المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
جدل قانون التجنيد في أروقة الكنيست. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 81
  • برهوم جرايسي

أسفرت مناورة كتلتي المتدينين المتشددين في حكومة بنيامين نتنياهو، بالتهديد بحل الكنيست، أو ضمان قانون تجنيد عسكري لشبانهم، مقبول عليهم من باب اللا مفر، عن إطالة عمر الحكومة والكنيست أشهرًا عديدة، لكنها أسفرت في ذات الوقت نفسه عن انشقاق في تحالف الحريديم الأشكناز، يهدوت هتوراه، لأول مرة منذ انشاء هذا التحالف قبل 33 عاما. لكن كان واضحا من أداء غالبية نواب الحريديم في الكتلتين، أنهم ليسوا معنيين بإسقاط الحكومة، هي الأمثل بالنسبة لهم، مع معرفة مسبقة بأن حل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة، هي مغامرة، تبدو منذ الآن خاسرة لهم. وفي هذا المشهد، فإن نتنياهو ضمن تماسك حكومته، على الأقل حتى شهر تشرين الأول المقبل، مع بدء الدورة الشتوية، وبدء العام البرلماني الأخير للكنيست، في ولايته الـ 25 الحالية.

فمع افتتاح الدورة الصيفية الجارية للكنيست، في النصف الأول من شهر أيار الماضي، أعلنت كتلتا الحريديم، يهدوت هتوراة (للأشكناز الغربيين) وشاس (للسفاراديم الشرقيين)، عن رفضهما دعم قوانين حكومية، خلافية مع المعارضة، وبشكل خاص رفض تأييد مشاريع قوانين يبادر لها نواب الائتلاف، مطالبين بإحراز تقدم واضح، في صياغة قانون فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم، الذين يرفضون الخدمة، وخاصة قياداتهم، لأسباب ودوافع دينية، رغم تشددهم السياسي اليميني.

وهذه الحال البرلمانية استمرت 5 أسابيع، لكن المفاجأة كانت أن الكتلتين قررتا كسر القرار، في أوج الاتصالات بين الكتلتين، ورئيس الحكومة ومعه رئيس لجنة الخارجية والأمن، النائب يولي إدلشتاين، بهدف التوصل إلى اتفاق، قبل التصويت على حل الكنيست، وكان هذا المؤشر الأول لاحتمال وصول تفاهمات، التي تم التوصل اليها فجر يوم الخميس الماضي.

وكان واضحا أن الدورة الصيفية الجارية، وتستمر حتى يوم 23 تموز المقبل، هي بمثابة وصول الائتلاف إلى خط النهاية، تقريبا، لينجز هذا القانون، العالق في أروقة الكنيست منذ سنوات طوال جدا، وكل حكومة تدحرجه للحكومة التي تليها.

وهي قضية بدأت تطرح بقوة على الأجندة السياسية الإسرائيلية، في النصف الثاني من سنوات الثمانين من القرن الماضي، وكانت تحتد كلما تقدمت السنين. وهذا بسبب ارتفاع نسبة الشبان الحريديم من بين الشبان اليهود، الأمر الذي انعكس في التراجع المستمر في نسبة المجندين من الشريحة العمرية الملزمة.

فحتى عشية هجمات السابع من أكتوبر 2023، كان التوجه السائد في قيادة الجيش الإسرائيلي هو تقليص القوة البشرية، الجيش النظامي الثابت، وأيضا تقليص فترة خدمة الاحتياط السنوية، والارتكاز على ما سمي بـ "الجيش الإلكتروني". وعلى أساسه صاغ الجيش في العام 2021 توجهات لمشروع قانون لتجنيد الحريديم، كان فيه نوع من التساهل معهم، ودخل هذا القانون مسار التشريع في العام ذاته، وكان الحريديم يعارضونه.

إلا أنه، كما ذكر، أظهرت هجمات السابع من أكتوبر حجم النقص في القوة البشرية، ما جعل قيادة الجيش تتراجع عن مشروع القانون الذي صاغته، وباتت تطالب عمليا بتجنيد شبه كامل لشبان الحريديم، وبشكل تكون فيه نسبة المعفيين منهم قليلة جدا، مقارنة مع مشروع القانون الأول.

والموقف لدى غالبية الحريديم، وغالبية زعامتهم الدينية، هو إدراك أنه لا مفر من سن قانون يفرض الخدمة العسكرية على شبانهم، لكنهم سعوا إلى ضمان قانون مريح، بمعنى تجنيد بالحد الأدنى، وعدم فرض عقوبات على رافضي الخدمة، وهذا البند الأخير كان هو مصدر الخلاف الأساس، لأنه من دون فرض عقوبات، فإن القانون لن يمر في المحكمة العليا، إذا ما طرح عليها.

وهذا الإدراك لدى غالبية الحريديم، تعزز من موقف المعارضة البرلمانية من قضية تجنيد شبان الحريديم، الداعي إلى التجنيد الكامل، وعدم تقديم أي تسهيلات، وهذ برز في انتقادات قادة المعارضة البرلمانية، بيني غانتس، ويائير لبيد، وأفيغدور ليبرمان، وانضم لهم رئيس الحكومة الأسبق، نفتالي بينيت، لصيغة التفاهمات التي أبرمت مع الحريديم، حول قانون التجنيد.

لكن قلة من الحريديم الممثلين في الكنيست، حزب أغودات يسرائيل، وهو الحزب الأصغر من بين الحزبين اللذين يشكلان تحالف يهدوت هتوراه منذ 33 عاما، تمسكت بموقف الاعفاء الجارف لشبان الحريديم، من خلال فرض قانون، لكن من دون فرض عقوبات على الرافضين، وهذا يعني إعفاء ضمنيا لشبان الحريديم.

خلافات وانشقاق في صفوف الحريديم الأشكناز

فجر يوم الخميس الماضي، 12 حزيران الجاري، تم التوصل إلى تفاهمات حول أسس قانون التجنيد، وشملت التفاهمات كتلة شاس برمتها، وحزب ديغل هتوراه الأكبر في تحالف يهدوت هتوراه، لكن هنا، حصل انشقاق في حزب أغودات يسرائيل، إذ انضم أحد النواب الثلاثة من هذا الحزب إلى أغلبية نواب الحريديم، بأمر من الحاخام الذي يقود طائفته.

وهذا أول انشقاق في تحالف يهدوت هتوراه، لكن من الصعب رؤية أن يكون نهائيا، ويستمر في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لأن حجم أغودات يسرائيل أضعف من أن يعبر نسبة الحسم في الانتخابات، وعليه فإن هذا التحالف سيستمر بشكل أو بآخر.

أيضا خروج أغودات يسرائيل، المتوقع من الائتلاف الحاكم، بعد استقالة وزير البناء إسحق غولدكنوبف، لا يعني بالضرورة الانضمام الفعلي للمعارضة البرلمانية، وبشكل خاص أن لهذا الحزب، كما للحريديم، إنجازات مالية وبنيوية كبيرة في الحكومة الحالية، التي تعد الحكومة الأمثل بالنسبة للحريديم، منذ عقود، وكان واضحا أن الحريديم ليسوا معنيين بإسقاط الحكومة.

وهذا الاستنتاج بشأن نية الحريديم الحقيقية تجاه الحكومة، انعكس في أغرب حالة برلمانية اسرائيلية، ولم يكن مثيلا لها في السنوات الـ 77 الماضية، إذ أن الحريديم أعلنوا تأييدهم لمشاريع قوانين حل الكنيست، لكن لم يعلنوا انسحابهم من الحكومة، لتفقد الأغلبية البرلمانية؛ فمثلا، لو استمروا بموقفهم، وأيدوا حل الكنيست، لكان القانون سيمر بالقراءة التمهيدية، وستكون أمامه أسابيع طويلة، حتى يتم إنجازه، وخلال هذه الفترة (الافتراضية) كان الحريديم سيواصلون مشاركتهم في الحكومة.

الأمر الآخر الذي لم يكن له مثيل على مدى العقود، هو أن الحكومات الإسرائيلية بالفعل كانت تسقط على قضية خلاف كبير، لكن عادة لا تكون قضية واحدة، بل سلسلة قضايا، وتكون واحدة مركزية تقصم ظهر البعير. لكن في الحالة القائمة، فإن نقطة الخلاف مع الحريديم واحدة ووحيدة، وهذا ما رسخ القناعة بأنه من الصعب رؤية انتخابات مبكرة.

أداء المعارضة ومستقبل ولاية الكنيست الحالي

كان اللافت أداء المعارضة البرلمانية، في جلسة التصويت على حل الكنيست، إذ على الرغم من معرفتها أن لا أغلبية لمشاريع قوانينها لحل الكنيست، بعد التفاهمات مع الحريديم، أصرت على الاستمرار في طرح القوانين في الهيئة العامة، والتصويت عليها. فسقوط مشاريع القوانين لن يسمح لها بطرحها مجددا، إلا بعد مرور 6 أشهر، وفي هذه الحالة، حتى منتصف الشهر الأخير من العام الجاري، كانون الأول.

وأصلا، يمكن القول إن تصرف المعارضة منذ بداية الأزمة، لم يأخذ على محمل الجدية احتمال سقوط الحكومة وحل الكنيست، وهذا ظهر في عدة تحركات للمعارضة، منها على سبيل المثال، أن حزب "المعسكر الرسمي"، بزعامة بيني غانتس، قرر إجراء انتخابات داخلية لرئاسة الحزب، ستجري في الأشهر المقبلة"، بحسب صيغة القرار، وهذه الصيغة تعني أن الحزب لا يرى انتخابات قريبة. وفي المجمل كان أداء المعارضة ليس بدرجة "السخونة"، التي كانت ظاهرة لدى الحريديم.

ما هو مستقبل الولاية البرلمانية الـ 25 الحالية للكنيست؟ عمليا في هذه الأيام، يبدأ الكنيست عامه الأخير، فعليا، قبل خروجه إلى عطلة انتخابات، ستتزامن مع انتهاء الولاية الصيفة من العام المقبل 2026، إذا استمر الكنيست والحكومة، حتى نهاية الولاية القانونية، واجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها، نهاية تشرين الأول من العام المقبل.

لكن كل الاحتمالات واردة، وحاليا أقوى هذه الاحتمالات هو استمرار الحكومة والكنيست حتى الموعد القانوني، سابق الذكر، لكن أيضا احتمال تفجر الخلاف من جديد مع كتلتي الحريديم وارد، إذا ما حصل تراجع عن التفاهمات المبرمة بينهم وبين الائتلاف والعاملين على صياغة فرض قانون التجنيد العسكري.

والاختبار لهذه التفاهمات هو كيف ستكون في الأسابيع الستة المتبقية حتى انتهاء الدورة الصيفية، فمن المفترض أن يتم عرض القانون على الهيئة العامة للكنيست، للقراءة النهائية، إلا إذا اتفق الطرفان على تأجيل التصويت حتى بداية الدورة الشتوية، في النصف الثاني من شهر تشرين الأول المقبل.  

في هذه الحالة، بالإمكان الافتراض أن يتم اقرار القانون مع بدء الدورة الشتوية، لأنه في حال جرت التماسات ضد القانون للمحكمة العليا، فإن هذا سيتطلب بضعة أشهر حتى يتم البت به في المحكمة، التي إذا رفضته وأعادته للكنيست لتعديله، تكون الولاية البرلمانية قد شارفت على الانتهاء، لتنتقل هذه الكرة الملتهبة إلى الولاية البرلمانية التالية، وبالذات الحكومة التالية، التي إذا كان الحريديم شركاء فيها فإن التعقيدات ستبدأ من جديد. وهذا مشهد يعني ترحيل الأزمة إلى الكنيست المقبل والحكومة الإسرائيلية التالية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات