المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بيوت متضررة من الحرب مع "حزب الله" في المطلة بالجليل الأعلى. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 85
  • هشام نفاع

أصدر مراقب الدولة الإسرائيلية تقريراً جديداً مفصلاً حول "موضوع معالجة الحكومة للتجمعات السكنية في شمال البلاد" خلال الحرب الحاليّة، والوضع الراهن في ضوء ذلك. وجاء في موجز التقرير أنه "تم فحص الوضع الاجتماعي- الاقتصادي الخطير لتجمعات خط التماس في الشمال، والحاجة إلى استجابة حكومية- مدنية شاملة، وكذلك التأخير في تقديم الاستجابة الحكومية الشاملة لتجمعات الشمال السكنيّة". وينوّه إلى أن الرقابة نُفّذت بشكل أساس في مكتب رئيس الحكومة ووزارة المالية. كما أُجريت فحوصات تكميلية في وزارة الداخلية، وفي عدد من المجالس الإقليمية في الشمال.

وضع السكان في التجمعات السكنية في شمال البلاد

يقول المراقب إنه على مدى نحو عام وشهرين، منذ اندلاع الحرب وحتى نهاية العام 2024 (حين تغيّر الوضع في الشمال مع وقف الحرب مع لبنان)، عاش سكان خط التماس في الشمال في حالة من انعدام اليقين المستمر بشأن موعد عودتهم إلى منازلهم، بينما يقيمون في مواقع سكن مؤقتة؛ وقد أدى ذلك إلى تفكك المجتمعات المحلية وإضعاف المناعة المجتمعية؛ انتقال الطلاب إلى أطر تعليمية مؤقتة وانفصالهم عن مجموعة الزملاء التي كانوا ينتمون إليها؛ وإلى تضرر بالغ في مداخيلهم من العمل والمصالح التجارية. وشدّد على أن كل هذه العوامل، بالإضافة إلى غياب مخطط شامل لإعادة تأهيل التجمعات السكنية، قد تؤدي إلى اتخاذ عدد كبير من السكان قراراً بعدم العودة إلى التجمعات السكنية في الشمال التي كانوا يقطنون فيها.

يورد التقرير معطيات من استطلاعات الرأي العام التي أجريت في النصف الثاني من العام 2024، ويتبيّن أنه حتى بعد قرار الحكومة في أيار 2024 بشأن "الخطة الخاصة بالشمال"، والتي تشمل استجابات فورية وقصيرة المدى، فقد أفاد 54% من سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم بأن هناك احتمالاً كبيراً بألا يعودوا إلى التجمع السكني الذي كانوا يسكنونه قبل اندلاع الحرب. كما تبيّن أن الخشية من عدم عودة السكان تزداد في صفوف ذوي التعليم الأكاديمي، والشباب حتى سن 35 عاماً.

تأخير متواصل لعدة أشهر في بلورة قرار حكومي أولي

يلاحظ التقرير أن الحكومة لم تصدر قرارها الأول بشأن "خطة للاستجابات الفورية وقصيرة المدى، وتعزيز مخطط متعدد السنوات لإعادة التأهيل والتطوير في الشمال"، إلا بعد مرور نحو سبعة أشهر ونصف الشهر من اندلاع الحرب، وذلك بتاريخ 27.5.2024. وذلك على الرغم من أن مكتب رئيس الحكومة أفاد بأنه منذ تشرين الثاني 2023 بات واضحاً للحكومة وجود حاجة إلى بلورة خطة شاملة لتقديم استجابات فورية لسكان الشمال.

ويعزو المراقب هذا الوضع إلى أنه نتيجة لأداء حكومي بطيء وغير منسّق، جرى ضمن عدة مسارات متوازية. فقد عملت وزارة الداخلية، على مدار عدة أشهر، على إعداد مشروع قرار حكومي بواسطة لجنة المديرين العامين، بل وقامت بتحويله إلى المدير العام لوزارة المالية في 7.2.2024 بهدف طرحه للمصادقة في جلسة الحكومة بتاريخ 11.2.2024. إلا أن المدير العام لوزارة المالية قرر أنّه من الضروري بلورة مقترح بديل بشكل سريع، بدلاً من المقترح الذي قدّمته وزارة الداخلية؛ وعندها باشر المدير العام لمكتب رئيس الحكومة، الذي تولّى مسؤولية بلورة القرار الحكومي باسم رئيس الحكومة، في إعداد مقترح بديل، وبدأ بتنفيذ خطوات إضافية مطلوبة لإعداد مشروع قرار حكومي، مرّت ثلاثة أشهر إضافية حتى صادقت عليه الحكومة.

يتّضح من ذلك، وفقاً للتقرير الرسمي، أن موعد تقديم الاستجابة الشاملة لاحتياجات الشمال، التي تجلّت في توجهات عاجلة من رئيس منتدى تجمعات خط المواجهة في الشمال إلى رئيس الحكومة، قد تأخر. وبسبب غياب قرار بشأن خطة حكومية شاملة، عملت الوزارات الحكومية خلال الأشهر السبعة الأولى من الحرب ضمن مسارات منفصلة وفي مجالات معيّنة، في محاولة لتقديم استجابة لتجمعات الشمال ولسكانها.

بين مقترح وزارة الداخلية ومقترح ديوان رئيس الحكومة

لم يتضمّن أيّ من مقترحي القرار استجابة مدنية لاحتمال توسّع رقعة القتال في الجبهة الشمالية وتداعياته على التجمعات السكنية في شمال البلاد الواقعة على مسافة أكثر من 9 كيلومترات من الحدود، رغم أنه تبيّن لاحقاً أنّ هذه التجمعات أيضاً تأثرت بالحرب.

وفي هذا السياق، أوضح مكتب رئيس الحكومة في ردّه أنّ مقترحات القرار الحكومي يجب أن تستند إلى تعريف "منطقة القرار"، المبنيّ على بنية بيانات داعمة، وأنّه لم تكن بحوزته بيانات كافية – لا من الناحية المدنية ولا من الناحية الأمنية – مثل عدد الإنذارات وإطلاق النار على كل تجمّع، وحجم الأضرار التي لحقت بالمباني والبنى التحتية.

ويُشير مكتب مراقب الدولة إلى أنه كان على الجهات المهنية المعنية تجميع المعلومات اللازمة لتقديم استجابة لاحتياجات السكان، ضمن جداول زمنية ملائمة لتطورات الأحداث.

فيما يتعلق بتخصيص ميزانية لتنفيذ الخطة، في أيار 2024، قررت الحكومة تخصيص مبلغ 3.9 مليار شيكل لتنفيذ الخطة – 940 مليون شيكل للعام 2024، و3 مليارات شيكل على امتداد سنوات عدة، دون تحديد مدة "المخطط متعدد السنوات" المذكور.

وبعد حوالي ثلاثة أشهر، في آب 2024، قررت الحكومة خفض المبلغ المخصّص لتنفيذ القرار في المدى الفوري إلى 804 ملايين شيكل (خفض بنسبة 14%)، ليصبح المبلغ الإجمالي المخصّص لتنفيذه 3.8 مليار شيكل.

وحتى تموز 2024، خُصّص فعلياً حوالي 608 ملايين شيكل لتمويل نفقات الخطة في المدى الفوري: منها نحو 141 مليون شيكل (23%) من الميزانيات القائمة للوزارات، وحوالي 467 مليون شيكل (77%) من ميزانية إضافية خُصصت لتطبيق الخطة.

تأخير وصعوبات في تعيين رئيس طاقم تنفيذ الخطة وفق قرار الحكومة

يقول مكتب المراقب إن تعيين رئيس طاقم التنفيذ في مكتب رئيس الحكومة استغرق نحو شهرين: ففي 27.6.2024، بعد شهر من قرار الحكومة (27.5.2024) بالموافقة على خطة تطوير الشمال، وبعد حوالي ثمانية أشهر من إخلاء التجمعات السكنية الواقعة على خط المواجهة في الشمال، طرح رئيس الحكومة مرشّحاً لتولي منصب رئيس طاقم التنفيذ لإعادة التأهيل الطويل الأمد في ديوان رئيس الحكومة.

وبعد شهر إضافي، في 21.7.2024، صادقت الحكومة على تعيين رئيس الطاقم المكلّف بإدارة وتنسيق جهود تأهيل منطقة الشمال.

وبعد حوالي خمسة أشهر إضافية، في 15.12.2024، أعلن رئيس الطاقم عن انتهاء مهامه، بعد أن نُقلت المسؤولية عن إعادة التأهيل إلى وزير في وزارة المالية، وبسبب تقليص كبير في صلاحياته ومسؤولياته.

وهكذا، بعد سنة وشهرين من اندلاع الحرب، وأكثر من نصف سنة بعد قرار الحكومة بإنشاء طاقم التنفيذ، لم ينجح مكتب رئيس الحكومة ووزارة المالية في قيادة وتفعيل الطاقم لتحقيق أهداف عدة، منها: بلورة وتطبيق مخطط متعدد السنوات لإعادة تأهيل الشمال، الإشراف والمراقبة على تنفيذ الخطة من قِبل الوزارات، إزالة العوائق، وتأسيس جهة حكومية موحّدة تكون عنواناً للسلطات المحلية. وحتى بداية كانون الثاني 2025، لم يُعيَّن بديل لرئيس الطاقم.

يفصّل التقرير القصورات، حيث أنه حتى نهاية أيلول 2024، بعد أربعة أشهر من إقرار الخطة الأولى، لم تُستكمل مكوّنات جوهرية من قرار الحكومة، أبرزها:

آليات التنفيذ والرقابة، التي نصّت عليها الخطة، لم تبدأ بالعمل أو بدأت جزئياً فقط:

اللجنة الوزارية لإعادة تأهيل وتطوير الشمال برئاسة رئيس الحكومة – لم تُعقد.

طاقم المديرين العامين برئاسة مدير ديوان رئيس الحكومة، المسؤول عن المراقبة وتنسيق خطة متعددة السنوات – لم يُعقد.

طاقم التنفيذ لم يكتمل تعيينه.

 عدم تنفيذ القرار الثاني للحكومة بشأن إعادة تأهيل وتطوير الشمال

في تشرين الأول 2024، أقرّت الحكومة قراراً إضافياً لتطوير الشمال وتخصيص ميزانية إضافية بـ15 مليار شيكل. القرار الجديد ألغى ضمنياً أجزاء محورية من القرار السابق (أيار 2024). وقد نُصّ فيه على أن رئيس طاقم التنفيذ، بموافقة مدير عام وزارة المالية، سيقدّم خلال 60 يوماً مقترح قرار مفصّل يتضمن مصادر التمويل وطريقة توزيعها، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى القرب من الحدود.

رغم أنّ القرار الثاني وسّع الميزانية من 3 إلى 15 مليار شيكل، إلا أنّ محتواه يختلف تماماً:

الامتداد الجغرافي للقرار الثاني غير مفصّل. ورغم أنه يلمّح إلى أنّ القرار يأخذ بعين الاعتبار توسّع الحرب، فلا يتطرق صراحة إلى بلدات تقع ضمن 9 كيلومترات من الحدود، ولا يحدّد كيف ستُوزَّع الميزانية حسب الاحتياجات المختلفة، مما يخلق حالة من عدم اليقين بشأن حصة بلدات خط المواجهة.

تأخّر موعد تقديم الخطة المفصلة حوالي 5 أشهر ونصف الشهر– من منتصف تموز إلى نهاية كانون الأول 2024.

تأخّر موعد تقديم الميزانية التفصيلية حوالي 4 أشهر – من نهاية آب إلى نهاية كانون الأول 2024.

وفي كانون الثاني 2025، وبعد انقضاء المهلة المحددة في القرار، لم يقدّم ديوان رئيس الحكومة خطة متعددة السنوات ولا ميزانية لتنفيذ مكوّناتها، كما نصّ القرار. ويُستدل من ذلك أن القرار الثاني أيضاً لم يُنفذ، باستثناء مكونات محددة منه.

بقيت حالة من الغموض وعدم اليقين بشأن التحضير لعودة السكان

في خلاصته، يقول المراقب إنه في ظل استمرار عدم تنفيذ قرارات الحكومة، وغياب خطة مفصلة وممولة لإعادة تأهيل وتطوير الشمال، بقيت بلدات خط المواجهة في حالة من الغموض وعدم اليقين بشأن التحضير لعودة السكان إلى منازلهم. وتبيّن من جولات مراقب الدولة أنّه حتى نهاية 2024، لم يُوفَّر حلّ لتعويض الأضرار غير المباشرة للمباني، وأنّ بعض عمليات التأهيل الأولي تتم على أيدي متطوعين وبالاعتماد على التبرعات. كما لم تتم تلبية الحاجة إلى منع هجرة السكان – خاصةً الشباب والأكاديميين – باعتبارها ركيزة أساسية في المهمة الوطنية لإعادة تأهيل وتعزيز منطقة الشمال.

التأخير المتواصل في بلورة سياسة حكومية لمعالجة شاملة لبلدات خط المواجهة وسكانها على مدار أشهر دارت خلالها الحرب في الشمال يُشكّل خللاً جوهرياً في معالجة الحكومة لأوضاع هؤلاء السكان، وهذا الخلل يقع على عاتق مكتب رئيس الحكومة وعلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومدير عام المكتب السابق يوسي شيلي، اللذين لم ينفذا المهام المركزية التي أُلقيت على عاتق الديوان في قراري الحكومة. ولم ينجح رئيس طاقم التنفيذ، إليعيزر (تشيني) ماروم، الذي شغل المنصب لمدة خمسة أشهر، في إتمام هذه المهام.

كما يُوجّه مكتب مراقب الدولة ملاحظة إلى وزارة المالية بشأن عدم إعدادها اقتراح قرار لتخصيص الميزانية اللازمة لتمويل الخطة طويلة الأمد لإعادة إعمار الشمال خلال 90 يوماً، كما نص عليه القرار الحكومي الصادر في أيار 2024، وكذلك على عدم عملها بالشراكة مع طاقم التنفيذ لاستكمال بلورة خطة متعددة السنوات لإعادة الإعمار والتنمية في الشمال.

وعن المسؤوليات المباشرة جاء في التقرير: على الوزير في وزارة المالية، النائب زئيف إلكين، المسؤول من بين أمور أخرى عن إعادة إعمار بلدات الشمال، أن يعمل بحزم من أجل ضمان تنفيذ سريع وفعّال للأجزاء التي لم تُنفذ من قرار الحكومة الصادر في أيار 2024، واستكمال خطة مفصّلة متعددة السنوات لإعادة إعمار وتنمية الشمال، وفقاً لقرار الحكومة من تشرين الأول 2024، على أن تشمل هذه الخطة تفاصيل الميزانية ومصادر تمويلها، مع الأخذ بعين الاعتبار المسافة من الحدود واحتياجات بلدات خط المواجهة الخاصّة.

وعلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن يضمن عقداً دورياً ومنظماً لاجتماعات اللجنة الوزارية التي يترأسها لشؤون إعادة إعمار وتنمية الشمال، من أجل دفع سياسة حكومية شاملة ومنهجية في هذا المجال، وكذلك من أجل إزالة العوائق وتسوية الخلافات بين الوزارات في إطار تنفيذ قرارات الحكومة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات