المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
عمال بناء سريلانكيون في سوق العمل الإسرائيلي. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 8
  • هشام نفاع

يعبّر انشغال هيئات وسلطات إسرائيلية رسمية بتنظيم فترات مكوث، شروط عمل وقطاعات تشغيل العمال الأجانب، عن نقص واحتياجات وأحياناً أزمات في وظائف ومجالات عدة، منها التمريض والمواصلات العامة. إذ يُلاحظ بوضوح وجود محاولة لسدّ الفراغ بواسطة تعديلات قانونية وتنظيمية لتتيح تشغيل عمال مستقدمين من الخارج. والخلفية التي تُذكَر صراحة هي "إطالة أمد الحرب".

ووفقاً لمعطيات قدمتها مديرية الإنفاذ والأجانب في سلطة السكان والهجرة، للجنة العمال الأجانب، كان يعمل في إسرائيل حتى نيسان الماضي أكثر من 195 ألف "عامل أجنبي قانوني"، بالإضافة إلى أكثر من 33 ألف "عامل أجنبي غير قانوني". آلاف العمال تركوا أصحاب عملهم ويعملون لدى أصحاب عمل آخرين بشكل غير قانوني. 17 ألف عامل جاؤوا للعمل في مجال الرعاية التمريضية تركوا أصحاب عملهم.

إجراء استقدام العمال الأجانب تدفع به جهات حكومية وأخرى تجارية خاصة ممثلة بشركات، في حين تعارضه نقابات تمثل سائقي المواصلات العامة والمركبات الثقيلة. وهي تطالب بتحسين ظروف وأجور السائقين لجذب آخرين للعمل، بدلاً من استقدام مزيد من العمال الأجانب الذين سيتم كالمتوقع تشغيلهم بشروط متدنّية.

العديد من طلبات التمديد ناجمة عن إطالة أمد الحرب

​صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة، الأسبوع الماضي، على اقتراح قانون الدخول لإسرائيل ("تعديل رقم 43 وتشريع مؤقت – السيوف الحديدية")، لسنة 2025. القانون الذي حظي بإجماع من تواجدوا في الجلسة، يقضي بتوسيع نطاق عمل اللجنة الاستشارية الخاضعة لوزير الداخلية بما يخص جميع طلبات تمديد رخصة الإقامة​ المؤقتة للعامل الأجنبي، "من أجل تشغيله في تقديم الرعاية التمريضية للمريض"، حسب بيان رسمي.

 كما يقضي الاقتراح بإقرار تسوية تسري لمدة أربعة أشهر ضمن تشريع مؤقت، يُسمَح بموجبها بإعادة النظر والمصادقة على طلبات التمديد المقدمة من المرضى الذين وردت طلباتهم عبر النظام المحوسب لسلطة السكان والهجرة في الفترة الممتدة من 7 تشرين الأول 2023 إلى 15 أيلول 2025، أو الذين رُفضت طلباتهم خلال تلك الفترة. وهذا، في الحالات التي "استمرت فيها العلاقة العلاجية" بين المريض والعامل الأجنبي لأكثر من ثلاثة أشهر، شريطة أن يستوفي الطلب الشروط المحددة في الاقتراح.

ومما جاء في شرح اقتراح القانون: "تضع أحكام قانون الدخول إلى إسرائيل، لسنة 1952، قيوداً مختلفة على مدة تشغيل العامل الأجنبي في إسرائيل. يقضي هذا الاقتراح بإدخال تعديلين على القانون: الأول، تعديل دائم، يهدف إلى توضيح نطاق عمل اللجنة الاستشارية لوزير الداخلية بما يخص الطلبات المُقدّمة بموجب المادة المذكورة. أما الثاني، فهو تعديل مُقترَح كتشريع مؤقت، في ضوء الظروف الخاصة التي نشأت بعد استمرار حرب السيوف الحديدية والصعوبات الناتجة عنها في كل ما يتعلق بدخول عمال التمريض الأجانب إلى إسرائيل وخروجهم منها".

ورأى رئيس لجنة الداخلية وحماية البيئة أن "هذا اقتراح قانون بالغ الأهمية. تلقينا العديد من الطلبات المتعلقة بحالات الضيق الشديد والمعقد والناجمة عن إطالة أمد الحرب. أطلب من زملائي في الكنيست التصويت مع هذا الاقتراح".

المواصلات العامة بحاجة لأكثر من 5000 سائق فوراً

على صعيد متصل، بحثت لجنة العمال الأجانب في الكنيست موضوع تخصيص حصة تشغيل للعمال الأجانب كسائقين في وسائل المواصلات العامة، وتبيّن خلال الجلسة أن قطاع المواصلات العامة في إسرائيل يفتقر إلى أكثر من 5000 سائق هناك حاجة لتوفّرهم  بشكل فوري لغرض تشغيل الخطوط بانتظام.

وجاءت جلسة اللجنة في ضوء وجود خلافات حادة بين الجهات المهنية فيما يتعلق بالحاجة إلى توظيف السائقين الأجانب، واحتمالات توظيفهم في وسائل المواصلات العامة. ويتضح أن الحكومة تبحث عن حلول رخيصة عملياً بدلا من تحسين ظروف العمل والأجر والسلامة للسائقين، وهذه النقطة الأخيرة تبدو حاسمة.

فقد أشارت رئيسة اللجنة في بداية كلامها إلى تفاقم موجة العنف ضد سائقي الحافلات وقالت: "عدد الاعتداءات على سائقي الحافلات، البالغ مائة اعتداء منذ بداية العام، هو أمر صادم. إذ تلقت اللجنة طلبا من منتدى شركات المواصلات العامة التنافسية التي يقوم بتشغيل ما يقرب من 800 مليون سفرة سنوياً في جميع أنحاء البلاد، سلطوا فيه الضوء على النقص الهائل في السائقين، وهو نقص يتفاقم مع مرور الوقت، لدرجة أنه يُشكل مشكلةً معقدة للغاية في هذا القطاع".

وفقاً للمنتدى، يفتقر قطاع المواصلات العامة إلى أكثر من 5000 سائق بشكل فوري لتشغيل الخطوط بانتظام وفقاً لمتطلبات وزارة المواصلات وهذا النقص يُلحق ضرراً بالغاً بجودة الخدمة والقدرة على الالتزام بالجداول الزمنية المطلوبة، ويؤدي إلى تأخيرات، ويؤثر سلباً على موثوقية الخدمة وأخرى".

 شارك في الجلسة ممثلون عن إدارة شركات المواصلات العامة، وممثلون عن لجان السائقين في هذه الشركات. وبينما يضغط ممثل السلطة الوطنية للمواصلات العامة وممثلو شركات المواصلات، لمنح المصادقة على استقدام سائقين أجانب، فإن لجان السائقين، بدعم من منظمة "الهستدروت الجديدة" و"الهستدروت الوطنية"، تعارض ذلك بشدة، مؤكدين أن تحسين أجور وظروف عمل السائقين الإسرائيليين والحفاظ على سلامتهم، سيشجع سائقين إسرائيليين على العمل في المواصلات العامة.

"كل قطاع استوعب عمالاً أجانب هرب منه العمال الإسرائيليون"

نائب مدير السلطة الوطنية للمواصلات العامة، اعترف بأن هناك نقصا في السائقين وقال: "لقد جربنا جميع الحلول الممكنة لتوظيف سائقين إسرائيليين، بما في ذلك المِنَح وتحسين الأجور وفرص الترقية. أطلقت السلطة برنامجاً تجريبياً لحراسة السائقين في سبع مدن. يعمل في القطاع اليوم 21 ألف سائق وتعمل وزيرة المواصلات على تعريف هذه المهنة كوظيفة ذات أفضلية، وترى أنه من الضروري استقدام 1000 سائق أجنبي ضمن برنامج تجريبي".

 مدير عام منتدى شركات المواصلات العامة التنافسية قال إن الجمهور يعاني من انقطاع الخدمة، وأن السائقين يعانون من ضغوط العمل. الفجوة تتسع وستزداد اتساعا "إذا لم نفكر بطريقة إبداعية". وقد وافقه ممثل شركة "دان" وقال إن الشركات تتستر على القضية من أجل تلبية الأهداف مشيرا إلى أن هناك نقصا أكبر مما يُذكر، ويصل لما يعادل 6000 سائق.  

 رئيس شركة "إكسترا" قال: "أنا ضد استقدام عمال أجانب، ولكن لا خيار آخر. أتعهد نيابةً عن جميع أصدقائي بتوظيف أي سائق إسرائيلي يرغب بالعمل فوراً. إن الفصل بين السائق والركاب والحلول التكنولوجية تُمكّن من توظيف عمال أجانب". وقال رئيس شركة "كافيم": "نحن مهتمون بتوفير خدمات مواصلات عامة تُمكّن الجمهور من ترك سياراتهم الخاصة واستخدام المواصلات العامة. لكن بسبب نقص السائقين، لا نستطيع توفير هذه الخدمة، حيث لا يتم تنفيذ 1.5% من السفرات يومياً، ولا يتم جمع الركاب. بعض السائقين لا يتوقفون في المحطات ولا ينزلون الركاب بسبب نقص السائقين، وتدفع شركات المواصلات غرامات تصل إلى حوالي 200 مليون شيكل سنوياً.

ممثلو نقابات العمال، من "نقابة الهستدروت الوطنية" و"نقابة الهستدروت الجديدة" أكدوا ضرورة استنفاد إمكانات المواطنين الإسرائيليين، وأشاروا إلى مشروع لتدريب السائقين من المجتمع الحريدي يحقق نجاحاً في استقطاب السائقين، وبحسب وصف ممثل عن النقابات فإن "ظروف السائقين صعبة. يستيقظ السائق صباحاً ويذهب إلى الحرب. ازدحام مروري، عنف، تقليص فترات الراحة وأخرى".

وقال آخر إن توظيف السائقين الأجانب سيكون خطوة لا رجعة منها. كل قطاع استوعب عمالاً أجانب، هرب منه العمال الإسرائيليون، فيما قالت ممثلة أخرى إن استقدام العمال الأجانب سيؤدي إلى تعميق الأزمة، وسيؤدي إلى انخفاض الأجور، وهروب السائقين الإسرائيليين. وأجمع معظم المشاركين في الجلسة على ضرورة تحسين الأجور وظروف العمل والسلامة الشخصية للسائقين.

ختاماً قالت اللجنة إنه يجب استنفاد جميع الخطوات اللازمة لاستقطاب السائقين الإسرائيليين، وعندها فقط فحص برنامج تجريبي لاستقدام سائقين أجانب، وتوجهت إلى "الجهات المعنية بتقديم خطة شاملة لاستيعاب السائقين الإسرائيليين، بما في ذلك تحسين أجورهم وظروف عملهم"​.

النقص في السائقين كشف عن نقص آخر بالأطباء

الوضع مشابه في قطاع سياقة آخر، حيث هناك نقص بسائقي المركبات الثقيلة وهنا أيضاً يُطرح اقتراح لجلب سائقين أجانب للعمل في إسرائيل. وورد خلال نقاشات للجنة الخاصة بالعمال الأجانب أن النقص الحاد في سائقي المركبات الثقيلة يؤثر على سلسلة التوريد ووظائف الاقتصاد ككل، بفعل أهمية قطاع النقل باعتباره شريانا حيويا للبنية التحتية والاقتصاد والأمن الوطني.

ممثل قسم الترخيص بوزارة المواصلات قال إنه تم إنهاء التعاقد مع مزوّد خدمة للوزارة بسبب عدم إجراء الفحوصات بشكل صحيح. وأشار إلى أن المعهد الطبي لأهلية السائقين قد توقف عن تقديم الخدمات لطالبي رخص القيادة للمركبات العامة والثقيلة بعدما طالب المعهد بنقل مسؤولية​ هذا الشأن لوزارة المواصلات. وتم الاتفاق على تولي وزارة المواصلات المسؤولية لكن بشروط تتضمن الحصول على الميزانية والملاكات التي كانت تحصل عليها وزارة الصحة، إلا أن وزارة الصحة رفضت ذلك.

اتحاد السائقين طالب بنقل الفحوصات للأطباء المهنيين أو أطباء العائلة، لكن وزارة المواصلات ووزارة الصحة تعارضان ذلك. وأشار إلى نقص كبير في السائقين، حيث تدعوهم وزارة الدفاع للتعاون لمساعدتهم بسبب نقص السائقين لديهم. لكن ممثل وزارة المواصلات ادعى عدم وجود نقص في سائقي المركبات العامة والثقيلة، متابعاً أنه منذ بداية 2025 تم إصدار رخص لـ 2000 سائق حافلات و3500 سائق مركبات ثقيلة فوق 15 طناً، متسائلا عن أماكن عمل هؤلاء السائقين وعدم قدرة الجهات على استيعابهم.

وفقاً لمدير قسم إدارة السياقة في وزارة الدفاع، فإنهم يدربون حوالي 1400 سائق شاحنة ثقيلة سنويا، وأنه يخرج للسوق سنويا 400 سائق. واقترح ربط تسليم الرخص بتدريب عملي مع مدرب بدلا من شرط فترة وجود رخصة لسنة مع السائق، موضحا أن طريقة التدريب في الجيش فريدة بسبب ضيق الوقت، مع تدريب قصير وتأهيل طويل. كما اقترح تصنيف مهنة السائق كعمل مفضل.

وفقاً لممثل اتحاد الصناعيين فإن السائق المبتدئ يكسب أكثر من 10000 شيكل صاف شهرياً بالإضافة لوجود مركبة مخصصة له، وهو دخل أعلى بكثير من الأجور في المهن المفضلة، مشيرا إلى أن المشكلة تكمن في أن أبناء جيل الشباب لا يرغبون في العمل كسائقين. وهنا أشارت ممثلة اتحاد الصناعيين إلى أن الشباب لا ينخرطون في العمل بسبب مطالبهم بالمرونة في العمل، في حين أن كبار السن يجدون العمل غير مناسب. وأضافت أن المشكلة ليست في الأجر، وأن ما يحدث ليس طبيعيا، مما يستدعي الحاجة لسائقين أجانب. واقترحت تنفيذ خطة تجريبية بمشاركة الجهات المعنية بما في ذلك الوزارات، لتوظيف عمال أجانب مع مصنعين اثنين. وعارض ممثلو الهستدروت جلب سائقين أجانب حتى ضمن خطة تجريبية، مطالبين "بالاستفادة الكاملة من القوى العاملة المحلية".

 وإذا كان الجدل هنا حول استقدام عمال أجانب يكشف عن النقص في السائقين، فإن مسألة استيفاء الشروط الصحية تكشف عن نقص آخر. إذ أعلن ممثل مديرية اللجان الطبية في وزارة الصحة معارضة نقل مسؤوليات الفحوصات للسائقين من الوزارة إلى أطباء العائلة أو إلى أطباء مهنيين، بسبب النقص في الأطباء، مؤكداً أنه يجب الموازنة بين الضغط على أطباء العائلة، ومبيناً أنه يوجد 23 ألف شخص في انتظار فحوصات طبية عامة منذ ثلاث سنوات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات