أقرّت الحكومة الإسرائيلية مطلع هذا الشهر تخصيص 150 مليون شيكل إضافي لوزارة الخارجية "لتمويل نشاطات دعائية تتعلق بحرب ’السيوف الحديدية’". في إطار ذلك، سيُخصَّص 90 مليون شيكل لتنفيذ حملات دعائية، و60 مليون شيكل أخرى لجلب وفود دولية. وبما أن كل زيادة يجب أن يقابلها خصم من ميزانية أخرى، فقد تبيّن أنه بموازاة زيادة ميزانية الدعاية سيُنفَّذ تخفيض مماثل في ميزانية مجلس التعليم العالي. وفقاً لصحيفة "كلكاليست" الاقتصادية، كان من المفترض أصلاً أن تكبر ميزانية التعليم العالي بالمبلغ نفسه، ومصدره جزء من التقليص الأفقي بنسبة 0.3% الذي فُرض هذا العام على الوزارات الحكومية. غير أنه تقرّر إلغاء هذه الزيادة المخصصة للتعليم العالي، وتوجيهها إلى ميزانية الدعاية الحكومية. هذا ملخّص شديد الوضوح للأولويات القومية في إسرائيل اليوم.
عموماً، تكثر التصريحات والتحليلات والمقالات حول ما يوصَف كمشكلة في الدعاية الرسمية الإسرائيلية. والمقصود القصور الصارخ في تقديم تفسيرات مقنعة للسياسة الرسمية ممثلة أكثر شيء بفظائع الحرب على غزة. وكأن القضية هي شرح الفظائع وليس الامتناع عن اقترافها. الصحافي البارز في "يديعوت احرونوت" نداف إيال كتب في منشور على منصة إكس: "إسرائيل لا تعاني من "مشكلة دعاية" بسبب غزة، بل من مشكلة جوهرية. والجوهر هو الأزمة الإنسانية وعدد الضحايا المدنيين في غزة، لا قضية تسويق أو ترويج. والمشكلة تكمن في تصريحات (الوزير) سموتريتش وشركائه التي تُظهر نيّة لارتكاب جرائم حرب". للتذكير، مما قاله الوزير المذكور: في أيار 2025، إن غزة "ستدمَّر بالكامل، وشعبها سيشعر باليأس التام، وسيفهم أنه لا أمل لهم ولا شيء يمكنهم البحث عنه في غزة، وسيبحثون عن إعادة توطين لبدء حياة جديدة في أماكن أخرى". وفي كلمته أمام مؤتمر في مقر الكنيست صرّح: "لدينا إمكانية تهجير سكان غزة إلى دول أخرى، ونحن نعمل على ذلك. سنحتل غزة ونجعلها جزءا لا يتجزأ من إسرائيل".
لجنة برلمانية: "كل تفاهة تُترجم وتستخدم ضد إسرائيل"...!
اللجنة الفرعية لشؤون السياسة الخارجية والإعلام عقدت مؤخراً جلسة لبحث موضوع "عزلة إسرائيل السياسية في أعقاب حرب ’السيوف الحديدية’". وقال رئيسها في افتتاح الجلسة: "يؤسفني أن وزارة الخارجية لم تحضر إلى هذه الجلسة التي تتناول علاقات إسرائيل الخارجية. نحن نعتمد، ضمن أمور أخرى، على علاقاتنا مع العالم. الادعاء بأن الجميع يكرهنا غير صحيح، فهناك من يكرهنا بالفعل لكن أيضا كانت لنا صداقات مهمة حول العالم نحافظ بها على مكانتنا، لكننا آخذون بخسارتها. لا أحد يحب النقد، لكن يبدو أن هذه الحكومة أكثر من سابقاتها في التعامل معه بسلبية. هذا المجلس يصدر تصريحات مضرة لا تمت للواقع بصلة، لكن الضرر قائم. عندما يقول وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير للشرطة: سنبني لكم حي فيلات في غزة، ويقول وزير المالية سموتريتش إن غزة: كنز عقاري، فنحن نفهم أنهم يثرثرون، لكن تصريحاتهم تنقل في العالم وتتحول إلى سلاح ضدنا. كل تفاهة تقال هنا تُترجم وتستخدم ضد إسرائيل".
مدير عام وزارة الثقافة والرياضة تطرّق للدعوات والخطوات لاستبعاد إسرائيل من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ومن الاتحاد الأوروبي (اليويفا)، وقال في الجلسة إن "عالم الرياضة معقد جدا، ونحن بحاجة إلى الحذر الشديد، إذ إن أي تدخل مباشر من جانب الحكومة يعتبر خطيرا. حتى الآن لم تتم مقاطعتنا بشكل رسمي سوى في حالة واحدة بمنافسة دراجات هوائية في إيطاليا. هناك تقارير إعلامية عن نقاش في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لكن لا يوجد ما يؤكد ذلك حاليا. مع ذلك جميعنا نشعر بالهواجس ونتابع الأجواء في العالم. في مجال الثقافة الوضع أخف من الرياضة، لكننا نسمع الحديث عن اليوروفيجن. لست واثقا من تحول الأمر إلى مقاطعة، لكن يجب التعامل بحكمة".
رئيس قسم السياسة الخارجية في هيئة الأمن القومي رأى أنه: "يجب أن نتذكر أن علاقاتنا مع الدولة الأهم بالنسبة لنا ربما هي الأفضل منذ أي وقت مضى. بالفعل هناك أزمة سياسية عامة، مع أسباب وحملات كثيرة، منها حملة نزع الشرعية الممولة والموجهة ضدنا، وهي جزء من مسعى استراتيجي لمنع إسرائيل من الدفاع عن نفسها. الرد يكمن في إقامة بنية إقليمية جديدة قائمة على إزالة التهديد العسكري القادم من إيران ووكلائها. ندفع ثمنا سياسيا على خطواتنا لتفكيك هذا المحور عسكريا. صحيح أنه يجب فعل المزيد في مجال الإعلام والتوضيح، لكن إن لم نعالج المشكلة الاستراتيجية الجوهرية فلن يكون لذلك فائدة".
اتحاد الصناعيين: "الأخطر هو المقاطعة الصامتة والتجاهل"
تكرّرت في هذه الجلسة أيضاً سردية "خرجنا في الحرب الأكثر عدالة ومعنا رصيد دولي واسع، لكننا وصلنا اليوم لأدنى مكانة دولية في تاريخنا"، كما قالت عضو الكنيست كارين إلهرار من حزب "يوجد مستقبل". وهنا قال ممثل معهد دراسات الأمن القومي إنه: "في بداية العام كان هناك اتجاه إيجابي في علاقات إسرائيل–أوروبا، بل ودخلت وزيرة خارجية أوروبية جديدة في منصبها بالصيف وكانت أقرب إلى إسرائيل من سابقتها. لكن إسرائيل أحرقت الجسور، وأضرت بمصداقيتها، عندما وعد وزير الخارجية الاتحاد الأوروبي بالسماح بإدخال مساعدات لغزة، ولم ينفذ. خلال أسابيع قليلة انتقلنا من دعم أوروبي إلى فرض عقوبات علينا، وصولاً إلى توقيع ماكرون على الاعتراف بدولة فلسطينية. عندما بدأ ماكرون خطوته، كان معزولا، لكن تجاهلنا له ساهم في تأجيج موجة دبلوماسية بدأت خفيفة ثم تحولت إلى تسونامي. وهكذا أثبتنا أننا نسينا معنى الدبلوماسية".
ممثلة منظمة مدنية تعمل في مجال الدعاية قالت: "لمواجهة العزلة السياسية نحن نقترح خطة استراتيجية مدنية، مع خطوات قصيرة وطويلة المدى. مباشرة يجب التوصل إلى مذكرة تفاهم تكنولوجية مع الولايات المتحدة، بجانب المذكرة الدفاعية القائمة، على أساس شراكة متوازنة بالدولار مقابل الدولار، وبمصادقة الكونغرس. وعلى المدى الطويل، يجب إقامة آلية للتعاون الإقليمي في مجالات الطاقة والأمن البحري والمناخ. هذه الخطوات ستعزز مكانة إسرائيل وتدعم شراكاتها الاستراتيجية". فيما رأت ممثلة قسم التجارة الخارجية في اتحاد الصناعيين أن: "المتانة الاقتصادية جزء لا يتجزأ من الأمن القومي، وهذه المتانة تضعف. لا يمكن فصل السياسة الخارجية عن الاقتصاد. هناك مقاطعات، ويجري استبعاد شركات إسرائيلية من معارض، والوضع معقد. أجرى الاتحاد مسحا كشف أن العوامل السياسية هي الأكثر ضررا، ولكن الأخطر هو المقاطعة الصامتة، حيث لا يرد البعض على الشركات الإسرائيلية ويتجاهلونها تماما".
"بمرور الوقت، ينسى الناس أو يفضلون نسيان 7 أكتوبر"
هذه اللجنة الفرعية للسياسة الخارجية والإعلام عقدت أولى جلساتها في 2023/10/24. قبل أشهر اعترف رئيسها أن: "الشعور السائد لدى الجمهور الإسرائيلي وأيضا في الخارج هو أنه لا توجد لإسرائيل دعاية مؤثرة. كنت الأسبوع الماضي في واشنطن، وهناك تبدو الأمور أسوأ مما هي عليه هنا".
ويتبيّن أنه تم صرف أموال طائلة لأغراض الدعاية، كما عرضها حينذاك ممثل قسم الاستراتيجية والإعلام في "جهاز الدعاية الوطني"، وهو هيئة تعمل كحلقة وصل بين نشاطات رئيس الحكومة ومكتبه وبين وسائل الإعلام. وتحدث "عن نشاط غير مسبوق للجهاز الإعلامي، بحجم وصل إلى 7 مليارات شخص حول العالم انكشفوا على المضامين التي نقوم بنشرها. الكثير من الدعاية تتم من دون توقيع، مثل تشغيل مؤثرين في المجتمع المدني في الدول المستهدفة، ونشر إعلانات موجهة وفقا للأنظمة، وغيرها. أما فيما يتعلق بالهيكل والتعيينات والمناصب والمعايير، لا يمكنني التطرق هنا، فأنا جهة مهنية. حتى اليوم، لم يتم تعيين رئيس لجهاز الإعلام منذ نحو عام، ولم يتم تعيين مدير لمكتب الإعلام منذ فترة أطول. في مكتب الإعلام هناك ثمانية مناصب نشطة ولدينا نقص. حاليا، ليست لدي أخبار بهذا الشأن".
بينما رأى ممثل عن وزارة الخارجية برتبة نائب مدير أن: "ما نقوم به هو حرب على الوعي. وزارة الخارجية حصلت على ميزانية تزيد عن نصف مليار شيكل، تحديدا 545 مليون شيكل، جميعها مخصصة للجهد الإعلامي. منذ المصادقة على الميزانية قبل شهرين بدأنا في استغلالها وفق خطة منظمة، بطريقة ستغير الوضع السياسي والصورة التي يرى بها العالم إسرائيل. المبلغ كبير مقارنة بما كان متاحا لنا سابقا، لكن علينا أن نقارن بما نواجه... نحن نواجه أمورا كنا نظن أنها انتهت من العالم من حيث مستوى الكراهية ومعاداة السامية. التحدي الكبير هو أنه مع مرور الوقت، ينسى الناس أو يفضلون نسيان هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 الوحشي، وأحد الأمور الأساسية التي نقوم بها يوميا هو تذكير ما حدث".
كاتب: لن تنجح أية "حملة دعائية" في مواجهة الحقيقة
رئيس اللجنة لخّص تلك الجلسة بلهجة متشائمة إذ قال: "التحدي هائل لكن لا يجوز لنا أن نشعر أنه بلا جدوى. علينا أن ننتصر أيضا في الإعلام. أشيد بالقدرة على الاعتراف بالأخطاء، وللأسف أسمع ذلك قليلا هنا في الكنيست. تدعو اللجنة الحكومة لعقد جلسة مركزة حول موضوع الإعلام واتخاذ قرار حكومي بشأن توزيع الصلاحيات في هذا الشأن، وستنظر اللجنة في تقرير المراقب الذي سيصدر بهذا الخصوص وستعقد جلسة متابعة للموضوع مع لجنة شؤون رقابة الدولة".
في مقال للكاتب روعي شفارتس في صحيفة "هآرتس"، الأسبوع الفائت، تناول سرديّة تحميل الفشل الدبلوماسي الإسرائيلي على القصور الدعائي من باب تعاطي المعارضة معها. وقدم خطاب رئيس المعارضة يائير لبيد أمام الكنيست خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كمثال، مقتبساً منه التالي: "من هنا أقول لكل من تظاهر ضد إسرائيل في السنتين الأخيرتين... لقد خُدعتم. الحقيقة أنه لم يكن هناك إبادة جماعية. لم تكن هناك نية للتجويع. الحقيقة أن هناك دولة وجيشاً حاربا في ظروف مستحيلة، ضد إرهابيين يرسلون أبناءهم للموت من أجل صورة، يستخدمون البشر كدروع بشرية".
وعلّق الكاتب أن "هذا البيان – الذي كان من الممكن أن يُقال بنفس القدر من قبل الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أو أي واحد من أعضاء الائتلاف – يوضح أكثر من أي شيء آخر أن جدار الإنكار لا يزال قائماً بثبات. حتى بعد عشرات آلاف القتلى الفلسطينيين، كثيرون منهم من غير المسلحين؛ حتى بعد التقارير، والمقالات، والشهادات – لا يزال الكثيرون في إسرائيل يجدون صعوبة في رؤية معاناة الآخر. بل ينكرونها. لكن الآن، مع فتح قطاع غزة أمام الصحافيين الأجانب، سيتمكن العالم بأسره من رؤية ما حاولت إسرائيل إخفاءه. ستتمكن فرق الإعلام من التنقل حيث تشاء من دون مرافقة من الناطق بلسان الجيش، وستروي قصصاً لم تُروَ بعد. وعندما تُرفع الأنقاض، قد تُكتشف تحتها فظائع، ولكل فظاعة اسم وقصة حياة. في الواقع، من المحتمل جداً أن ما يعرفه العالم اليوم عن ما جرى في غزة خلال سنوات الحرب لا يكاد يساوي شيئاً مقارنة بما قد يُكتشف لاحقاً، ما قد يصدم العالم".
واختتم بالتشديد على أنه "في الوقت الذي سيحاول فيه الناس في قطاع غزة إعادة بناء ما تبقى من حياتهم، ودفن الجثث التي سيتم العثور عليها، والحِداد على من لن يُعثر عليهم – فإن الرأي العام العالمي تجاه إسرائيل ربما لن يتحسن كثيراً. ولن تنجح أية ’حملة دعائية’ في مواجهة الحقيقة التي ستخرج من القطاع. إن الطريق الوحيدة للتعافي هي الاعتراف بما ارتُكِب باسمنا".
المصطلحات المستخدمة:
الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي, مسحا, هآرتس, الكنيست, مدير عام وزارة, رئيس الحكومة, يائير لبيد