المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
غزة: بصمات الحرب الجائرة والمستمرة. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 55
  • برهوم جرايسي

قالت تقديرات اقتصادية إسرائيلية، في الأسبوع الماضي، إن قرار الحكومة الإسرائيلية بتوسيع نطاق الحرب على قطاع غزة، واستدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط، سيُكلف الخزينة العامة ما بين 15 مليار إلى 25 مليار شيكل (4.2 مليار إلى 7 مليارات دولار)، وهذا فقط للفترة القريبة، وهناك من حددها بثلاثة أشهر، وهذه التقديرات لا تشمل النية بإعادة احتلال قطاع غزة، ومكوث الجيش فيه فترة غير محددة. وهذا ما سيتطلب إعادة فتح ميزانية العام الجاري 2025، ولربما اتخاذ قرارات بزيادة ضرائب، وزيادة العجز في الموازنة العامة، وكل هذا يثير قلق أوساط اقتصادية بشأن النمو الاقتصادي، الذي قد يتضرر بقدر أكبر.

تباين التقديرات الأولية

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في أول تقدير لها، إن توسيع نطاق الحرب وتجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط خلال أيام قد تصل كلفته إلى 15 مليار شيكل في المرحلة الأولى، وهذا سيتطلب زيادة ميزانية الجيش، ما سيؤدي إلى فرض ضرائب جديدة على الجمهور.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار في وزارة المالية مخاوفهم من أنه سيكون من الضروري إجراء تقليص كبير في ميزانيات جميع الوزارات، ما يعني تأثيرا شديدا على الخدمات المقدمة للمواطنين. كما لا تُستبعد إمكانية فرض زيادات ضريبية جديدة، خاصة تلك التي لم يتم إقرارها في موازنة الدولة للعام الجاري، خلافا لموقف وزير المالية.

وأشار مصدر رفيع المستوى في وزارة المالية في حديث مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى أن "الحكومة لا تتحدث عن التكلفة المالية، بل عن أهداف العملية وإمكانية هزيمة حماس، وهو ما لم يتحقق منذ 19 شهرا. ومن دون إبداء رأي حول ضرورة توسيع نطاق الحرب، يجب على الحكومة أن تأخذ في الاعتبار التكلفة المالية الهائلة لتوسيع نطاق الحرب مجددا في غزة، وخاصة تجنيد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط فترات ليست قصيرة. إذ سيكلف هذا التجنيد مبالغ طائلة، وسيُلحق الضرر بالنمو الاقتصادي، وهذا أيضا له ثمن باهظ".

وأعرب مسؤول اقتصادي كبير للصحيفة عن قلقه من أن توسيع نطاق الحرب، إلى حد تحديد هدف احتلال قطاع غزة بالكامل، من المرجح جدا أن يؤدي إلى تخفيضات إضافية في التصنيف الائتماني بعد التخفيضات الثلاثة الكبيرة في العام 2024.

وقالت الصحيفة ذاتها إن البيانات تشير إلى أن كلفة يوم القتال، الذي انخفض مؤخرا مع انخفاض كبير في العمليات القتالية، تصل إلى نحو 80 مليون شيكل، بسبب تقليص النشاط العملياتي في قطاع غزة، وتعبئة عدد قليل نسبيا من جنود الاحتياط، لكنها قد تقفز إلى 250 مليون شيكل أو حتى أكثر، عندما تتم تعبئة العديد من فرق الاحتياط ونشر قوات الجيش على مناطق واسعة جدا في قطاع غزة.

وقال مسؤول اقتصادي كبير آخر للصحيفة: "علينا أن نفكر في تكلفة إبقاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط داخل القطاع، وضرورة توفير احتياجاتهم خلال فترة إقامتهم الطويلة، من طعام وظروف معيشية، وما إلى ذلك. ويبدو أن الحكومة لم تُجرِ أي نقاش جدي حول هذه القضية".

وأعرب مصدر آخر عن قلقه إزاء الأضرار الهائلة التي قد تلحق بالاقتصاد في حال غياب ما بين 30 إلى 50 ألف جندي احتياطي عن أعمالهم، أو دراستهم في مؤسسات التعليم العالي.

وفي حال فرض تكلفة إضافية تتراوح بين 10 و15 مليار شيكل، فسيكون من الضروري زيادة عجز الموازنة من 4.9% إلى 5.1% على الأقل، وخفض ميزانيات المشتريات للوزارات الحكومية بنسبة 3.5% أخرى.

لكن التقديرات في صحيفة "ذي ماركر" جاءت أعلى، وقال تقرير لها إن الكلفة المباشرة لتوسيع الحرب قد تصل إلى نحو 25 مليار شيكل (نحو 7 مليارات دولار) في الأشهر الثلاثة المقبلة، بما في ذلك تمويل جنود الاحتياط والأسلحة، وذلك بحسب تقديرات الأجهزة الأمنية.

والمعنى المباشر لزيادة الإنفاق إلى هذا الحد، إذا تم تنفيذه بالفعل، سيكون إعادة فتح موازنة 2025 وزيادة الإنفاق الحكومي، وربما أيضا زيادة سقف العجز إلى ما يزيد عن 4.9% من حجم الناتج العام.

لكن هذه التكلفة لا تشمل الخطط المعلنة التي عرضها وزراء، أمثال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، للسيطرة على معظم قطاع غزة على المدى الطويل.

وحسب الصحيفة، فإن وزارة المالية لم تبدأ بعد العمل الفعلي لفتح موازنة 2025 وتعبئة المصادر المالية لتمويل توسيع الحرب. لكن جزءا من هذه الأموال موجود بالفعل، سواء في الاحتياطي الذي يبلغ 6 مليارات شيكل (1.66 مليار دولار) في حالة التصعيد، أو في فوائض جباية الضرائب التي وصلت إلى أكثر من 10 مليارات شيكل (2.76 مليار دولار).

وإذا تمت الموافقة بالفعل على إضافة نحو 25 مليار شيكل، فهذا يعني أن ميزانية الجيش في العام الجاري 2025، ستكون أعلى من الميزانية التي تم إنفاقها فعليا نقدا على الجيش في العام الماضي 2024، الذي شهد حربين في قطاع غزة ولبنان، عدا العدوان المستمر على الضفة الغربية المحتلة.

وبحسب وزارة المالية، فإن الإنفاق العسكري النقدي الفعلي في العام 2024 بلغ 152 مليار شيكل (نحو 42 مليار دولار).

ضربة للنمو الاقتصادي

بعد صدور قرار الحكومة بشأن توسيع الحرب، واستدعاء عشرات آلاف الجنود، والحديث يجري عما بين 30 ألف إلى 50 ألف جندي احتياط، ستخرج غالبيتهم الساحقة من سوق العمل، ثار قلق بشأن مصير النمو الاقتصادي في العام الجاري، واحتمال أن يهبط إلى ما هو أكثر من التوقعات الحالية، وهناك من ذهب إلى حد الحديث عن أنه لن يكون نمو اقتصادي هذا العام.

وكان بنك إسرائيل المركزي قد خفّض تقديراته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، هذا العام، في تقريره الصادر يوم 9 نيسان الماضي، من 4% في مطلع هذا العام إلى 3.5%، حاليا، وهذا قبل قرار الحكومة توسيع نطاق الحرب على قطاع غزة. كما خفض البنك تقديراته للنمو في العام المقبل 2026، من 4.5% إلى 4%.

كذلك رفع البنك تقديراته لحجم المديونية الإسرائيلية، من 69% من حجم الناتج العام، إلى 71% مع نهاية العام الجاري، وهذه الزيادة تعني 40 مليار شيكل، أي نحو 11 مليار دولار.

وبحسب تقارير اقتصادية إسرائيلية فإن خبراء بنك إسرائيل بدأوا، في الآونة الأخيرة، في صياغة تقديرات جديدة للاقتصاد الإسرائيلي، على ضوء استمرار الحرب.

وقال عضو الكنيست فلاديمير بيلياك من حزب "يوجد مستقبل"، وعضو في لجنة المالية البرلمانية، إن توسيع نطاق الحرب سيؤدي إلى زيادة العجز في الميزانية العامة، وإلى تقليصات في ميزانية الدولة، بنسبة تتراوح بين 3% إلى 5%، عدا ما تم تقليصه سابقا، ولهذا ستتضرر أجهزة التربية والتعليم والرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية والاستثمارات في البنية التحتية مجددا.

وقال بيلياك: من جهة، يواصل وزير المالية الترويج لخطط الحرب الدائمة والحكم العسكري في غزة، والتي ستكلف عشرات المليارات الشواكل سنويا، متجاهلا تكلفة المعيشة في الاقتصاد، ومن جهة أخرى، يواصل توزيع أموال على جمهور أحزاب الائتلاف التي تبلغ قيمتها مليارات الشيكلات.

وأعرب رئيس نقابة مدققي الحسابات، تشين شرايبر، في حديث مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن قلقه من أن توسيع الحرب بكثافة كبيرة من شأنه أن يجر الاقتصاد إلى النمو الصفري. وقال: "كل القرارات التي اتخذت قبل بضعة أشهر انهارت، والآن إذا دخلنا في حرب طويلة فسوف يكون من الضروري البحث عن طرق لتوليد 10 مليارات شيكل إضافية من الإيرادات".

تساؤلات حول سلوك الحكومة الإسرائيلية

يقول المحلل الاقتصادي ناتي طوكر، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، إن الزيادة الحادة في الإنفاق العسكري "تثير تساؤلات خطيرة حول سلوك الحكومة، وحول قدرتها على صياغة سيناريوهات الطوارئ والاستعداد لها". قبل نحو شهر ونصف الشهر فقط، عندما تمت الموافقة على ميزانية الدولة لعام 2025 في الكنيست، ادعت الحكومة أن الميزانية المخصصة للجيش ستكون كافية لخطط الحكومة لهذا العام. وفي ذلك الوقت، تمت الموافقة على إنفاق صاف قدره 109 مليارات شيكل (أكثر من 30 مليار دولار)، و138 مليار شيكل (أكثر من 38 مليار دولار)، إذا ما أضيفت أموال المساعدات الأميركية، والنفقات الإضافية المرتبطة بالإيرادات المستقبلية. وتم إعداد هذه الميزانية على أساس سيناريو أساسي لانتهاء الحرب في نهاية العام 2024.

ويوم إقرار الميزانية، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لوسائل الإعلام: "هذه ميزانية توفر للجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية كل الموارد اللازمة لهزيمة العدو، مع الاهتمام بالاحتياطيين وأصحاب الأعمال وإعادة إعمار الشمال والجنوب والنمو الاقتصادي لدولة إسرائيل". وبث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مقطع فيديو مع سموتريتش ادعى فيه أن الميزانية ستسمح "باستكمال النصر العظيم الذي نحن على وشك تحقيقه"، وفق تعبيره.

ويقول طوكر "ولكن الآن اتضح أن الحكومة وافقت على الميزانية من ناحية، وهي من ناحية أخرى تروّج لخطة تجردنا من معنى تحديد إطار للميزانية. هناك سببان محتملان لذلك: الأول هو أن الحكومة كانت تعلم أن الميزانية التي كانت تعدها كانت فارغة من المحتوى، ومع ذلك قدمت بخبث ميزانية ليست ذات صلة، للموافقة عليها من قبل الكنيست؛ أو أنها كانت مهملة ولم تستعد إطلاقا لأي سيناريوهات مرجعية أخرى عندما قامت بصياغة الميزانية".

وتابع يقول: "إن الإنفاق خلال الأشهر الثلاثة المقبلة هو مجرد البداية. وأعلن سموتريتش رسميا أن الجيش الإسرائيلي سيحتل مناطق واسعة في قطاع غزة ولن ينسحب حتى في مقابل صفقة أسرى. وكان سموتريتش قد أجرى مقابلة مع وسائل الإعلام وادعى أن كلفة صيانة المنطقة تصل إلى مئات الملايين من الشواكل سنويا. ولكن هناك تقديرات أعلى بكثير تسمع داخل المؤسسة الأمنية، إذ يعتقدون أن السيطرة الواسعة على الأراضي المدنية بمرور الوقت، مع الاحتكاك المستمر، سوف تزيد بشكل حاد من الإنفاق الأمني ​​المستمر في الأمد البعيد".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات