المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في أواخر كانون الثاني الفائت توفي الخبير القانوني الإسرائيلي موشيه نغبي عن عمر يناهز 68 عاماً. وقد تخصّص طوال مسيرته المهنية في متابعة انتهاكات حقوق الإنسان، ودور وسائل الإعلام، ووسائل الحفاظ على الديمقراطية ونزاهة الحكم.

ويُعدّ كتابه "أصبحنا مثل سدوم: في المنزلق من دولة قانون إلى جمهورية موز"، الصادر عن منشورات "كيتر" في تل أبيب، في خريف 2004، من أهم مؤلفاته.

وسدوم وعمورة، بحسب ما جاء في القرآن الكريم والعهد القديم، مجموعة من القرى التي خسفها الله بسبب ما كان يقترفه أهلها من مفاسد، وفقاً لما جاء في النصوص الدينية. والقصة مذكورة بشكل مباشر وغير مباشر في الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية. ويعتقد كثيرون من الباحثين وعلماء الدين أن القرى التي خسفها الله تقع في منطقة البحر الميت وغور الأردن، وبحسب المصادر العبرية فإن القرى هي سدوم، عمورة، أدومة، وصبييم.

هنا قراءة في الكتاب ظهرت في "المشهد الإسرائيلي" تزامناً مع صدوره، والعودة إليها تؤصّل أموراً كثيرة تحدث في إسرائيل الآن، وترتبط بأداء وسائل الإعلام والنخب السياسية، خاصة فيما يتعلق بنزاهة الحكم:

حين تخاف سلطات الدولة من أعداء القانون والديمقراطية

يعرض الخبير القانوني الإسرائيلي موشيه نغبي في كتاب "أصبحنا مثل سدوم: في المنزلق من دولة قانون إلى جمهورية موز"، بأناة وتفصيل، وقائع واشية بما يعتبره "فشلاً ذريعاً لمنظومة أجهزة سيادة القانون (الإسرائيلية) في حماية الديمقراطية" من مخاطر الذين "يحاولون تدميرها وتقويضها من الداخل" لغاياتهم المخصوصة، والتي ليس أبسطها التغطية على الفساد المستشري في قمة هرم السلطة.

والنتيجة النظرية التي يخلص إليها هذا الكتاب عموماً مؤداها أنه "لا نهضة ترجّى من دولة تخاف سلطاتها من أعداء القانون والديمقراطية، بدلا من أن يكون سلوكها نقيض ذلك جملة وتفصيلا".

في تظهير الكتاب، الذي في مكنتنا أن نعتبره غير مسبوق في "المكتبة الإسرائيلية"، نقرأ ما يلي:

"إن عصابات الإجرام المنظّم تزرع العنف في شوارع إسرائيل. وأذرعها تتغلغل في سلطات النظام الحاكم وتهدّد بأن تمسّ الديمقراطية من الداخل. قتلة، مغتصبون، أزواج عنيفون وتجار نساء يتجولون بيننا طلقاء بسبب حدب المحاكم. أماكن لوائح المرشحين للكنيست تباع في وضح النهار عدّاً ونقداً أو بما يوازي النقود، والساسة الذين يشترونها هم الذين يشرّعون قوانيننا... مواطنون عاديون يُسامون مرّ العذاب في غياهب السجون والمعتقلات دونما ذنب اقترفوه، بينما يواصل مسؤولون كبار، استغلوا مناصبهم لتحسين وضعيتهم ووضعية المقربين منهم، جريهم نحو القمة من دون حسيب أو رقيب. القضاء العسكري يمنح حصانة للقادة الذين أهدروا بإهمالهم الإجرامي حياة جنودهم أو استغلوا جندياتهم جنسياً، وأيضاً للذين ينكلون بالفلسطينيين. الإعلام الباحث عن الحقيقة، اللاسع، يفقد نيوبه ويأخذ مكانه إعلام امتثالي وفاسق. والأفظع من كل هذا أن سلطات القانون مشلولة تماماً إزاء التحريض والعنف الديني- القومي، اللذين سبق لهما أن أديا إلى اغتيال رئيس للحكومة" (المقصود اغتيال إسحاق رابين عام 1995).

مؤلف الكتاب موشيه نغبي، الذي يدرّس في الجامعة العبرية في القدس ومجال اختصاصه هو جهاز العدل الإسرائيلي وحرية الصحافة في إسرائيل، يشغل أيضاً منذ العام 1981 وظيفة معلق الشؤون القانونية في سلطة البث الإسرائيلية. وقد صدرت له عدة كتب في مجال اختصاصه هذا كان آخرها بعنوان "حرية الصحافة في إسرائيل" (1995). وقبل هذا الكتاب أصدر في الموضوع نفسه مؤلفاً بعنوان "نمر من ورق" (1985) اشتمل على مقارباته بشأن الصراع على حرية الصحافة في إسرائيل.

في واقع الأمر فإنه منذ هذا المؤلف الأخير رأى نغبي أن الصحافة الإسرائيلية أدارت ظهرها بنموذجية بالغة لرسالتها الأساسية، وهي أن تكون "كلب حراسة للديمقراطية"، كما درجت العادة على القول، وتنازلت طوعاً عن تحصين حقوقها في صيغ قانونية، فلم يتم تشريع قانون يضمن حرية الصحافة ولم تصارع الصحافة الإسرائيلية ذاتها من أجل تشريع مثل هذا القانون. وهذا الواقع، فضلا عن عوامل أخرى فيه ليست أقل أهمية، أتاح للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة إمكان أن تمسك بتلابيب الصحافة وأن تحكم شيئاً فشيئاً قبضتها حول خياراتها، على صعيدي الأداء والمضامين.

يصبّ نغبي جام نقده، فيما يتعلق بتدهور "أوضاع سيادة القانون في إسرائيل" إزاء قضايا الفساد بالتحديد، على عنوانين رئيسين: الأول سلطات تطبيق القانون، وبالأساس مؤسسة المستشار القانوني للحكومة. والثاني الصحافة الإسرائيلية. غير أنه لا يوفر سهام النقد حيال السلطة التشريعية (الكنيست) التي لا تبذل في رأيه الجهد الكافي للحدّ من استشراء الفساد المستغول، غير آبهة بما قد يترتب على ذلك من أخطار تحدق بالديمقراطية.

يرى الكاتب، في محور العنوان الأول، أن النيابة الإسرائيلية العامة تكثر في الآونة الأخيرة من بث إشارات تثير الشكوك بشأن قدرتها ورغبتها في القيام بواجبها، الذي يرى أنه واجب ذو حدّين: "بلورة معايير سلوك جديرة، واجتثاث السلوك الباطل من الجذور" في القمة. وكذلك عندما اتهمت شخصيات عمومية من المستوى الأول، على رأسها رئيس الدولة السابق عيزر فايتسمان ورئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، ليس فقط بالشذوذ عن الإدارة السليمة إنما بالحصول على منافع شخصية وعائلية بمقدار مئات آلاف الشواكل أثرت جيوبهم الذاتية والعائلية، قرر المستشار القانوني (رغم نتائج تحقيقات الشرطة وتوصياتها بضرورة مقاضاتهم) عدم تقديمهم إلى المحاكمة، واكتفى بالتوبيخ على "القبح" في أفعالهم وعلى أن الحديث يدور على "أفعال مشينة".

ويؤكد أن هذا التسامح تجاه نبلاء البلد وعمدائه لم يجلب فقط تآكل معايير القمة السلطوية والخدمة العامة كلها، بل أدى أيضاً إلى زعزعة الثقة في جودة اعتبارات سلطات تطبيق القانون نفسها وفي نزاهة اعتباراتها. وهذا التآكل والزعزعة قاتلان لسلطة القانون. ووفقما حذر الرئيس السابق للمحكمة الإسرائيلية العليا مئير شمغار، عندما أشغل منصب المستشار القانوني للحكومة في العام 1971، فإنه "لا يتم تطبيق القانون فقط من أجل معاقبة مخالفي القانون، بل أيضاً من أجل منع ارتكاب مخالفات إضافية. ولا يمكن منع تجاوز القانون عندما يفقد الجمهور ثقته بطرق عمل السلطات التي تطبق القانون".

وهو ينوّه بأن شمغار لم يكتف في حينه بهذه المطالبة فحسب، بل أيضاً طبّق الأمر. فقد عمل، بإصرار، هو ومن حلّ محله على كرسي المستشار القانوني للحكومة، البروفسور أهارون باراك (الرئيس السابق للمحكمة العليا)، على منع التآكل النموذجي للمعايير وعلى منع زعزعة الثقة بالمساواة أمام القانون. وبخلاف قطبي لقمة النيابة العامة اليوم، لم يكتفيا قط بالتأنيب البلاغي بل أصرّا على تطبيق القانون الجنائي حتى في حالات حدودية ليست جليّة كفايتها (مثل الحصول على رزم هدايا للأعياد)، وبالأساس مع ذوي السلطة والنفوذ. وهذه السياسة الحازمة تم التعبير عنها دراماتيكياً، بشكل خاص، في قرار المستشار القانوني باراك، في نيسان 1977، اتخاذ إجراءات جنائية بسبب حساب دولارات غير مسموح بها كانت في حيازة رئيس الحكومة آنذاك، إسحاق رابين، وعقيلته في الولايات المتحدة.

بناء على ذلك فإن المطلوب استخلاصه هو أن هناك هوة من القيم بين ذلك الإصرار، قبل سنوات جيل كامل، على تنفيذ القانون الجنائي تجاه رئيس الحكومة على "مخالفة قد تكون فنية"، وبين امتناع النيابة اليوم عن تطبيق القانون الجنائي على أعمال فساد واضحة قام بها ذوو النفوذ. "وفي هذه الهوة تتحطم الأخلاقيات العامة في إسرائيل. وعليه، فليست فقط حساسية النيابة للقيم تغيرت من النقيض إلى النقيض منذ قضية حساب الدولارات التابع لرابين، بل وأيضاً الحساسية الأخلاقية لرجال القمة وللإعلام والجمهور كله"، على ما يؤكد نغبي.

لعل التعبير الأكثر بروزا للتآكل النموذجي هو أن هناك العديدين من الجمهور لا يهمهم بتاتاً التستر على الأفعال السيئة لقيادييهم (أو الذين يطمحون لأن يكونوا قيادييهم). والأنكى من ذلك أيضاً أنه لا تهمهم تلك الأفعال السيئة نفسها. ويمكن الانطباع أنه في إسرائيل سنوات الألفين- خلافاً لإسرائيل عام 1977- فإن الأفعال السيئة، وحتى الفاسدة والجنائية بشكل جليّ، لم تمس بعد تأييد الناخبين للمسؤولين عنها. ربما حتى على العكس. وكما هو معروف فإن كشف الشبهات الجنائية ضد رئيس الحكومة أريئيل شارون وعائلته عشية انتخابات 2003 لم يحل دون مضاعفة قوة حزبه (الليكود) في الكنيست. وقد حدثت ظاهرة مماثلة أيضاً في المعركة الانتخابية عام 1999: أدّت إدانة رئيس كتلة "شاس" (الدينية المتزمتة)، آرييه درعي، بتلقي رشوة عشية الانتخابات إلى تعزيز قوة كتلته بشكل دراماتيكي، رغم (وفي الحقيقة بسبب) أن الكتلة لم تنفض نفسها منه ومن جرائمه. وبالطبع، بالذات بعد أن ابتعدت عنه بعد الانتخابات، بدأت قوتها في الانخفاض. أضف إلى ذلك أنه بعد أن دين في المحكمة العليا وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، وندّد به قضاته وكأنه لوّث نظام الحكم الإسرائيلي بـ "مستوى حضاري متدن من الرشوة، تتميز به دول متخلفة وأنظمة فاسدة"، وبينما هو سجين جنائي مع رخصة، ارتسم المجرم درعي باعتباره ثروة انتخابية عشية انتخابات 2003. وكانت الصحف مليئة- حتى في الأيام التي شهدت الكثير من العمليات الانتحارية وضائقة اقتصادية واجتماعية قاسية- بالتحليلات والتخمينات حول المستقبل السياسي للمجرم. الجميع سألوا على من سيسكب هذه المرة صدقاته السياسية أو من سيحرم منها، من منطلق أن هذا الإحسان هو المفتاح السحري لقلوب مئات آلاف الناخبين. حتى الصحافيون تقاطروا عليه وتمنوا استنطاقه. وقد حظي بـ "تغطية صحافية خارجة عن المألوف، غير متناسبة، وبدرجة ما غير أخلاقية أيضاً".

ما العجب والحالة هذه- يتساءل نغبي- أنه فور انتهاء سنوات السجن التي فرضت عليه (السنة الأخيرة منها قضاها خارج السجن) احتل صدارة العناوين بإعلانه أنه سيعود إلى السياسة، حتى أن هذا الإعلان جعله يحظى بتقرير رئيسي فيه الكثير من الإطراء في الملحق الأسبوعي القيّم في صحيفة "هآرتس"(؟).

إن هذا السجود للسياسي الذي دين بالفساد الخطر كان من دون أدنى شك شهادة فقر- قيمي وأخلاقي- للجهاز السياسي والإعلامي كله. فضلاً عن ذلك يعتبر نغبي "قضية درعي"، على كل امتداداتها وتقلباتها وتفرعاتها المعقدة، المثل المحزن جداً لوضع سيادة القانون في إسرائيل، وبالأساس للتدهور السريع في المنزلق الذي ينتهي بالتحطم.

"في الواقع- يقول- يمكن أن نسمع من وراء هذه القضية "أغنية البجع" (مرثية) لإسرائيل كدولة قانون".

تدهور قيمي خطر للصحافة ذاتها

بدرجة ليست أدنى اهتماماً يشدّد المؤلف على الدور المُرتجى من الصحافة. وفي هذا الشأن يؤكد، مراراً وتكراراً، أن ضغوطاً خارجية- اجتماعية وقضائية واقتصادية وغيرها- تمنع الصحافة (المحقّقة) في إسرائيل، أو على الأقل تحدّها، من القيام برسالتها الحيوية كـ"معقّمة من الفساد المستشري في قمة النظام". لكنه يشدّد، في موازاة ذلك، على أن تقلّص مساهمة الصحافة في محاربة الفساد لا يمكن أن يُعزى فقط إلى البيئة القانونية والثقافية والتجارية والاجتماعية التي تعمل من داخلها، وإنما يُعزى أيضاً إلى التدهور القيمي الخطر للصحافة ذاتها، والتي في أجزاء واسعة وسائدة فيها تحولت من إعلام محقق إلى إعلام مستسلم، أي إلى إعلام يلوّح بذنبه تحت أقدام المجرم بدلا من أن ينبح في وجهه، وفي أسوأ الحالات يقوم للمفارقة بـ"التكشير عن أنيابه، بالذات في وجه المسؤولين عن تطبيق القانون".

ويتابع في السياق ذاته: عندما تلوّث الصحافة نفسها بنفسها، فلن يكون من السهل طبعاً أن تقوم بمحاربة الفساد المستشري في القمة الحاكمة عن قناعة وبيد نظيفة. وعندما يتم استضافة الصحافيين مجاناً في الفنادق ويحصلون مجاناً على تذاكر سفر ووجبات ومصالح نفعية أخرى من جهات تجارية وغيرها يقومون بالكتابة عنها- وهذا للأسف أمر شائع للغاية- فإنه يصبح من الصعب عليهم شجب وباء المصالح النفعية في أروقة الجهاز السلطوي والعام، بل على العكس: فهم قد يهاجمون من يحاربون هذا الوباء ويصفونهم بـأنهم "أشخاص مستقيمون وزاهدون فات أوانهم".

في واقع الأمر فإن نغبي لا يُعدّ أول من كتب عن وسائل الإعلام الإسرائيلية وعن ماهية أدائها للدور المفترض بوسائل إعلام الدول الديمقراطية أن تؤديه. ولا ينفك هذا الموضوع يستقطب المزيد من اهتمام الكتاب والباحثين، بعد أن انضافت عليه وقائع جديدة في الآونة الأخيرة. وربما تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى الاستطلاع العام الذي تجريه مرة كل سنتين مجلة "هعاين هشفيعيت" (العين السابعة) المتخصصة في شؤون الاتصال والصادرة عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، والذي ينفرد بتناول أداء وسائل الإعلام من زاوية شديدة الخصوصية- هي زاوية رؤية الصحافيين الإسرائيليين أنفسهم لهذا الأداء.

وقد أشارت النتائج التي توصل إليها استطلاع عام 2004، وهو الثاني من نوعه (نشرت نتائجه في عدد آذار 2005 من المجلة المذكورة)، إلى فجوة كبيرة بين التأثيرات التي عزاها الصحافيون إلى وسائل الإعلام وبين المهمات النموذجية المعوّل على المؤسسات الإعلامية أن تؤديها، في قراءتهم. وفي هذا الصدد مال المستجوبون إلى الاعتقاد بأنه ينبغي على وسائل الإعلام، إلى حد يتراوح بين كبير وكبير جداً، أن تكشف عن فساد الشخصيات العمومية وأن تصاعد التشديد على أن يفي السياسيون بوعودهم تجاه الجمهور الواسع وأن تدفع إلى الأمام قضية الحفاظ على حقوق الإنسان، لكن في الواقع العملي يشعر الصحافيون بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تؤدي هذه المهمات فقط على نطاق متوسط أو على نطاق أعلى قليلاً من المتوسط، لا أكثر.

ولا شك في أن هذا الواقع للإعلام في إسرائيل تترتب عليه مفاعيل فيما يختص بحرية الصحافة في أن "تغرّد بعيداً عن السرب"، كما يقولون، في "الفترات الحرجة". وقد سبق لـ "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية" أن أشار إلى أن حرية الصحافة متدنية، أقرب إلى الحدّ الذي قد يدفع بإسرائيل دفعاً نحو تعريفها بأنها "دولة شبه حرّة" في هذا المضمار.

أما مسؤولية تجاوز هذه الوضعية فليست الصحافة وحدها هي التي تتحملها، برأي نغبي. كما أن جهاز تطبيق القانون لا يمكن أن يضطلع بها بمفرده. ولتوضيح مقصده فإنه يعيد إلى الأذهان أن القاضي (والمستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية ورئيس مجلس الصحافة سابقاً)، البروفسور إسحاق زامير، حذّر في خطاب وداعه للمحكمة العليا من أن "الهجوم على جهاز تطبيق القانون هو عملياً هجوم على جهاز القضاء نفسه، حيث أنه لا وجود لجهاز القضاء من دون تطبيق القانون". وهكذا، حسب قوله، فإن "تنفيذ القانون بشكل معقول مرهون (أكثر من أي شيء آخر) ببنى سلوكية أخلاقية، أي بوعي واسع للجمهور والقياديين بأن ينهجوا نهجاً أخلاقياً". فإنه بسبب "الاستخفاف بالسلوك الأخلاقي العام"، حسبما حذر البروفسور زامير، "يمكن (حتى) لمجتمع أخلاقي، ذي جودة وقوة، أن يتغيّر وأن يصبح مجتمعاً فاسداً، مثلما حدث في دول كثيرة في العالم، تعتبر الحياة فيها مكروهة. ومن شأن الطريق إلى ذلك أن تكون قصيرة وسريعة".

وفي ما يشبه التحذير مما قد يسفر عنه الحاضر الأسود من مستقبل أشدّ قتامة، يعقب نغبي على ذلك بقوله: إن كثيرين من الإسرائيليين باتوا يشعرون ويخشون من أن نكون قد اقتربنا إلى نهاية الطريق، إلى أسفل المنزلق.

إن شواهد هذه الخشية ما زالت تترى منذ صدور كتاب نغبي. ومن ذلك على سبيل المثال أنه في "عيد الفصح العبري" في أواخر نيسان 2005، رأت الصحافية الإسرائيلية البارزة شيلي يحيموفيتش أن إسرائيل قاب قوسين أو أدنى من أن تكون "دولة تسيطر عليها الميزتان الأبرز لجمهورية الموز"، وهما المستوى المتردي لنزاهة الحكم من جهة، والفجوات الهائلة بين الفقراء والأغنياء من جهة أخرى.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات