المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وفقا للدراسة الجديدة الصادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، فإنه منذ انتهاء الحرب في صيف العام الماضي- 2014، تستعد حماس لحرب مقبلة غير تناسبية مع إسرائيل وتركز الحركة على ثلاثة مركبات أساسية: القوة الصاروخية؛ شبكة الأنفاق، قسم منها يتوغل إلى إسرائيل خلف حدود القطاع والقسم الآخر داخل القطاع؛ قوات هجوم بري.


وهناك استثمار ضئيل في قدرات بحرية وجوية.

وأشارت الدراسة إلى أن حماس استخدمت هذه المركبات خلال "الجرف الصامد"، وبنظرها فإنها حققت نجاحات ومنيت بإخفاقات في كل واحد منها. "وبالإمكان الاعتقاد أنه لدى انتهاء القتال بدأ قادة ونشطاء كتائب القسام بعملية تحقيق ودراسة بهدف الوصول إلى جولة القتال المقبلة مع إسرائيل بعد بناء قوة وبمستوى جهوزية أعلى، وذلك على الرغم من الصعوبات التي تضعها إسرائيل ومصر" أي الحصار وتدمير الأنفاق.

وبحسب الدراسة فإن حماس تركز أكثر شيء على موضوع الأنفاق الهجومية، بعد أن هدم الجيش الإسرائيلي 32 نفقا كهذا، بينها 14 نفقا يتوغل إلى داخل إسرائيل. وترى الحركة في الأنفاق الهجومية مركبا مركزيا في عقيدتها القتالية وتعي أهميتها الإستراتيجية، "برغم أن نتائج استخدامها خلال ’الجرف الصامد’ لم يكن بحجم الأهمية التي توليها الحركة لهذه الأنفاق"، وذلك رغم الخسائر التي تكبدتها إسرائيل بجنود قتلى.

وتعترف الدراسة بأن عدد الأنفاق الهجومية الكبير واستخدامها شكلا "مفاجأة إستراتيجية" لإسرائيل، على الرغم من أن "تهديد الأنفاق" كان معروفا لجميع الجهات في جهاز الأمن الإسرائيلي منذ سنين.

وأشارت الدراسة إلى الصعوبة التي تواجهها إسرائيل في مواجهة الأنفاق الهجومية، "وحتى أنه لا يوجد في العالم كله حل مناسب لمواجهتها".

وقالت الدراسة إن "أحداث ’الجرف الصامد’ أثبتت لحماس أن للأنفاق مفعول ردع وتخويف هاما للغاية لدى السكان المدنيين في بلدات غلاف غزة وأن دولة إسرائيل ترى بها وبإمكانياتها بإلحاق أضرار على أنها تهديد إستراتيجي. وفعلا، شكلت الأنفاق التي تتوغل إلى الأراضي الإسرائيلية أحد المركبات الهامة في نشوء الشعور بانعدام الأمن في البلدات (الإسرائيلية) القريبة من الجدار وجعلت الكثيرين يغادرون هذه البلدات خلال فترة الحرب". لذلك قررت حماس، بحسب الدراسة، توسيع شبكة الأنفاق الهجومية، خاصة وأنها ساهمت في صمود حماس طوال أيام الحرب الخمسين.

وأضافت الدراسة أن هذه الأنفاق استخدمت لتخزين ونقل أسلحة، ولنصب كمائن للقوات الإسرائيلية، وإطلاق صواريخ حيث تمكنت حماس من إطلاق "وجبة يومية" من الصواريخ باتجاه إسرائيل، وسمحت هذه الأنفاق لقوات حماس بالانسحاب إلى داخلها، وربما الأهم من كل ذلك أتاحت الحفاظ على قوات الحركة من هجمات جوية وبرية إسرائيلية وخاصة الحفاظ على حياة القيادة العسكرية والسياسية للحركة، وهذا الأمر سمح بإصدار أوامر بشكل منظم طوال فترة الحرب.

وخلال الحرب، أطلقت حماس والفصائل الأخرى في القطاع 4564 صاروخا بآماد متنوعة. وقالت الدراسة إن هذا يعني أن مركب القوة الصاروخية خلال الحرب كان الأكثر أهمية بالنسبة لحماس. ورغم أن منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى، منعت تكبد إسرائيل خسائر بشرية، إلا أن "إطلاق الصواريخ المتواصل طوال الحرب تسبب بأذى شديد وتشويش مجرى حياة مواطني إسرائيل وقوّض شعورهم بالأمن".

وعمليا فإن "القبة الحديدية" لم تحل مشكلة إطلاق الصواريخ على إسرائيل.

وأضافت الدراسة أن "حماس تدرك الآن أنه حتى لو أنها لم تنجح بقتل وجرح الكثير من المدنيين الإسرائيليين، كما كانت تأمل في بداية الحرب، إلا أن إدخال ملايين السكان إلى الملاجئ بصورة يومية ومتواصلة هو إنجاز هام بالنسبة لها، إلى جانب إلحاق أضرار بالاقتصاد الإسرائيلي. ويبدو أنه واضح لحماس أنها لن تحقق انتصارا عسكريا على دولة إسرائيل، ورغم ذلك فإن ’معركة الاستنزاف’ التي خاضتها بواسطة الصواريخ خلال عملية ’الجرف الصامد’ تمكنها من تعزيز روايتها حول الانتصار لمجرد الصمود المستمر ضد ’أقوى جيش في الشرق الأوسط’ والادعاء بتحقيق نوع من الانتصار من جانب أمن المواطنين".

ورأت الدراسة أن ثمة استنتاجين آخرين يعززان اتخاذ حماس قرار الاستمرار في صنع صواريخ بكميات كبيرة، وتحسين دقتها وإطالة مداها.

الاستنتاج الأول يتعلق بنجاح الحركة في تشويش عمل مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب لمدة يومين خلال الحرب، بإعلان شركات طيران عن وقف رحلاتها إلى إسرائيل، وفي حال تمكنت من إغلاق المطار لأكثر من يومين فإنه سيلحق بالمجتمع الإسرائيلي ضرر معنوي هائل.

والاستنتاج الثاني يتعلق بإطلاق الصواريخ المكثف باتجاه بلدات "غلاف غزة"، الذي أدى إلى مغادرة جميع سكان هذه البلدات، وهذا بحد ذاته "الإنجاز الأكبر والأهم".

وأشارت الدراسة إلى أن حماس أقامت وحدة جوية لتفعيل طائرات صغيرة بدون طيار خلال الحرب، رغم أنها لم تحقق نجاحا كبيرا. و"هذا هو المجال الذي بإمكان الحركة القيام بقفزة أكبر فيه، خاصة على ضوء الحقيقة بأن التطورات التكنولوجية في هذا المجال تتقدم". وبإمكان حماس الاستفادة من الخبرات المتطورة لدى إيران، المتقدمة جدا في هذا المجال.

وتوقعت الدراسة أن حماس ستتغلب على الحصار، وستجد طرقا ومسارات أخرى من أجل إدخال أسلحة إلى قطاع غزة، "وهذا أمر هام بالنسبة للحركة من أجل تحقيق إنجاز في المواجهة المقبلة مع إسرائيل.

وأشارت الدراسة أيضا إلى أن حماس مارست قتال السايبر خلال الحرب، وإن كان بشكل محدود. و"بالتزامن مع دخول القوات الإسرائيلية البري إلى القطاع خلال ’الجرف الصامد’، طرأ ارتفاع كبير على عدد هجمات السايبر ضد دولة إسرائيل".

"مفاجآت" حماس

رأت الدراسة أن بإمكان حماس استخلاص درسين مركزيين من أداء بطاريات "القبة الحديدية". الأول يتعلق بحقيقة أنه ليس بإمكانها حماية كل الأراضي الإسرائيلية. فهذه المنظومة لا توفر ردا على القذائف الصاروخية أو قذائف الهاون التي يقل مداها عن خمسة كيلومترات، كما أنه لا يمكنها توفير رد على صواريخ أطول مدى من ستين كيلومترا. إضافة إلى ذلك، فإنه في حال إطلاق زخات صاروخية مكثفة، بإمكان قسم من الصواريخ تجاوز الغلاف الدفاعي الذي توفره "القبة الحديدية".

إلى جانب ذلك، فإن العدد القليل من بطاريات "القبة الحديدية" ونشرها خلال الحرب أبقى مناطق كثيرة في إسرائيل، بينها وسط البلاد، بدون حماية. ومن أجل تحقيق حماية كهذه فإن الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى عشرات البطاريات. ولفتت الدراسة أيضا، إلى أن تكلفة صواريخ الاعتراض التي تطلقها "القبة الحديدية" تقيد إسرائيل بالتزود بكميات كبيرة من البطاريات وصواريخها. وهذه الحال ستبقي مناطق في إسرائيل بدون غلاف دفاعي، ويتوقع أن تستغل حماس ثغرات كهذه لإطلاق صواريخ باتجاهها.

وقالت الدراسة إن حماس وصلت إلى الحرب الأخيرة بعد دراسة واستيعاب الدروس من الجولات القتالية السابقة مع إسرائيل، وبعد دراسة واستيعاب الدروس التي استخلصها حزب الله من صراعه ضد إسرائيل، وخاصة حرب لبنان الثانية. "ونتيجة لذلك، فإن وحدات حماس التكتيكية داخل الكتائب كانت ناجعة وعدوانية أكثر من المواجهات السابقة مع الجيش الإسرائيلي".

وأضافت الدراسة أن حماس فاجأت الجيش الإسرائيلي، ويتوقع أن تستخدم هذه المفاجآت في حرب مقبلة. ومن بين هذه المفاجآت محاولات تسلل قوة كوماندوز بحرية إلى إسرائيل، واستخدام طائرات بدون طيار. وإلى جانب التدريبات العسكرية واستخلاص الدروس، أشارت الدراسة إلى أن حماس شكلت كتيبة أولى لـ"الجيش الشعبي" في مخيم جباليا قوامها 2500 مقاتل تقريبا.

دروس إسرائيل

قالت الدراسة إن على إسرائيل أن تدرس خلال المواجهة المقبلة ممارسة قوة عسكرية مع حماس بحيث تجعلها تقف أمام معضلة في كل ما يتعلق ببقاء الحركة في الحكم. وقالت "في وضع تشعر فيه الحركة أن البساط تحت رجليها آمن ولا تتعرض لتهديد، فلن تواجه أية معضلة وستستمر في إطلاق النار والصواريخ والقتال. لذلك، على إسرائيل أن تجعل حماس تتساءل ما إذا كان في نيتها إسقاط حكمها، وذلك ليس بوسائل خطابية، وإنما من خلال ممارسة القوة المناسبة".

ودرس آخر رأت الدراسة أن على إسرائيل استخلاصه يتعلق بالعامل الزمني. وجاء فيها "كلما طالت مدة القتال، تعتاد حماس على الواقع وتتراكم إنجازاتها بنظرها، بينما ستواجه إسرائيل صعوبة في تحقيق غاياتها". وتساءلت الدراسة عما إذا كان بإمكان إسرائيل أن تحقق ما حققته خلال الحرب الأخيرة بمدة أقصر، واعتبرت أن "تركيز الضربات في أيام معدودة هو أمر ذو قيمة إدراكية كبيرة، وعلى الأرجح كان سيؤدي إلى تقليل عدد القتلى والدمار في كلا الجانبين".

ودعت الدراسة قيادة الجيش الإسرائيلي إلى إعادة النظر في التغيير السريع للضباط الميدانيين الذين يعرفون ميدان القتال في قطاع غزة بشكل جيد، وأشارت إلى أن مسألة معرفة مقاتلي كتائب القسام وقادتها لهذا الميدان تشكل نقطة تفوق لصالح حماس.

ولفتت الدراسة إلى أن المفهوم الأمني الإسرائيلي تغير خلال السنين الماضية وبات يركز على الناحية الدفاعية أكثر من الناحية الهجومية. "على دولة إسرائيل دراسة التناسب بين الاستثمار في منظومات دفاعية مقابل تطوير منظومات ومفاهيم هجومية، تؤدي بصورة مركزة وذكية إلى توجيه ضربات شديدة إلى صفوف القيادتين العسكرية والسياسية في حماس. ومن شأن هذه المفاهيم والمنظومات أن تؤدي إلى إنهاء سريع للحرب المقبلة".

من جهة أخرى، دعت الدراسة الحكومة وصناع القرار في إسرائيل إلى العمل على تحسين الوضعين الاقتصادي والأمني في قطاع غزة، مشيرة إلى أن حماس كانت تأمل لدى دخولها إلى الحرب الأخيرة بتحسين أوضاع القطاع. كذلك أشارت الدراسة إلى أن حماس سعت في أعقاب الحرب إلى تحسين علاقاتها مع حلفاء قدماء وجدد، مثل حزب الله وحركات إسلامية مسلحة في سيناء ولبنان، على أمل مشاركتها القتال ضد إسرائيل في حرب مقبلة.

وخلصت الدراسة إلى أنه على ضوء الوضع الجيوسياسي الناشئ في المنطقة، "يجدر بإسرائيل أن تستغل التوقيت وتحاول تحويل الواقع الراهن ونافذة الفرص التي فُتحت أمامها مقابل بعض الدول العربية (مصر، السعودية، الأردن وغالبية دول الخليج)، كي تبادر إلى عملية إقليمية واسعة من أجل دفع المصالح المشتركة وتعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات