المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال بحث جديد لقسم الأبحاث في الكنيست الإسرائيلي إن أبرز أسباب ارتفاع معدلات الفقر في إسرائيل، مقارنة مع الدول المتطورة ومنظمة OECD، هو معدل الولادات الذي يعد الأعلى بين تلك الدول، وبالتالي ارتفاع نسبة العائلات "كثيرة الأولاد"، وانخفاض نسبة المشاركة في العمل.

 

كما عدّد البحث أسبابا أخرى من بينها ارتفاع نسبة العاملين غير المؤهلين الذين يعملون مقابل رواتب متدنية.

وكان تقرير الفقر الرسمي الأخير، الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعية الرسمية (مؤسسة التأمين الوطني) عن العام 2013، قد أعلن تراجع نسبة الفقر العامة، من 5ر23% بين الأفراد في العام 2012، إلى 8ر21% في العام قبل الماضي 2013. ومن المفترض أن يصدر تقرير الفقر عن العام 2014 في الأيام الأخيرة من العام الجاري، وقد يُظهر ارتفاعا في معدلات الفقر، نظرا لتأثير انخفاض مخصصات الأولاد التي تتقاضاها العائلات عن كل ولد لديها دون سن 18 عاما، إذ أن هذه المخصصات انخفضت في الثلث الأخير من العام 2013، ولكنها لم تنعكس على معدلات الفقر في ذلك العام.

وتحدّد مؤسسة الضمان الاجتماعي خط الفقر في إسرائيل بالنسبة للفرد الواحد بـ 2989 شيكلا (765 دولارا وفق سعر الصرف الحالي)، وهو يزيد بنسبة 25% عن خط الفقر الأساسي للفرد الواحد في العائلة، وبالنسبة لعائلة من شخصين، فإن خط الفقر هو 4783 شيكلا (1265 دولارا)، وثلاثة أشخاص 6338 شيكلا (1625 دولارا)، وأربعة أشخاص 7653 شيكلا (1962 دولارا)، وخمسة أشخاص 8968 شيكلا (2300 دولار)، وستة أشخاص 10164 شيكلا (2606 دولارات)، وسبعة اشخاص 11360 شيكلا (2912 دولارا)، وثمانية أشخاص 12436 شيكلا (3188 دولارا)، وتسعة أشخاص 13393 شيكلا (3434 دولارا).

بيد أن سلة المشتريات التي تحتاجها عائلة من أربعة أنفار وتعيش في مدينة، تفوق 14300 شيكل، وهو ما يعادل 3667 دولارا، ما يعني أن خط الفقر في حدود 53% من سلة المشتريات هذه.

ويقول البحث اعتمادا على تقرير العام 2013 إن نسبة الفقر في العام 2013، بلغت 7ر28% بين الأفراد، ولكن بعد دفع المخصصات، تهبط النسبة إلى 8ر21%، ولكن هذا التراجع ليس متساويا، ففي حين تنقذ المخصصات 45% من فقراء اليهود، وترفعهم إلى ما فوق خط الفقر، فإن المخصصات ذاتها ترفع نحو 9% فقط من الفقراء العرب، ما يعني أن الفقر بين العرب أكثر عمقا، وقبل عامين، على سبيل المثال، كانت المخصصات قد أنقذت نحو 11% من الفقراء العرب.

وتبلغ نسبة الفقر بين العائلات العربية 7ر47% مقابل 3ر54% في العام 2013، وبين الأفراد كانت النسبة بين العرب قرابة 51% مقابل 56% في العام 2012، أما بين اليهود، فإن نسبة الفقر بين العائلات 6ر13%، مقابل 1ر14% في العام 2012، وعلى مستوى الأفراد، فإن نسبة الفقر بين اليهود قرابة 15%، مقابل 8ر16% في العام 2012.

وكما هو معروف، فإن نسبة الفقر بين اليهود ليست متساوية، والحصة الأكبر من نسبة الفقر العامة بينهم 14%، نجدها لدى جمهور المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين يعيشون حياة تقشفية إرادية، إذ أن معدلات الولادة لديهم من الأعلى في العالم، إذا اضفنا لهذا تدني نسب وفيات المواليد، بمعنى أننا قد نجد في الدول الفقيرة معدلات ولادة عالية، ولكن معها معدلات وفيات مواليد وأطفال رضّع عالية نسبيا، ومعدل أعمار منخفض، بعكس ما هو قائم في جمهور "الحريديم"، الذين تصل نسبة التكاثر السكاني لديهم إلى 5ر3% الى 8ر3%، ومعدل الولادات للأم الواحدة حوالي 7 ولادات.

أسباب الفقر

يضع بحث الكنيست معدلات الولادة في مقدمة أسباب ارتفاع معدلات الفقر مقارنة بالدول المتطورة، إذ أن 33% من العائلات في إسرائيل فيها ثلاثة أولاد وأكثر، بينما هذه النسبة تنخفض إلى 20% في الدول المتطورة.

وترتفع معدلات الولادة في إسرائيل لدى ثلاث مجموعات: المتدينون المتزمتون "الحريديم"، ويصل معدل الولادات إلى حوالي 7 ولادات للأم الواحد. ثم التيار الديني الصهيوني- حوالي 4ر5 ولادة للأم الواحدة، وفي المرتبة الثالثة يحل الفلسطينيون في إسرائيل، إذ بات المعدل 4ر3 ولادات للأم العربية، وهو معدل شهد انهيارا حادا بشكل مستمر منذ سنوات التسعين الأولى بفعل تطور المجتمع.

ثم يطرح البحث قضية سوق العمل، فنسبة الانخراط في سوق العمل في جيل العمل من 25 عاما إلى 64 عاما في العام الجاري باتت في حدود 75% مقابل أكثر بقليل من 80% في الدول المتطورة. وتساهم في انخفاض المشاركة في سوق العمل ثلاثة عوامل بارزة:
- انخفاض نسبة الانخراط في العمل لدى المتدينين المتزمتين "الحريديم"، فهؤلاء يشكلون ما نسبته 5ر12% إلى 5ر13% من إجمالي السكان، وحسب تقديرات فهم حوالي 8% من جيل العمل، إلا أن نسبة مشاركة الرجال بينهم في سوق العمل لا تصل إلى 40%، مقل 52% بين نساء هذا الجمهور، وهذا كله بدوافع دينية.


- انخفاض نسبة المشاركة بين النساء العربيات، وهي باتت 35%، وهذا في غالبيته الساحقة بفعل سياسة التمييز، وحرمان البلدات العربية من أماكن عمل ومناطق تشغيل، فكيفي أن نشير إلى أن 30% من الأكاديميات العربيات عاطلات عن العمل.
- انخفاض المشاركة في العمل بين الرجال العرب، في حدود 73% مقابل أكثر بقليل من 80% من الرجال اليهود، وأحد أسباب هذا الانخفاض هو تدني نسبة المشاركة في العمل بين من يقتربون إلى جيل التقاعد، خاصة غير المهنيين منهم، وكانوا يعملون في أعمال تتطلب طاقة جسدية.

ومن الأسباب المرتبطة بسوق العمل هناك الفجوة العميقة في الرواتب، إذ أن 75% من العاملين في إسرائيل يحصلون على رواتب ما دون معدل الرواتب العام، الذي هو حاليا في حدود 2420 دولارا. وتدني الرواتب بشكل حاد هو عند العاملين غير المهنيين.

ويضيف بحث الكنيست إلى عوامل تدني مستوى الرواتب، تشغيل العمال الأجانب في قطاعي البناء والزراعة، فهؤلاء شجعوا على تدني الرواتب في هذين القطاعين، اللذين كانا يستوعبان أيدي عاملة محلية بمعدلات رواتب وضمانات اجتماعية، أعلى من تلك التي يحصل عليها العمال الأجانب.

ويشير البحث البرلماني أيضا إلى مبنى الجهاز الضريبي الإسرائيلي، ويرى البحث أن نسب ضريبة الدخل وضريبة الشركات تعد منخفضة مقارنة بالدول المتطورة، نسبة لحجم الناتج العام. بينما ضريبة المشتريات تعد عالية مقارنة بالدول المتطورة، نسبة للناتج العام. ورغم ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية ترفض رفع ضريبة الدخل على ذوي المعدلات العالية، وابتداء من مطلع العام المقبل ستجري تخفيضا على ضريبة الشركات من 5ر26% اليوم، إلى 25%، علما أنها حتى قبل عقدين كانت 34%.

أما ضريبة المشتريات فقد خفضتها الحكومة في مطلع الشهر الماضي تشرين الأول من 18% إلى 17%. ولكن حسب البحث المذكور تبقى أعلى من المستوى المطلوب.

مؤتمر مكافحة الفقر

وكان بحث الكنيست قد عرض في المؤتمر السنوي لمكافحة الفقر الذي يعقد في الكنيست وترأسه هذا العام رئيس لجنة العمل والرفاه البرلمانية، البروفسور إيلي الألوف، الذي رئس خلال الدورة البرلمانية السابقة، حينما كان مختصا وليس نائبا، لجنة رسمية لمكافحة الفقر وقدمت توصياتها للحكومة في منتصف العام 2014، إلا أن تلك التوصيات لم تكن بالمستوى المتوقع منها، فقد رضخت اللجنة لضغوط وزارة المالية ومكتب رئيس الحكومة وبنك إسرائيل المركزي، وتنازلت عن أهم التوصيات، وهي اعادة رفع مخصصات الأولاد، رغم ما أعلنه الألوف مع تسلمه مهامه، بأنه تلقى وعدا من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالتجاوب مع كل توصية تتقدم بها اللجنة.

إلا أن دخول الألوف إلى الكنيست من خلال كتلة "كلنا" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، "أعطت أملا" بإمكانية تنفيذ قسم من هذه التوصيات، اضافة إلى أن مخصصات الأولاد، التي تنازلت تلك اللجنة عن التوصية برفعها، سترتفع الآن بحكم اتفاقيات الائتلاف بين حزب "الليكود" وكتلتي المتدينين المتزمتين الحريديم، "يهدوت هتوراة" و"شاس".

وأوصت اللجنة في تقريرها الذي من المفترض أن تتسلمه الحكومة خلال أيام، برفع مخصصات اجتماعية للمسنين الذين ليس لديهم راتب تقاعدي بما بين 57 دولارا إلى 115 دولارا شهريا، ورفع المخصصات الاجتماعية للنساء اللاتي يعلن عائلاتهن لوحدهن (عائلات أحادية الوالدين)، وزيادة دائرة مستحقي ضريبة الدخل "السلبية" التي تدفع من خلالها الحكومة مخصصات لذوي الرواتب التي لا تصل إلى الحد الأدنى المستحق بالضريبة، وهذا منوط بعدد أفراد العائلة ومستوى دخل العائلة، وغيرها من التوصيات التي يبدو من معطياتها أنها تهدف إلى رفع العائلات إلى فوق خط الفقر بمبالغ زهيدة، ولكنها عمليا ستبقيها فقيرة.

وطرحت مؤسسة الضمان الاجتماعية (مؤسسة التأمين الوطني) خلال المؤتمر ورقة بحث، أشارت فيها إلى أن تطبيق توصيات لجنة "الألوف" من شأنها أن تقلص معدلات الفقر بشكل ملحوظ. وحسب بحث المؤسسة، فإنه في حال جرى تطبيق التوصيات كاملة في العامين الجاري والمقبل، فمن شأن الفقر أن ينخفض حتى العام 2017 إلى ما بين 6% وحتى 14%.

وحسب ما طرح في مؤتمر مكافحة الفقر المذكور، فإن الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل 2015 ستشهد رفعا لمخصصات الشيخوخة التي طرحتها لجنة الألوف والسابق ذكرها هنا.

يشار إلى أن حزب "كلنا" كان ضمن طلباته للدخول إلى الائتلاف الحاكم تطبيق جزء كبير من توصيات لجنة الألوف، إلا أن هذه التوصيات من حيث الجوهر تضمن رفع الفقراء إلى ما فوق خط الفقر بقليل، ولكن من الصعب رؤية أن مستوى معيشتهم سيرتفع بالفعل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات