلك، واجهت حماس، بعد شهور من عملية "عمود السحاب" العسكرية الإسرائيلية ضد القطاع في تشرين الثاني العام 2012، أزمة اقتصادية وسياسية.

فحتى تموز العام 2013 كان نظام الإخوان المسلمين في مصر برئاسة محمد مرسي داعما لحماس، لكن بعد عزل مرسي وتولي عبد الفتاح السيسي مكانه، وإخراج الإخوان المسلمين عن القانون، تحولت حماس إلى حركة منبوذة وحتى أن محكمة مصرية أصدرت قرارا باعتبارها حركة "إرهابية". وعمل نظام السيسي بخطى حثيثة على تدمير الأنفاق بين القطاع وسيناء، التي وصفتها الدراسة بأنها كانت مصدر الدخل الأساسي لحماس. كذلك ساهم إغلاق مصر لمعبر رفح لفترات طويلة في تفاقم الأزمة الاقتصادية في القطاع.

وقالت الدراسة إن قيادة حماس أدركت في بداية العام 2014 أن "حكمها في قطاع غزة قد ضعف وبات محل شك وأنها فاقدة القدرة على تلبية احتياجات غزة الاقتصادية، وفي مقدمتها دفع رواتب موظفي الحكومة"، وأن هذا الوضع دفع حماس إلى التوقيع على اتفاق المصالحة مع حركة فتح، في نيسان العام 2014، وتشكيل حكومة الوفاق. لكن هذه الخطوة دفعت تنظيمات أخرى في القطاع إلى توجيه اتهامات ضد حماس، بينها أنها تخلت عن طريق المقاومة. وكل ذلك "جعل حماس تدفع متعمدة باتجاه أجواء تستدعي الحاجة إلى دهورة الوضع الأمني ضد إسرائيل. وهذه الأجواء، إلى جانب الأسباب الأخرى المذكورة آنفا، تسببت بأن تبدأ الحركة بهجوم صاروخي ضد إسرائيل في 7 تموز 2014".

واستخدمت إسرائيل في عدوانها هذا على قطاع غزة قوة هائلة أسفرت عن سقوط أكثر من 2200 قتيل غالبيتهم من المدنيين، وخلفت دمارا هائلا، كما أن الوضع الاقتصادي في القطاع ازداد سوءا، ما يعني اشتداد الأزمة الإنسانية أكثر مما كانت عليه. وقالت الدراسة إنه لا يوجد تغيير في سياسة حماس تجاه إسرائيل وأن "الكفاح المسلح ضدها ما زال مركبا مركزيا" في عقيدتها، ولذلك فإن جولة قتال أخرى "هي مسألة وقت على ما يبدو. وحماس تدرك ذلك جيدا. وعملية استخلاصها للدروس في أوجها، وبات تعبير ملموس عن ذلك يُنفذ على أرض الواقع على عدة مستويات وبوتيرة متسارعة".

وأضافت الدراسة أن "الدروس التي تستخلصها حماس تكون أسرع وأنجع من جولة قتالية إلى أخرى. ولذلك تحسنت قدرة حماس العسكرية بما لا يقاس منذ عملية ’الرصاص المصبوب’، في كانون الأول 2008 وكانون الثاني 2009، وحتى عملية ’الجرف الصامد’، سواء من حيث النوعية أو الكمية. كما أن كتائب القسام تعمل على تطوير أساليب جديدة للقتال ضد إسرائيل. وبالإمكان الاعتقاد أنه في المواجهة المقبلة ستكون الحركة مستعدة أكثر وأخطر من الماضي. وهي تواصل الاستعداد جيدا لهذه المواجهة، وترمم وتعيد بناء قوتها العسكرية وبنيتها التحتية. وهي تقوم بذلك من خلال الإدراك أن هذه المواجهة ستطول أكثر".

علاقات حماس الإقليمية

في أعقاب الخلاف بين حماس والنظام السوري وطرد الأخير قيادة الحركة من دمشق، في العام 2012، وجد قادة حماس ملاذا لهم في قطر. وفي الوقت نفسه فقدت حماس دعم مصر بعد عزل مرسي. وبحسب الدراسة فإن العلاقات الجيدة بين قطر وحماس انتهت في أعقاب اتفاق المصالحة بين قطر ومصر في النصف الثاني من كانون الأول 2014. لكن سبقت ذلك مؤشرات، أهمها تنازل حماس مضطرة عن قطر لدى التوصل إلى تفاهمات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، في آب 2014، على ضوء "الجبهة الموحدة لإسرائيل ومصر والسعودية ضد منح قطر أية مكانة في تفاهمات وقف إطلاق النار".

وأدى هذا الوضع، وفقا للدراسة، إلى أن تستخلص حماس الدرس الجيوسياسي المركزي، وهو أن العزلة التي تعاني منها منذ فترة، واشتدت منذ انتهاء الحرب في صيف العام الماضي، لا يمكن أن تستمر، إذا أرادت أن تحسن صورتها داخليا وخارجيا، وإذا أرادت أن تعيد تعبئة مخزون الأسلحة لديها وأن ترمم بنيتها التحتية العسكرية. "وكان الاستنتاج المطلوب بنظرها أن عليها أن تحظى بدعم دولة إقليمية أخرى ومهيمنة".

كذلك أدركت حماس أن إيران هي أكثر دولة يمكن أن تساعدها في الخروج من أزمتها، السياسية والعسكرية، وذلك على الرغم من تعبير حماس عن تأييدها لمعارضي النظام السوري، حليف إيران. وأشارت الدراسة إلى أنه حتى نشوء الخلاف بين حماس وإيران على خلفية تأييد الحركة لمعارضي النظام السوري، "دعمت إيران حماس طوال سنوات، بتحويل مئات ملايين الدولارات إلى قطاع غزة، وبمساعدات عسكرية واسعة، وتدريبات، ونقل خبرات وإقامة بنية تحتية لصنع ذاتي لأسلحة، وبالأساس صواريخ، إلى القطاع".

ورصدت الدراسة منذ انتهاء حرب صيف العام الماضي، وبشكل أكبر في أعقاب المصالحة المصرية- القطرية، تصريحات لقياديين في حماس تدعو إلى استئناف العلاقات مع إيران. وبعد ذلك زار وفدان من حماس طهران، في كانون الأول وكانون الثاني الماضيين. وقالت الدراسة إن الزيارة الثانية مهدت لزيارة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل إلى طهران، وفقا لتصريح مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة، أسامة حمدان، الذي أعلن رسميا عن استئناف العلاقات بين الجانبين.

ورأت الدراسة أن لإيران مصلحة في إعادة تقاربها من حماس، وأن هذه المصلحة مرتبطة برفع مكانتها في المنطقة "وأيضا من أجل التلميح إلى اللاعبين الآخرين في الحلبة، وربما للولايات المتحدة أيضا، بأنه لا يزال لديها تأثير على الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني". ووفقا للدراسة فإن إيران استأنفت تحويل أموال إلى حماس.

وأشارت الدراسة إلى جانب آخر شجع إيران على استئناف علاقتها مع حماس، وهي العلاقة بين حماس وحزب الله.

وقالت الدراسة إن "حماس درست وطبقت خلال جولات القتال الأخيرة مع إسرائيل دروسا كثيرة استخلصها حزب الله من صراعه مع إسرائيل" وإن هناك تبادل خبرات واستخلاص دروس بين حماس وحزب الله منذ الفترة التي سبقت الأزمة بين حماس وإيران. "وعلى الأرجح أن حزب الله يريد أن يحصل من حماس على رؤى معمقة قدر الإمكان حول الخطوات العسكرية الإسرائيلية وحول تكتيك وأساليب عمل الجيش الإسرائيلي... وليس مستبعدا أن تتحول عملية دراسة واستخلاص الدروس إلى مجهود ثلاثي مشترك لإيران وحزب الله وحماس".

وأضافت الدراسة أن دولا عدة، بينها السعودية والأردن، إضافة إلى مصر، ترتاب من استئناف العلاقات بين إيران وحماس، وتتحسب من تأثير ذلك على حركات الإخوان المسلمين لديها. كذلك لا تزال الخلافات على حالها بين حماس والسلطة الفلسطينية وتبادل الاتهامات بين الجانبين متواصل. وبحسب الدراسة فإنه في أعقاب حملة الاعتقالات الواسعة في صفوف نشطاء حماس في الضفة الغربية قبل الحرب على غزة العام الماضي، "اتضح أنه جرى تجنيد الكثيرين من نشطاء الحركة في الأردن وأنهم خضعوا هناك إلى تأهيل عسكري بإشراف كتائب القسام".

وتوقعت الدراسة أنه على ضوء وضع حماس، في الحلبة الإقليمية والحلبة الفلسطينية الداخلية، خاصة بعد الحرب الأخيرة، فإن قيادة الحركة لا تتطلع، وليس لديها مصلحة حاليا في استئناف القتال ضد إسرائيل، وفي جميع الأحوال ليست لديها مصلحة في نشوب حرب بحجم حرب العام الماضي. وسيستغرق إعادة إعمار القطاع وقتا طويلا، وكذلك الأمر بالنسبة لترميم حماس لقدراتها العسكرية واستعادة مخزون أسلحتها.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, مجلس الأمن القومي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات