المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
دمية لنتنياهو ولافتة تصفه بالجبان في تظاهرة مطالبة بصفقة تبادل، في تل أبيب يوم 10 الجاري. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 25
  • عبد القادر بدوي

منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة، تُجري العديد من المراكز البحثية ووسائل الإعلام الإسرائيلية استطلاعات دورية لقياس الرأي العام في إسرائيل حيال مجموعة من القضايا، لا سيما تلك المرتبطة بحرب الإبادة. ومنذ ذلك الحين، قام مركز مدار بتقديم استعراض وتحليل لمعظم هذه الاستطلاعات بغية تتبع التطورات والتحولات التي طرأت على الرأي العام الإسرائيلي بشأن القضايا المتعلقة بالحرب. في هذه المساهمة نقدّم استعراضا موسعاً لاستطلاع الرأي الأخير الذي أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" (نيسان 2025) والذي يعكس التوجهات الرئيسة التي تسهم في تشكيل الرأي العام الإسرائيلي وتأثيرها على مسار الأحداث السياسية والاجتماعية في إسرائيل.

يتناول الاستطلاع مجموعة من القضايا المحورية، مثل التحديات الاقتصادية المستقبلية، التماسك الاجتماعي، النظام الديمقراطي، والأمن القومي، فضلاً عن تقييمات لأداء بعض الشخصيات العامة. كما يدرس الاستطلاع الفرص المحتملة للتوصل إلى صفقة تبادل مع حركة حماس، بالإضافة إلى تحليل الاحتجاجات المطالبة بإعادة الأسرى والمحتجزين. علاوة على ذلك، يتضمن الاستطلاع تقييمات المجتمع الإسرائيلي لنجاحات وإخفاقات الدولة بعد مرور 77 عاماً على تأسيسها. جدير بالذكر أن الأفكار والمصطلحات الواردة أدناه مصدرها الاستطلاع نفسه ولا تُعبّر عن موقف مركز مدار أو كاتب المساهمة.

بعض النتائج الرئيسة للاستطلاع

  • رغم وجود أقلية من المتفائلين في مؤشرات المزاج القومي الأربعة، فإن شهر نيسان شهد زيادة طفيفة في جميعها مقارنة بالشهر السابق.
  • على مستوى الشخصيات العاملة في المجال العام: يحظى رئيس هيئة أركان الجيش بأعلى درجات التقدير على أدائه بين الجمهور، يليه رئيس الدولة والمستشارة القانونية للحكومة، وتقدير مفوض الشرطة هو الأدنى ولكنه الأعلى بين جمهور اليمين.
  • أغلب المستطلعين، لا سيّما بين أولئك الذين يعرّفون أنفسهم من اليسار أو الوسط، متشائمون بشأن فرص التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح جميع الأسرى والمحتجزين، ومن بين العرب، يشعر ما يقرب من ثلثيهم بالتفاؤل.
  • بين الجمهور اليهودي من اليسار والوسط، تعتقد الأغلبية أن قائد سلاح الجو تصرف بشكل غير صحيح حينما اتخذ قرار إنهاء الخدمة الفعلية للموقعين على عريضة الطيارين، وينطبق الأمر نفسه على العينة العربية، في ما يعتقد أغلب جمهور اليمين أنه تصرف بشكل صحيح.
  • تعتقد أغلبية صغيرة من الجمهور اليهودي أنه من غير اللائق أن يشارك جنود الاحتياط في المظاهرات أو أن يوقعوا على عرائض بشأن القضايا السياسية، أما بين العرب فإن موقف الأغلبية هو العكس.
  • الرأي العام الإسرائيلي منقسم وغير متجانس بشأن ما إذا كان الرئيس ترامب سيعطي أهمية كبيرة لأمن إسرائيل في المحادثات مع إيران. من بين اليهود، يؤيد أكثر من النصف الهجوم الإسرائيلي على إيران حتى من دون الدعم الأميركي، ومن بين العرب، هناك أغلبية كبيرة تعارض ذلك.
  • يعتقد نحو نصف الجمهور أن رصيد "إنجازات إسرائيل" حتى الآن يميل نحو النجاحات، لكن نسبة الذين يقيمونها بهذه الطريقة أقل مما كانت عليه في الماضي.
  1. مؤشرات المزاج القومي

بشكل مفاجئ، كما يُشير تقرير الاستطلاع النهائي، أظهر المواطنون العرب [الفلسطينيون في إسرائيل] تفاؤلاً أكبر من اليهود في بعض القضايا، بخلاف المعتاد. فقد أعرب 49% من العرب عن تفاؤلهم بشأن مستقبل الحكم الديمقراطي مقابل 39% من اليهود، و36% بشأن التماسك الاجتماعي مقابل 24% من اليهود. ومع ذلك، ظل العرب أقل تفاؤلاً في قضايا الأمن القومي (32% مقابل 44% لليهود) والوضع الاقتصادي (25.5% مقابل 32%). أما بين اليهود، فقد تباينت مستويات التفاؤل حسب الانتماء السياسي: اليمين كان الأكثر تفاؤلاً، واليسار الأقل، بينما جاء المركز قريباً من اليسار، وكانت أدنى نسبة تفاؤل في كل المعسكرات تتعلق بالتماسك الاجتماعي (26%)، وأعلاها بالأمن القومي (42%)، والاستنتاج الرئيس هو أن القلق الشعبي في إسرائيل يتركّز حالياً على الانقسامات الداخلية أكثر من التهديدات الخارجية، كما كانت الحال قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

  1. تقييم الأداء المهني للمسؤولين

تُشير نتائج التقرير إلى تصدّر رئيس هيئة الأركان الجديد للجيش إيال زامير التقييمات الإيجابية رغم قصر فترة توليه المنصب، إذ حصل على أعلى معدل تقييم (55.5% جيد إلى حدٍّ ما أو جيد جداً) مقابل 15.7% (سيء إلى حدٍّ ما أو سيء جداً)، يليه رئيس الدولة إسحق هرتسوغ الذي حصل على 49% مقابل 45%، ثم المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف- ميارا (47.5% مقابل 43%)، وأخيراً المفوض العام للشرطة داني ليفي الذي حصل على 39% مقابل 43%. بالمجمل، تعكس نتائج الاستطلاع تباينات حادة في المواقف تبعاً للانتماء القومي (يهود- عرب)، والسياسي (يمين، وسط ويسار) والديني (علماني- متديّن)، حيث نالت الشخصيات المرتبطة بالقضاء دعماً في أوساط اليسار والعلمانيين، مقابل انتقادات شديدة من اليمين والمتدينين، فيما تم تقييم الشخصيات الأمنية (وخاصة رئيس الأركان) بشكل أفضل في أوساط اليمين والمتدينين.

  1. فرص التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح جميع الأسرى والمحتجزين

تُشير نتائج الاستطلاع الأخير إلى أن الأغلبية عبّرت عن تشاؤمها من إمكانية التوصل إلى صفقة كهذه قريباً (57.5%) مقابل أقليّة أعربت عن تفاؤلها (36.5%). وبحسب الانتماء القومي: بين اليهود: 62.5% أعربوا عن تشاؤمهم (فقط 31% أبدوا تفاؤلاً)، أما بين العرب: 63% أعربوا عن تفاؤلهم، وفقط 34% أعربوا عن تشاؤمهم. هذا يعني أن الوضع معكوس تماماً بين اليهود والعرب: في حين يطغى التشاؤم بين اليهود، يسود التفاؤل في أوساط العرب. وبالمقارنة مع استطلاع آب 2024، يتضح أن الفارق كان ثلاثة أضعاف في آب 2024، والآن أصبح الضعف تقريباً فقط.

بحسب الانتماءات السياسية: نسبة المتفائلين بين جمهور اليمين تبلغ 39%، وهي أعلى بكثير من نسبة المتفائلين في الوسط (19%) واليسار (15%). ومع ذلك، في جميع المعسكرات، فإن الأغلبية تعبّر عن تشاؤم: اليمين: 53.5% متشائمين، الوسط: 76%، اليسار: 83.5% ومن الممكن أن تكون القناعة بأن الآلية التي تنتهجها الحكومة اليمينية ستؤدي في النهاية إلى صفقة لإطلاق سراحهم تلقى رواجا أكبر بين أنصار اليمين، رغم أن المتفائلين بينهم ما زالوا يشكّلون أقلية.

  1. الاحتجاجات الداخلية المطالبة بإعادة الأسرى والمحتجزين ووقف الحرب

تطرّق الاستطلاع إلى مسألة الاحتجاجات الداخلية الداعية لإعادة الأسرى والمحتجزين وإن كان ثمن ذلك وقف الحرب، حيث طرح سؤال على المشاركين في الاستطلاع بشأن موقفهم من قرار قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومير بار، الذي بموجبه أنهى الخدمة الفعلية للطيارين الذين وقعوا على عريضة الاحتجاج التي طالبت بإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين حتى لو كان ذلك يعني وقف الحرب. السؤال كان يهدف إلى معرفة رأيهم في ما إذا كان تصرفه صائباً أم خاطئاً، علماً أن الرسالة التي وقع عليها الطيارون لم تتضمن أي إعلان عن رفض الخدمة العسكرية: على مستوى العينة العامة، أظهرت النتائج أن غالبية المشاركين (51%) اعتبروا أن تومير بار تصرّف بشكل غير صحيح، مقابل 39% اعتبروا تصرفه صحيحا، في ما اختار 10% من المشاركين الإجابة بـ "لا أعرف".

عند فحص النتائج وفقاً للانتماء القومي، تبين أن رأي العرب مال بشكل كبير إلى أن قائد سلاح الجو لم يتصرف بشكل صحيح، حيث عبّر 56% من العرب عن هذا الرأي، بينما فقط 27% رأوا أنه تصرف بشكل صحيح، أما بين اليهود فكانت النسبة أكثر تفاوتاً حسب الانتماء السياسي: ففي جمهور اليسار، كانت النسبة الأكبر (85%) ترى أن بار تصرف بشكل غير صحيح، بينما 15% فقط رأوا أنه تصرف بشكل صحيح؛ في جمهور الوسط، كانت النسبة 71% ممن اعتقدوا أن بار تصرف بشكل غير صحيح، في حين أن 29% فقط رأوا أنه تصرف بشكل صحيح، أما في أوساط جمهور اليمين، فقد كانت الآراء أكثر تبايناً، حيث اعتقد 56% من المشاركين في هذا المعسكر أن بار تصرف بشكل صحيح، بينما 44% فقط رأوا أنه تصرف بشكل غير صحيح. إجمالاً، تشير هذه النتائج إلى وجود انقسام واضح بين مختلف الفئات السياسية في إسرائيل بشأن تصرف قائد سلاح الجو، ففي الوقت الذي تبنّى فيه اليسار والوسط موقفاً سلبياً بشكل واضح من هذا القرار، كان اليمين أكثر ميلاً لتأييده، وعلى الرغم من أن اليمين يشكل أغلبية تؤيد القرار، إلّا أن هذه الأغلبية ليست كبيرة بشكل استثنائي، وهو ما يعكس حالة التباين الواسعة في الرأي العام الإسرائيلي بشأن هذه القضية، ويعكس الانقسامات الداخلية التي تشهدها إسرائيل في الوقت الحالي.

من ناحية أخرى، طرح الاستطلاع سؤالاً حول مشاركة جنود الاحتياط في التظاهرات والتوقيع على العرائض خلال الخدمة الفعلية، وقد أظهرت النتائج أن مسألة حيادية المؤسسة العسكرية في إسرائيل تثير جدلاً واسعاً في أوساط الجمهور، خصوصاً حين يتعلق الأمر بمشاركة جنود الاحتياط في النشاط السياسي أثناء خدمتهم الفعلية. وعلى الرغم من أن الرأي العام اليهودي يميل إلى رفض هذا النوع من الانخراط السياسي، فإن الانقسام داخل هذا الجمهور يعكس الفروقات الأيديولوجية بين مكوناته: ففي معسكر اليسار، يُنظر إلى التظاهرات والتعبير السياسي كجزء من الحقوق الأساسية، حتى ضمن الخدمة العسكرية، وهو ما يفسر النسبة المرتفعة للموافقة على هذه الأفعال (82%). بينما يميل معسكر الوسط إلى الاعتراف بشرعية هذه الأفعال ولكن بحذر نسبي (62%). أما اليمين فموقفه واضح برفض الغالبية (69%) لفكرة انخراط جنود الخدمة الفعلية في أي نشاط سياسي.

  1. المفاوضات الأميركية- الإيرانية: أمن إسرائيل، الملف النووي، ودور الولايات المتحدة

في ظل المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي الإيراني، طُرِح سؤال حول مدى اعتبار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمن إسرائيل كعامل مركزي في هذه المحادثات، وقد أظهرت النتائج أن الرأي العام منقسم: حوالي 45% من المستطلعين يعتقدون أن أمن إسرائيل سيكون بالفعل اعتباراً مركزياً (بدرجة كبيرة أو كبيرة جداً)، في حين ترى نسبة مشابهة أن المسألة ستكون ذات أهمية ضئيلة في الاعتبارات الأميركية. عند تحليل الآراء وفق المعسكرات السياسية لدى اليهود، تظهر فروقات واضحة: في معسكر اليمين، أعرب 54% عن إيمانهم بأن أمن إسرائيل سيكون محوراً مركزياً في حسابات ترامب. أما في الوسط واليسار، فقد عبر فقط ثلث المستطلعين (35%) عن هذا الموقف، ما يعكس تصورات مختلفة لموقف الولايات المتحدة من إسرائيل بين التيارات.

أما بخصوص الموقف من توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران، فقد تم طرح سؤال "هل توافق أو لا توافق على أن على إسرائيل شن هجوم عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية حتى بدون موافقة أميركية؟" وقد أظهرت النتائج انقساماً في الرأي العام: 45% وافقوا على ضرورة القيام بالهجوم بدون إذن أميركي، مقابل 41.5% عارضوا ذلك، أما بين العرب، فقد عارضت الغالبية العظمى (76%) الفكرة.

في هذا السياق، تتضمن نتائج الاستطلاع تحليلاً لتطور الموقف من توجيه ضربة عسكرية لإيران دون موافقة أميركية خلال الفترة (2012-2025)، حيث طُرح السؤال لأول مرة في العام 2012، ومنذ ذلك الحين، أُعيد طرحه عدة مرات: العام 2012، كانت نسبة الدعم للهجوم منخفضة نسبياً (31%)، ثم ارتفعت في السنوات التالية: شباط 2021: 41%، تشرين الثاني 2021: 51%، أيلول 2022: 49%، أما في نيسان (2025) فقد بلغت 45%. وهذا يُشير إلى أن نسبة التأييد للعمل العسكري بلغت ذروتها في أواخر 2021 ثم بدأت في التراجع تدريجياً، ما قد يعكس تغيّرات في البيئة الإقليمية أو ثقة الجمهور الإسرائيلي بإستراتيجية الردع الإسرائيلية.

  1. إسرائيل بعد 77 عاماً: الإنجازات في مقابل الإخفاقات؟

تضمّن الاستطلاع توجيه سؤال إلى الرأي العام حول تقييمه العام لحصيلة إنجازات الدولة في مقابل إخفاقاتها حتى الآن (بعد مرور 77 عاماً)، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن ما يقارب نصف المستطلَعين (48%) يرون أن إنجازات إسرائيل تفوق إخفاقاتها، بينما رأى حوالي الربع (23%) أن هناك توازناً بين النجاحات والإخفاقات. في المقابل، أشار 19% إلى أن الدولة شهدت عدداً أكبر من الإخفاقات مقارنة بالنجاحات. وهذه النتائج تشبه إلى حدٍّ كبير استطلاع للرأي أُجري العام 2022 في عهد حكومة بينيت– لبيد، حيث كان الاتجاه العام مشابهاً: الأكثرية النسبية- وإن لم تشكّل أغلبية- اعتبرت أن النجاحات تفوق الإخفاقات، ومع ذلك، فإن هذه النسبة ما زالت أدنى مما كانت عليه في استطلاع العام 2020، حين عبّرت غالبية واضحة عن اعتقادها بأن نجاحات الدولة تفوق إخفاقاتها بفارق أكبر. ووفقاً للانتماءات السياسية لدى الجمهور اليهودي، تظهر الفوارق المعتادة: في جميع المعسكرات السياسية (اليمين، الوسط، واليسار) كانت النسبة الأعلى لصالح من يرون أن النجاحات أكثر من الإخفاقات، لكن هذه النسبة كانت الأقوى في معسكر اليمين، حيث اقتربت من الثلثين بينما بقيت دون 50% في الوسط واليسار.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات