المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تقول سلسلة تقارير اقتصادية إن أحد جوانب الأزمة الاقتصادية في إسرائيل هو التراجع الحاد في استهلاك الجمهور، الذي برز في قطاع الأغذية الأساسية، إلى جانب مواد التنظيف والمعقمات؛ في حين شهدت باقي جوانب قطاع الأغذية، مثل المنتوجات غير الأساسية، وشبكات المطاعم والمقاهي على أنواعها، تراجعا حادا، إلى درجة الانهيار التام، كما هي حال المطاعم والمقاهي، المغلقة تماما بفعل تعليمات الإغلاق العام، والحد من حركة الجمهور.

وحسب تلك التقارير، فقد أنفق المواطنون في إسرائيل على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، أكثر بمليار شيكل من المعدل في ثلاثة أسابيع، في استهلاك الطعام والمشروبات في محلات السوبر ماركت، مما قد يخلق انطباعا بأن شبكات التسوق الغذائية والبيتية الكبرى، لم تطالها الأزمة، إلا أنه على الرغم من هذا الحجم الذي قد يبدو كبيرا للصرف، إلا أن القطاع الغذائي ككل، بما يشمل محلات التسوق والمطاعم والمقاهي على كافة مستوياتها، كان الصرف فيه أقل بنسبة 25% من معدل الصرف في ثلاثة أسابيع عادية في القطاع الغذائي، لأن الصرف كان على المواد الاستهلاكية الأساسية.

فالصرف في قطاع المطاعم والمقاهي على مختلف أنواعها ومستوياتها، يصل سنويا إلى 37 مليار شيكل، وبعد ضم محلات وشبكات التسوق الغذائية والبيتية، فإن اجمالي الصرف يصل إلى 120 مليار شيكل سنويا، وهو ما يعادل حاليا 33 مليار دولار.

ويقول إيال ميلس، الرئيس التنفيذي لشركة الألبان والأجبان الأكبر "تنوفا"، التي مبيعاتها تصل إلى 25% من سوق المواد الغذائية الأساسية، إن قطاع الفنادق والمطاعم والمقاهي وما شابه، واجه في الأسابيع الثلاثة الأخيرة "انهيارا تاما، ولا يوجد تعبير آخر لحالته"، وهذا سيعمّق أزمة هذا القطاع في المستقبل، حتى بعد انتهاء الأزمة القائمة.

وحسب ميلس، فإنه حتى شركته تراجعت مبيعاتها في شهر آذار الماضي بما بين 35% إلى 40%، وحسب توقعات شركته، فإن نسبة تراجع المبيعات في شهر نيسان الجاري قد تصل إلى 50%. وهذا كما يبدو متعلق بالصرف على المنتوجات غير الأساسية التي تنتجها الشركة، مثل منتوجات الألبان المصنعة، وغالية الثمن.

وفي حسابات ميلس، فإن الصرف على عيد الفصح العبري، سيكون هذا العام أقل من المعدل القائم في كل عام، أيضا في قطاع الغذاء الأساسي، ومقابل هذا التراجع، فإن شركة "تنوفا" كباقي الشركات التي سمحت لها الحكومة بمواصلة عملها، ارتفعت كلفة الإنتاج لديها، بسبب أنظمة السلامة الصحية المفروضة، مثل شراء الكمامات ومواد التعقيم، ونقل العاملين إلى أماكن العمل، بسبب تراجع حركة المواصلات العامة، وزيادة عدد سيارات نقل العاملين، كي لا يكون اكتظاظ فيها، وغيرها من المصروفات الطارئة.

وبحسب تقرير صحيفة "ذي ماركر"، فإن الضرر الأكبر تلقته شركات المشروبات العادية، والمشروبات الكحولية، التي انخفضت مبيعاتها حتى في محلات التسوق الغذائية، ناهيك عن وقف الاستهلاك في شبكات المطاعم والفنادق.

وهذه الحال انعكست على واقع كبرى شركات المشروبات، وأولها "الشركة المركزية للمشروبات"، التي تسوّق مشروبات كوكاكولا في إسرائيل، فقد أخرجت الكثير من العاملين لديها، إلى عطلة ليست مدفوعة الأجر، بمعنى أنهم تحولوا إلى عاطلين مؤقتين عن العمل، ليتلقوا مخصصات بطالة، ولكنهم لن يفقدوا بعد أماكن عملهم، إلى حين انتهاء الأزمة.

كما أن شركة المشروبات الثانية من حيث حجمها، شركة "طيمبو" والتي تسيطر على 30% من سوق المشروبات، أخرجت قسما كبيرا من العاملين، ووكلاء التسويق والمبيعات إلى عطلة ليست مدفوعة الأجر، في حين أن قسما آخر من العاملين، تم تقصير أسبوع عمله.

وتتخوف شركات المشروبات على وجه التحديد، من أن انعكاسات الأزمة ستطالها إلى أمد أكثر من أمد انتهاء أزمة انتشار فيروس كورونا، وبضمن هذه التخوفات، أن تؤدي حالة الإغلاق، والمكوث في البيوت، إلى تغيير نمط الاستهلاك الذي كان قائما، حتى اندلاع الأزمة، وأن تصبح لدى الجمهور قناعات أخرى، من بينها تخفيف الاستهلاك مستقبلا في قطاع الأغذية التي لا تبدو استهلاكية أساسيا. كما أن التخوف من اندلاع جديد للأزمة، مثلا في فصل الشتاء المقبل، يدفع قطاعا واسعا من الجمهور إلى أن يقتصد في مصروفاته، كي يكون في حالة قدرة على المواجهة أكبر حينها. يضاف إلى هذا، في تقديرات شركات الأغذية الكبرى، أن القدرة الشرائية لدى الجمهور ستتراجع بشكل ملموس، لأنه عند الذين باتوا في عداد العاطلين عن العمل، وفي غالبيتهم الساحقة فرضت عليه عطلة ليست مدفوعة الأجر، وسيتقاضون مخصصات تتراوح ما بين 40% إلى 70% من رواتبهم، وعند ذوي المداخيل العالية، فإن الضرر يكون أضخم. وهذا التراجع في مداخيل العائلة، سينعكس عليها سلبا لفترة ما بعد الأزمة، إذ ستتكدس عليها التزامات مالية، تحتاج لتسديدها.

ولكن نظرة التخوف هذه تقابلها نظرة معاكسة كليا، كتلك التي لدى خبراء في وزارة المالية، الذين يتوقعون أنه بعد انتهاء الأزمة، فإن الاستهلاك الفردي سيتعاظم، ما سيساعد على سد قسم جدي من الخسائر الاقتصادية، مستندين بذلك إلى أجواء الحروب التي أدت إلى تراجع حجم الاستهلاك، وبعدها عاد الاستهلاك ليكون بوتيرة أكبر، ما أدى إلى سد الفجوة.
وحسب ما ورد في تقرير "ذي ماركر" وغيره من التقارير الاقتصادية، فإن الضربة القاسية التي تلقاها قطاع المطاعم والمقاهي، لن تتوقف عند حد وقف كلي للمبيعات، وهذا سينعكس على مستقبل الكثير من المطاعم والمقاهي، خاصة الواقعة تحت التزامات مالية سابقة، إن كانت قروضا لتعزيز الاستثمار، أو إيجارات المحلات، التي تعد من الأعلى في العالم، خاصة في المدن والمراكز الكبرى، إضافة إلى ضريبة المسقفات، التي أعلنت الحكومة أنها ستعمل على تخفيضها للشركات والمصالح الاقتصادية في فترة الأزمة. ما يعني من ناحيتهم، أنه حتى لو عاد عمل قطاعهم إلى مستوياته السابقة، فإنه لأشهر طويلة تكون مهمة أصحاب هذه المرافق تسديد التزامات سابقة.

وفي سعي لتقليص الضرر، فقد سمحت الحكومة للمطاعم وشبكات الطعام، خاصة تلك التي تقدم أطعمة سريعة، بأن تعمل مقابل التسليم الفوري، وعدم جلوس الزبائن في المطاعم، مع تقييدات مشددة على عدد المتواجدين في كل محل، وأيضا البيع عن طريق شبكة الانترنت، مقابل التوصيل إلى البيوت.

والشراء عبر الانترنت أوجد ضغطا كبيرا على محلات السوبرماركت الضخمة، التي لم يعد بإمكانها تغطية كافة الطلبات، وخاصة في المدن الكبرى، لأن تجميع الطلبيات بحاجة إلى قوى عاملة، ولا يمكن زيادة القوى العاملة، لأن هذه مبيعات مواد أساسية غالبا، ولا توجد جدوى مالية من توظيف عمال لها، إضافة إلى كلفة إيصال البضائع، لذا ففي غالب شبكات التسوق يتم الطلب من الزبائن الحضور إلى السوبرماركت لأخذ ما طلبوه.

من ناحية أخرى، قالت شبكات المطاعم ومحلات الأطعمة السريعة إنها شهدت في شهر آذار الماضي ارتفاعا بنسبة 17% في الطلبيات للبيوت، وتتوقع ارتفاع النسبة إلى 24% مما كانت عليه في الأيام العادية، ولكن أكدت أن حجم المبيعات لا يغطي الخسائر الناجمة من إغلاق المحلات كليا في وجه الجمهور.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات