المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
طائرة إطفاء تتعامل مع الحرائق الشاسعة في محيط القدس المحتلة في نيسان الماضي. (أ.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 32
  • هشام نفاع

بعد نحو أسبوع على الحرائق الهائلة التي ضربت مناطق واسعة، والتي فشلت الأصوات العنصرية الإسرائيلية، الرسمية منها وغير الرسمية، في وضع المسؤولية عنها على أكتافٍ عربية، بحثت "لجنة الأمن الوطني" في الكنيست مسألة مدى استعداد إسرائيل وجاهزيتها لمواجهة حرائق ضخمة.

ووفقاً للمبادرين إلى الجلسة، أعضاء كنيست من عدة أحزاب، فإنه "بحسب تقديرات سلطة الإطفاء والإنقاذ في إسرائيل، فإن التكلفة السنوية لأضرار الحرائق تتجاوز 7 مليارات شيكل، ومن المتوقع أن تزداد مع تسارع وتيرة الاحتباس الحراري وموجات الحر الشديدة. يجب فحص مدى استعداد الدولة للحرائق الكبيرة، وموارد الإطفاء المتوفرة، وملاءمة الخطط لمواجهة أزمة المناخ وسبل تقليص الأضرار المستقبلية".

برز في نقاشات المشاركين في الجلسة وجود إجماع على حقيقة تقصير مؤسسات الدولة في مواجهة النتائج المترتبة على التغيّر المناخي وخصوصاً الحرائق. وطُرحت أسئلة حول عدم تنفيذ قرار الحكومة بشراء طائرات إطفاء، وعدم دمج الجيش في منظومة الإطفاء، وتقليص ميزانية الإطفاء بـ 217 مليون شيكل، وجرى التعبير عن قلق جدي مما قد يقع أكثر في فصل الصيف الوشيك.

الحكومة لم تخصص ميزانية كافية لتنفيذ قرارها باقتناء مروحيات

ممثّل سلطة الإطفاء والإنقاذ قال في الجلسة إن "جهاز الإطفاء والإنقاذ في إسرائيل يعد جهازا صغيراً ويحتاج إلى التوسع والتعزيز. وهو يواجه بمفرده تهديدات الحرائق، إضافة إلى تحديات مثل الصواريخ، الكوارث الطبيعية، أزمة المناخ، وإصدار تصاريح لمبان شاهقة. حاليا، يتعامل الجهاز مع نحو 30-40 يوم طوارئ سنويا مرتبطة بأضرار حرائق خطيرة. هناك حاجة لتكييف الجهاز مع أزمة المناخ المتفاقمة، والاستعداد لسيناريوهات تشمل حرائق في ثلاثة مواقع بالتوازي". وقدّر أن "إدخال المروحيات من شأنه تغيير الواقع ويعد من أهم التطورات في الجهاز. فمنذ كارثة الكرمل، شهد الجهاز قفزة مهنية كبيرة، وتم شراء أكثر من 300 مركبة إطفاء جديدة في السنوات الأخيرة. ووفقا للخطط، يجب أن يصل عدد عاملي الإطفاء إلى 3100، ويوجد حاليا نقص بنحو ألف عامل إطفاء. تدريب رجال الإطفاء يستغرق وقتا، ويمكن تدريب 250 سنويا فقط. الجهاز بحاجة إلى النمو بشكل كبير في عدد الأفراد والوسائل، وهناك مطالبة بتخفيض سن التقاعد من 67 إلى 55 عاما".

قائد منطقة القدس في سلطة الإطفاء والإنقاذ، شموئيل فريدمان، قال في الجلسة إن الحريق "تحوّل إلى عاصفة نارية حقيقية"، متوقعاً "أحوالاً جوية متطرفة في الصيف. نحن في عملية استخلاص دروس لنكون أكثر استعداداً للحريق القادم. حجمنا صغير مقارنة بتهديدات الحرائق التي نواجهها".

حاولت وزارة الأمن القومي على لسان نائبة المدير العام التي حضرت الجلسة إبراز التغييرات التي جرت في السنوات الأخيرة، وكما قالت، فقد "بلغت الميزانية الأساسية لجهاز الإطفاء والإنقاذ 1.3 مليار شيكل العام 2022، و1.4 مليار شيكل في 2023، وفي 2025 ارتفعت إلى 1.8 مليار شيكل". وقد أقرّت عملياً بأن الصرف على الحرب يعرقل تنفيذ قرارات كثيرة ذات صلة، وعلى حد قولها: "في ظل ظروف الحرب، عادة كنا نتحدث عن إعادة الميزانيات أو زيادتها، لكننا نواجه الآن فترة صعبة". ويتضح من كلامها أنه تم تخصيص نحو 450 مليون شيكل لشراء سيارات إطفاء جديدة، وانضم 230 عامل إطفاء في العامين الأخيرين. وتأخر تطبيق قرار الحكومة العام 2022 بشأن أكثر من 500 منطقة بحاجة لإقامة مناطق عزل لمنع تفشي النيران بأكثر من سنتين، إذ أن ميزانية التنفيذ التي تبلغ 65 مليون شيكل لم تتوفّر سوى في آب 2024. كذلك، فإن قرار اقتناء مروحيات للإطفاء لم ينفّذ بعد، علماً بأنه تم مطلع 2024 تخصيص ميزانية لشراء مروحيتين بقيمة 139 مليون شيكل، إضافة إلى ميزانية أساسية قدرها 13 مليون شيكل. لكن تكلفة كل مروحية تبلغ أكثر من 100 مليون شيكل، أي أن الحكومة لم تخصص ميزانية كافية. وقد أكدت ممثلة وزارة الأمن القومي أن تحقيق الجاهزية المطلوبة، يتطلّب أربع مروحيات ثابتة في جهاز الإطفاء.

أجر عامل الإطفاء أقل بـ 35% من دول المؤشر

عكس تقرير لصحيفة "دفار" الصورة المرتسمة أعلاه بالقول إن المعطيات تشير إلى نقص في الميزانية، ونقص في القوى العاملة، وإلى تدنٍ في الأجور مقارنة مع دول العالم، وذلك بالرغم من كثرة الحرائق في إسرائيل.  وتساءل: هل تقوم الدولة بما يكفي لضمان منظومة إطفاء فعالة، مجزية وقادرة على أداء مهامها؟

وأورد التقرير معطيات تؤكد مدى خطورة الوضع في إسرائيل، ومنها: تحتل إسرائيل المرتبة الخامسة بين أكثر من 80 دولة من حيث معدل الحرائق لكل فرد، وفقاً لمراجعة أُجريت في إطار التقرير السنوي للجمعية الدولية لخدمات الإطفاء والإنقاذ. فبين عامي 2018 و2022، عانت إسرائيل من 5.28 حرائق لكل ألف نسمة، مقارنة بمتوسط يبلغ 2.19 في جميع الدول المشمولة في التقرير. وبالرغم من معدل الحرائق المرتفع، فإن الميزانية والقوى العاملة منخفضة مقارنة دولياً: الإنفاق العام على الإطفاء كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل أقل بنسبة 66% مما هو عليه في منطقة الاتحاد الأوروبي، وأقل بنسبة 50% من متوسط ما يُعرف بـ"دول المؤشر"، وهي دول تتشابه اقتصاداتها مع إسرائيل: النمسا، الدنمارك، فنلندا، أيرلندا، هولندا، سويسرا والسويد. الفجوة تبلغ نحو 1.6 مليار شيكل وفق أرقام العام 2024.

وهذه فجوة سنوية ومتواصلة، وفقاً للصحيفة، تراكمت خلال العقد الأخير إلى أكثر من 10 مليارات شيكل مقارنة بدول المؤشر، وأكثر من 20 مليار شيكل مقارنة بمنطقة اليورو. ولاحظت أن الفجوة في تمويل منظومة الإطفاء ليست سوى مثال واحد من بين العديد من أوجه النقص الكبير في الإنفاق على الخدمات العامة في إسرائيل.

يتجلى نقص الميزانية في قلة عدد عمال الإطفاء وفي انخفاض الأجور. إسرائيل من بين الدول التي لديها أقل عدد من عمال الإطفاء لكل نسمة، بحسب تقرير الجمعية الدولية لخدمات الإطفاء والإنقاذ. التعمق في البيانات يكشف حقيقة إضافية: عدد عمال الإطفاء الذين تكون الإطفاء مهنتهم الرئيسة ويعملون فيها بدوام كامل أعلى في إسرائيل مقارنة بدول المؤشر، ومع ذلك، فإنه لا يزال من بين الأدنى في مجموع الدول المشمولة في التقرير. السبب في ذلك هو أن هذه الدول تعمل وفق نموذج يعتمد على دمج المتطوعين وعمال الإطفاء بدوام جزئي، بينما تعتمد إسرائيل فقط على عمال الإطفاء بدوام كامل. وبالنظر إلى المتطوعين وعمال الإطفاء بدوام جزئي، فإن نسبة عمال الإطفاء لكل نسمة في دول المؤشر تفوق نظيرتها في إسرائيل بأكثر من خمسة أضعاف. من حيث عدد عمال الإطفاء لكل نسمة في المنظومة ككل، تحتل إسرائيل المرتبة 77 من أصل 82 دولة تم تحليلها في التقرير – المرتبة السادسة من الأسفل.

ولقد أفاد تقرير مراقب الدولة للعام 2021، أن نحو 30% من الوظائف في عمل الإطفاء غير مشغولة. ومع ذلك، فإن الفجوة الكبيرة في الميزانية لا تتعلق بنفقات القوى العاملة، بل بالميزانيات الإضافية المطلوبة للمعدات ولجاهزية منظومة التطوع.

تقول "دفار" إن النقص في القوى العاملة في منظومة الإطفاء معروف منذ سنوات، ويتجلى أيضاً في صعوبة شغل وظائف عمال الإطفاء. والسبب في ذلك واضح – الأجور غير جذابة بما فيه الكفاية: وفقاً لبيانات معهد البحوث الاقتصادية، فإن متوسط أجر عامل الإطفاء في إسرائيل أقل بنحو 35% من متوسط دول المؤشر. وهنا أيضاً، تلاحظ الصحيفة، هذه ظاهرة أوسع تشمل القطاع العام بأكمله: بحسب تقرير نُشر مؤخراً، فإن أجور العاملين في القطاع العام في إسرائيل منخفضة بشكل ملحوظ مقارنة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

المعرفة لمنع الحرائق موجودة، المشكلة في التطبيق - الميزانيات

وفقاً لتقرير وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية للبيئة وعلوم البيئة، نشرته على موقع القناة التلفزيونية الثانية عشرة، ففي السنوات الأخيرة أصبحت مثل هذه الحرائق الهائلة تتكرر بوتيرة متزايدة، وعلى نطاقات أوسع، سواء في البلاد أو حول العالم، والثمن باهظ: فقط في شهر كانون الثاني من هذا العام، اندلعت حرائق غير مسبوقة النطاق في منطقة لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا، واستمرت لأسابيع طويلة قبل أن تتمكن فرق الإطفاء من السيطرة عليها، بينما كانت تلتهم مئات آلاف الدونمات من الغابات والمناطق المأهولة، وتخلّف، إلى جانب الأضرار الهائلة بالنباتات والحيوانات، أيضاً عشرات القتلى من البشر. وتُقدَّر كلفة الأضرار الناجمة عن تلك الحرائق بمئات مليارات الشواكل. وبينما كانت الحرائق دوماً حاضرة، يبدو أن أزمة المناخ تزيد من وتيرتها ومن شدتها أيضاً. فقد أظهرت دراسة من جامعة UCLA أن أزمة المناخ ساهمت في تفاقم الحرائق، إذ إن الجفاف الحاد بنسبة 25% في النباتات في منطقة لوس أنجليس سمح للنار بالانتشار السريع.

وتنوّه الوكالة إلى أنه لا ينبغي للأمر أن يُفاجئنا: فقد أُعلن أن العام 2024 هو العام الأكثر سخونة منذ بدء تسجيل البيانات المناخية – وهو لقب غير مفرح يتم تجديده تقريباً كل سنة في العقد الأخير. ولكن هذا العام نال أيضاً لقباً مقلقاً آخر: تم لأول مرة تجاوز عتبة الاحترار البالغة 1.5 درجة مئوية مقارنة بما قبل الثورة الصناعية – وهي العتبة التي حُددت في اتفاق باريس كنقطة توقف. ولأن الحرائق تزيد في الظروف المتطرفة من الحرارة والجفاف، ومع أن شتاء هذا العام في البلاد كان الأكثر جفافاً منذ 100 عام، فهل كان بالإمكان التنبؤ بالحريق – أو على الأقل الاستعداد له مسبقاً؟

إحدى خبيرات الوكالة تقول: "كنا نعلم أن هذا العام قد يكون إشكالياً، لأن الأمطار بالكاد هطلت وكان الربيع قصيراً جداً. لذا من المعروف أن الغطاء النباتي جاف جداً بسبب نقص الأمطار، وفي ظروف رطوبة منخفضة جداً – كما حدث في الأيام الأخيرة – فإن احتمال نشوب الحرائق يزداد بشكل كبير. على سبيل المثال، اندلع حريق جبل الكرمل في ظروف رطوبة بلغت نحو 20%، وهي جفاف شديد جداً. وعندما تنضم إلى ذلك رياح قوية، كما حصل هذه المرة مع انكسار الموجة الحارة، تصبح الظروف مثالية لانتشار النيران. كل هذه هي أمور نعرفها، لذا أعتقد أننا من هذه الناحية لا يفترض أن نُفاجأ".

إلى جانب تطوير جاهزية أعلى عند توقع ظروف مواتية لنشوب الحرائق، فإن المفتاح الرئيس للتعامل مع الظاهرة هو الإدارة السليمة للغابات بهدف الوقاية من الحرائق ومنع انتشارها. وتوضح: هناك الكثير من العمل لمنع الحرائق والاستعداد لها، خاصة منذ حريق الكرمل العام 2010. هناك تغيّر جوهري في النهج. بعد حريق الكرمل، وُضعت مبادئ توجيهية من أجل حماية التجمعات السكنية القريبة من الغابات والأحراش، وتم تحديد المسؤولين عن الغابات، وأين وكم يجب التعامل معها لمنع الحرائق. أي أن المعرفة موجودة، وكل من يتعامل مع الموضوع يعرف ما يجب فعله. ولكن المشكلة هي في التطبيق الفعلي: تجهيز الغابة – سواء كنا نتحدث عن مناطق مفتوحة أو مناطق محيطة بتجمعات سكنية لتقليل حساسيتها للحرائق – يتطلب ميزانيات ضخمة.

مرة أخرى، يبرز التقصير في تنفيذ ما بات معروفاً أنه عنصر أساس في تقليص حدوث الحرائق أو تقليص نطاقها على الأقل. وهو ما يقع على كاهل الحكومة، التي تفضّل الصرف على الحرب وليس على خدمات عامة متعلقة بالحياة والموت للمواطنين.

المصطلحات المستخدمة:

مراقب الدولة, لجنة الأمن, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات