المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صعدت الحاخامية اليهودية الإسرائيلية العليا في الآونة الأخيرة إجراءاتها في كل قضايا الحلال اليهودي، فمن ناحية بدأت ترفع دعاوى قضائية ضد متاجر ومطاعم وشركات انتاج، بعد أن تلقت ضوءا أخضر من المستشار القانوني للحكومة. ومن ناحية أخرى، صعّدت إجراءاتها ضد المستوردين، وحتى شركات انتاج الأغذية في الخارج.

ففي الأيام الأخيرة، تلقت الحاخامية العليا ضوءا أخضر من المستشار القانوني للحكومة، بأن تقدم لوائح اتهام ضد من تعتبرهم خارقي أنظمة الحلال اليهودي التي تفرضها، وبضمنهم من يعلنون عن أن مطاعمهم تقدم طعاما بموجب الحلال، بحسب اشرافهم الشخصي، وليس من خلال شهادات الحاخامية العليا، المُكلفة. وهذا يعني الحفاظ على احتكارية الحاخامية العليا لإصدار شهادات الحلال.

وحتى صدور قرار المستشار للحاخامية العليا، كانت صلاحية توجيه لوائح اتهام في ما يتعلق بخرق أنظمة الحلال، هي للنيابة وحدها، وغالبا ما تكون هذه لوائح اتهام أمام محاكم إدارية تنتهي بدفع غرامات بهذا المستوى أو ذاك، وفي السنوات الست الأخيرة، بلغ عدد لوائح الاتهام من النيابة 189 لائحة.

وتؤدي أنظمة الحلال والقيود الشديدة عليها، واحتكار إصدارها من الحاخامية العليا، عدا تلك التي تصدرها مؤسسات الحريديم، إلى رفع أسعار الأغذية بشكل حاد. وبحسب كل الأبحاث والتقارير، منها الرسمية أو الخاصة، فإن أسعار المواد الغذائية في إسرائيل أغلى بنسبة 25% من أسعارها في العالم، مقارنة مع مستويات الدخل، ومستوى المعيشة. والارتفاع الأعلى نجده في أسعار اللحوم، التي هي أعلى بنسبة 30% مقارنة بأسعارها في العالم.

وفي الفترة الأخيرة، بدأت الحاخامية في رفع دعاوى بتهم جنائية ضد المطاعم التي يزعم أنها انتهكت قانون حظر الاحتيال في مسألة الحلال. ولكن على الرغم من أن خرق الحلال يعد "جُرما جنائيا"، إلا أن الأحكام فيها تتلخص فقط بالغرامات المالية. وحسب ما نشر، فإن أولى التهم التي تم توجيهها كانت لمطعمين في القدس وحيفا، يرفضان دفع الغرامات المفروضة عليهما من قبل الحاخامية، بتهمة الاحتيال على أنظمة الحلال.

ولكن ليس الحاخامية وحدها، ففي الأيام الأخيرة قدم عدد من الإسرائيليين دعوى قضائية جماعية، ضد شركات المكملات الغذائية، مطالبين بتعويضات مالية، تعادل 4 ملايين دولار، بزعم أن شركات الإنتاج والتسويق انتهكت قانون حظر الاحتيال في أنظمة الحلال. وزُعم أن الملصقات على ظهر عُلب وأغلفة المكملات الغذائية، تنص على أن المنتج "مسموح باستخدامه وفقا لقواعد الحلال". هذا في حين لم يتم إعطاء المكملات الغذائية شهادة حلال من قبل الحاخامية العليا. وتشكل الدعوى الجماعية محاولة أولى لتطبيق قانون حظر الاحتيال في الشريعة اليهودية. ويمنح هذا القانون الحاخامية العليا احتكارا لكلمة "حلال"، ويُحظر على هيئات دينية خاصة أخرى استخدامها، أو اصدار شهادات بشأنها.

وقضية الحلال، واحتكار الحاخامية العليا، كانت أحد الملفات الساخنة في حكومات بنيامين نتنياهو الأخيرة، ولكن كل المحاولات لكسر هذا الاحتكار، في إطار السعي لكسر كلفة المعيشة، باءت بالفشل، لأن كتلتي الحريديم شكلتا الركيزة الأقوى للحكومة، ولتحالف نتنياهو المباشر. كذلك لم توقف الحكومة كل مساعي الحاخامية العليا للحفاظ على احتكارها، مثل أنها عرقلت على مدى السنوات القليلة الأخيرة، استيراد العديد من البضائع، التي كان من المفترض أن تنافس بضائع قائمة في السوق، ومن شأن الاستيراد أن يخفض أسعار بعض أصناف البضائع.

وتتذرع الحاخامية تارة بنقص الوظائف الكافية لاستصدار شهادات الحلال للبضائع المستوردة، وتارة أخرى بضرورة أن تجري فحوصات أدق على هذه البضائع. إلا أنه في التقارير الواردة هناك تلميحات إلى أن الحاخامية تلعب دورا لصالح بعض الاحتكارات، فيما طالب محللون بوضع حد لمسألة الحلال، وتأثيره على الأسعار العالية. كما منعت الحاخامية تعديلات على قانون الاستيراد القائم، التي بادرت لها الحكومة في الولاية البرلمانية الـ 20، بزعم أن التعديلات، تشكل عبئا اضافيا على الحاخامية، وأن الحكومة التي زادت عدد الملاكات في وزارة الصحة، لتكون قادرة على استيعاب اتساع الاستيراد الغذائي، لم تمنح في ذات الوقت الحاخامية ملاكات اضافية. وحسب الحاخامية، فإنها بحاجة أيضا إلى فحص مدى صحة شهادة الحلال الممنوحة لشركات الكحول، وأنه حاليا ليس لديها القدرة لتحديد هذا.

قيود على الإنتاج والاستيراد من الخارج

ولا تتوقف قيود الحاخامية عند السوق الإسرائيلية، بل أيضا تشمل الشركات في الخارج التي تنتج وتصدر لإسرائيل. ففي الأيام الأخيرة، أوقفت الحاخامية شهادة الحلال عن مصنع الأجبان "غاوده" في بولندا، الذي يملكه إسرائيليان، أحدهما رامي ليفي، صاحب واحدة من أكبر شبكات تسويق الأغذية في البلاد. وتطالب الحاخامية بإجراءات أكثر تشددا لضمان مواصفات الحلال التي تريدها، وهي مواصفات تحتاج إلى إنفاق مالي كبير، من شأنه أن يرفع سعر المنتوج أكثر.

ووفقا للمستوردين، في حديثهم لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فقد بدأت مؤخرا الحاخامية في تشديد مطالبها، مما أدى إلى تأخير في استيراد المنتجات الغذائية.

كما أن هذه التشديدات شملت بضائع باتت على رفوف المتاجر، ما اضطر أصحاب الشبكات لسحبها، وبضمن هذه البضائع أغذية وشوكولاته، وخضروات معلبة، ومنتجات تحتوي على الفراولة والبيستو وبضائع أخرى. وهذا يتسبب في نقص المخزون ورفع الأسعار. ويخشى بعض المستوردين من أن يكون في خلفية هذا تنسيق بين الحاخامية ومستوردين كبار، لضرب المنافسة لصالحهم. وقالت غرفة التجارة الاسرائيلية إنه تم بالفعل تعليق أكثر من ألف طلب استيراد.

وفي اجراء نادر، قرر صاحب شبكة التسوق رامي ليفي، المنتشر بشكل خاص في المستوطنات، ومناطق أخرى داخل إسرائيل، وقف التعامل مع مبعوثي الحاخامية العليا، للإشراف على الحلال في متاجره، وبشكل خاص في متاجر الأحياء الصغرى. وردت الحاخامية بفرض غرامات عليه، والتلويح بتقديمه للمحاكمة.

كلفة مراقب الحلال 290 دولار يوميا

الصحافي آفي بار إيلي من صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية طرح في تقرير له مشهدا لعمل مراقبي الحلال في الخارج، الذين رافقهم مؤخرا، لأحد مصانع الأجبان الصفراء في بولندا، التي تصدر إلى إسرائيل، ويصف طريقة عملهم، التي تقتصر على بضع ساعات أسبوعيا، رغم أن المصنع إياه يعمل 24 ساعة يوميا، وطيلة أيام الأسبوع في حين أن الأجبان التي ستحصل على شهادة حلال يهودي، لا يتم صناعتها في ساعات السبت اليهودي، من مغيب شمس يوم الجمعة، وحتى بعد ساعة من مغيب شمس يوم السبت.

ويقول بار إيلي إنه من أجل تصدير 80 طنا من هذه الأجبان، تم ارسال 8 مراقبين من الحاخامية العليا، وعليهم مراقبة حظائر البقر، وأن تكون الأبقار نظيفة، وكذا عملية الحلب، حتى وصول الحليب إلى المصنع، ومراقبة دقيقة للإنتاج حتى التغليف. ويشرح كيفية عمل المراقبين، التي يتضح أنها جزئية وانتقائية، مقابل كلفة عالية للمراقب الواحد في اليوم الواحد، وتصل إلى ألف شيكل، ما يقارب 290 دولار، مهما عمل من ساعات قليلة في اليوم.

وجاء في التقرير أن الجبنة الصفراء من صنف "عَلما" التي تستوردها شركة "نيطو" الإسرائيلية، من المصنع الذي تم اختباره في بولندا، تباع للمستهلك في إسرائيل، بما بين 4 إلى 6ر4 شيكل، لكل 100 غرام؛ بينما الجبنة الصفراء ذاتها تباع في شبكات تسويق إسرائيلية كبرى بأقل من 4 شواكل. وفي المقابل، فإن الجبنة الصفراء الأكثر انتشارا التي تنتجها وتبيعها شركة "تنوفا" الإسرائيلية، والتي باتت بملكية صينية، تباع بما بين 6 إلى 8 شواكل، لكل 100 غرام، بمعنى ما يقارب ضعف سعر جبنة "علما"، وهذا بسبب كلفة مراقبة الحلال، والأنظمة المفروضة على الإنتاج في الخارج.

وكما ذكر، تُقدر كلفة الموظف المؤقت في الخارج بـ ألف شيكل (290 دولار تقريبا)، وهذا يشمل كلفة السفر والإقامة في الفنادق والغذاء ونفقات مختلفة. ويزور مراقبو الحلال المصنع أربع مرات في السنة لمدة أسبوع واحد في كل زيارة، وفي مجموعات لا تقل عن ستة مراقبين. وتبلغ التكلفة حوالي 200 ألف شيكل سنويا (58 ألف دولار)، وهذا يعادل ما بين 2% إلى 5% من قيمة مبيعات الجبنة المستوردة، بينما تتجاوز الكلفة في اللحوم المستوردة، نسبة 10% من قيمة المبيعات وحتى أكثر.

وليس من قبيل الصدفة أن وزارة المالية في العام 2016 وجدت أن متطلبات التدريب الحاخامية لصناعة المواد الغذائية تتجاوز 4 مليارات شيكل في السنة (حوالي 5% من قيمة مبيعات الأغذية).

ولكن ليس هذا وحده، ففي كثير من الأحيان، تم الكشف عن قضايا فساد ورشاوى في جهاز مراقبة الحلال، وواحدة من هذه القضايا الكبيرة، تكشفت قبل نحو عام، حينما تم كشف تلقي الحاخام يتسحاق كوهين أرازي رشى كي يصدر شهادات حلال للمستوردين.

وعمل أزاري 24 عاما في اصدار شهادات الحلال، وقبل نحو عام، تم توثيقه وهو يتلقى مغلفات فيها أموال نقدية، وتم اعتقاله. وجنبا إلى جنب معه، تم القبض على عشرة مستوردين آخرين للاشتباه بدفع الرشوة واللوائح التي يتم استخدامها بطريقة مشوهة وتعسفية، لغرض التضييق على إمكانيات المنافسة من جهات تجارية أخرى.

وحسب ما ورد، فإن رفض تعديل قانون إجراءات الحلال، بقصد كسر احتكار إصدار شهادات الحلال، وخاصة في الظروف الاقتصادية القائمة، هو لغرض ضمان استمرار الاحتكارية، وبالتالي تحقيق الأرباح. وهذا الرفض مدعوم من الحكومة، التي تعارض أيضا كسر احتكارات إدارية في العديد من القطاعات، مثل الحكم المحلي، والشركات الحكومية، وغيرها، وهذا كله يدفع ثمنه المستهلك والمواطن العادي، الذي سيستمر في المعاناة من ارتفاع كلفة المعيشة.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات