المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يبدو أن الأمطار المتأخرة في موسم الشتاء الحالي أنقذت المزروعات وقلصت نوعا ما حجم التراجع في المخزون المائي، إلا إن هذا التأخير لم ينقذ قطاع الملبوسات الإسرائيلي، الذي كان يعاني أصلا من أزمات مالية، فـ "الشتاء الدافئ" فرض على شبكات الملبوسات الكبرى الشروع مبكرا بحملات التخفيض للتخلص من المخزون. وجاء هذا ليضاف إلى أسباب أكبر، منها ارتفاع نسبة المشتريات عبر شبكة الانترنت من شركات في الخارج، والتنافس الحاد في المجمعات التجارية المتزايدة، مما زاد كلفة العرض والتسويق.

 

ففي النصف الثاني من شهر شباط الماضي، تقدمت شبكتا ملبوسات معروفتان بطلب للمحكمة لتجميد الاجراءات ضدهما، تجاه الجهات المطالبة بتسديد التزامات الشركتين لها. وهذا أحد المسارات التي تسبق الانهيار الكلي للشركات، لمنحها فرصة أخرى قبل الإفلاس.

ويجري الحديث عن شبكة بيع الملبوسات الضخمة "هونيغمان" التي لها ثلاث شبكات تسوق. والثانية شبكة بيع ملبوسات رخيصة "يافا- تل أبيب"، وهي شبكة صغيرة نسبيا، تتركز أكثر في منطقة تل أبيب الكبرى. أما شبكة "هونيغمان"، فإن لها 150 فرعا، في شبكات التسويق الفرعية الثلاث، ويعمل فيها ما يزيد عن ألف عامل. وقد تكدّست عليها التزامات مالية بما يعادل 66 مليون دولار، بينما قيمة المخزون لديها يعادل النصف تقريبا- 35 مليون دولار. وحسب التقارير في الصحافة الاقتصادية، فإن انهيار "هونيغمان" يهدد بفصل ألف عامل وأكثر، كما أن هذا الانهيار سيؤدي إلى ضربات "ارتدادية"، بمعنى أنه سيخلق أزمات مالية كبيرة، لدى أصحاب ديون "هونيغمان"، التي هي بمقاييس قطاع الملبوسات تكون مصيرية للعديد من شركات النسيج.

وتعدد التقارير التي وردت في الأيام الأخيرة، سلسلة من الأسباب التي تعصف بقطاع الملبوسات، وتهدد عددا من كبرى شبكات التسويق. وأولها، هو ما وقع مؤخرا، لكنه ليس الأساس، هو انحباس الأمطار حتى نهاية العام الماضي، والجو الدافئ نسبيا لموسمي الخريف، والشتاء في بداياته، ما أدى إلى تكديس مخزون ضخم من ملبوسات الشتاء في شبكات التسوق، التي وجدت نفسها مضطرة للشروع بحملات تخفيضات مالية في وقت مبكر، وقبل البيع بأسعار تضمن الأرباح وتسديد الصرف الأول.

والسبب الثاني البارز هو ارتفاع نسبة الشراء عبر شبكة الانترنت من شبكات تسويق عالمية، وأبرزها شبكات "علي بابا"، وإي بي" و"أسوس". وحسب استطلاع شاركت في اعداده صحيفة "ذي ماركر"، تبين أن 12% من الإسرائيليين يجرون مشترياتهم عبر شبكة الانترنت، وأن النسبة بين الأجيال الشابة ترتفع إلى 15%. وحسب التوقعات فإنه في غضون خمس سنوات سيكون ما بين 20% إلى 30% من مشتريات العائلات عبر شبكة الانترنت، وفي معظمها من شركات خارج البلاد.

ويقول استطلاع إسرائيلي إن 22% من الإسرائيليين الذين يشترون عبر شبكة الانترنت، يشترون ملبوسات وأحذية، وهذه تعد من أعلى النسب في العالم، وأن الظاهرة متنامية، إذ أن المبيعات الأكثر انتشارا هي الأدوات الكهربائية، وما يتعلق بالإلكترونيات، وغيرها.

وأعلنت شركة "إي بي" أنها تتلقى في كل دقيقة 30 شروة من إسرائيل. وما يعزز هذه الوتيرة هو الاعفاء الضريبي الذي يحصل عليه الفرد على شروة تبلغ قيمتها حتى 75 دولارا، بمعنى أنه يكون معفيا من ضريبة مشتريات (القيمة المضافة) بنسبة 17%. وجاء هذا في الوقت الذي عرضت فيه وزارة المالية اجراء تخفيضات ضريبية أخرى على التسوق عبر شبكة الانترنت، إلا أن الأمر يشهد جمودا، وهو ظاهر كأحد بنود ما يسمى "قانون التسويات"، الملازم لمشروع ميزانية الدولة للعام المقبل 2019، الذي أقره الكنيست بالقراءة الاولى في الشهر الماضي. وسيكون هذا البند من أكثر البنود جدلا في الأبحاث البرلمانية المقبلة حول الميزانية، قبل اقرارها بالقراءة النهائية في غضون أسابيع قليلة.

وحسب تقارير تصدر تباعا، فإن التخفيضات الضريبية على المشتريات عبر الانترنت، تلقى معارضة شديدة من الأوساط التجارية الإسرائيلية، وخاصة من المستوردين والمسوقين الكبار. وقد دعا اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلي الحكومة إلى وقف "التشوه الحاصل في الضرائب تجاه قطاع المزودين الكبار (تجارة الجملة)"، إذ أن هذا القطاع، حسب الاتحاد، لا يحظى بأي نوع من التخفيضات الضريبية. ففي حين أن البضائع حتى 75 دولارا التي يتم شراؤها من الخارج عبر الانترنت معفية من الضرائب، فإن البضائع التي تباع في إسرائيل خاضعة لضريبة القيمة المضافة منذ الشيكل الأول. وهؤلاء المعارضون يجدون لأنفسهم أذرع برلمانية، لإحباط مشروع التخفيض الضريبي، الذي يقوده شخص وزير المالية موشيه كحلون.

وجاء أيضا أن قطاع الملبوسات يطالب الحكومة بتسهيلات ضريبية، وتعويض عن جزء من الخسائر، كما هو الحال في قطاعات أخرى، مثل قطاع الزراعة، في حال لو وقع موسم شتاء جاف وغيره.

وحسب تقارير، فإن البيع عن طريق الانترنت من الشبكات العالمية، والتسوق في الخارج، إما السفر قصدا، أو خلال رحلات الترفيه، تسبب بخسائر لقطاع الملبوسات، بلغت في العام الماضي 2017، ما يعادل أكثر من 4ر1 مليار دولار (5 مليارات شيكل). وهذا يشكل 25% من اجمالي المبيعات المفترضة، إذ أن حجم المبيعات في قطاع الملبوسات الإسرائيلي في العام الماضي بلغ 15 مليار شيكل (3ر4 مليار دولار).

وفي محاولة للجم هذه الظاهرة، فإن شركات إسرائيلية حاولت أن تسوق بضائعها هي أيضا عبر شبكة الانترنت، ومن بينها شبكة "هونيغمان" ذاتها، إلا أن النتائج جاءت ضئيلة جدا، وكما يبدو بسبب المنافسة. ويقول مسؤولون كبار في قطاع الملبوسات إنهم باتوا يلمسون تراجع المشتريات لديهم، أيضا بسبب الشراء عبر شبكات الانترنت. ومنهم من راح بعيدا، ليشكو من أن تزايد أعداد المسافرين إلى الخارج للنقاهة، وحتى للتسوق، في ارتفاع مستمر، وهذا ينعكس أيضا على حجم المبيعات في الشبكات الإسرائيلية.

والسبب الثالث الذي تعدده تقارير الصحافة الاقتصادية، هو الارتفاع الحاد والمتواصل في أعداد المجمعات التجارية، فهذا يلزم شبكات التسويق أن تتواجد في كل واحد من هذه المجمعات، في اطار المنافسة بين شبكات التسويق ذاتها، وهذا يؤدي إلى استئجار مساحات زائدة جدا، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع في كلفة الايجارات وضريبة مسقفات، وكلفة عاملين، وكل هذا يزيد من كلفة العرض والتسويق؛ في حين أن شبكات التسويق مقيدة بشأن الأسعار، لأنها في منافسة دائمة مع شبكات تسويق ملبوسات رخيصة، وأيضا مع التسوق عبر الانترنت.

وتقول صحيفة "ذي ماركر" إنه في غضون سنوات قليلة جدا، ستكون مساحة المجمعات التجارية بالنسبة للفرد من الأعلى في العالم، إذ إن مجموع المخططات القائمة حاليا لبناء مجمعات جديدة في أنحاء مختلفة من البلاد، بلغ 115 مجمعا تجاريا جديدا، ستمتد على مساحة 3ر1 مليون متر مربع. وبهذا فمن المتوقع أن ترتفع مساحة المجمعات التجارية بالنسبة للفرد، من 13ر1 متر مربع حاليا، إلى 6ر1 متر مربع في غضون سنوات قليلة. وقد شهدت السنوات الأربع الماضية، ارتفاعا بنسبة 10% في مساحة المجمعات التجارية في البلاد. وللمقارنة، فإن المعدل القائم في الدول الأوروبية هو 13ر1 متر مربع للفرد، وفي كندا 76ر1 متر مربع للفرد، والأعلى في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يرتفع المعدل إلى 4ر2 متر مربع للفرد.

وتقول صحيفتا "ذي ماركر" و"كالكاليست" في تقريرين واسعين لهذه القضية، إن العديد من شبكات تسويق الملبوسات بدأت تقلص مصروفاتها، من بينها شبكتا "كاسترو" و"إتش أند إم" وغيرهما، ومن بين الاجراءات التي اتخذتها هذه الشبكات، اغلاق فروع بيع عديدة، والسعي إلى الدمج بين شبكات صغيرة، وبالتالي دمج حوانيت.

ويقول مدير عام شبكة "كاسترو" غابي روتير، في أحد الاجتماعات، إننا اليوم في حالة صراع البقاء، وليس أمام وضع استراتيجيات تطوير مستقبلية، إذ أن الطلب قليل، وخاصة في الربع الأخير من العام الماضي 2017. وهذا كلام صادر عن مسؤول في واحدة من أكبر شبكات تسويق الملبوسات في إسرائيل.

وحسب توقعات نشرتها صحيفة "كالكاليست"، فإن العام الجاري، 2018، سيكون عاما قاسيا جدا لقطاع الملبوسات. وحتى أنه من المتوقع أن تنهار كليا عدة شبكات تسوق.

ويقول يوسي غابيزون، أحد مالكي شبكة "كاسترو هوديس"، إن كل الأمور وقعت علينا دفعة واحدة، وزاد الأمور حدة الشتاء الدافئ، الذي ضرب الموسم في الاشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي.

ويقول مسؤول آخر في قطاع الملبوسات إن الأمور كانت معروفة من قبل، والناس باتت تشتري أكثر عبر الانترنت، وبذلك فإنهم يشترون من كبرى شبكات التسوق العالمية، في حين أن السوق الإسرائيلية لم تلائم نفسها للواقع الجديد والمتزايد.

وكما هو معروف فإنه في الوقت الذي يجري فيه عرض الأزمات المالية في كبرى شبكات التسوق إن كانت الملبوسات أو الأغذية وغيرها، فمن خلف هذه الأزمة، هناك أزمة أكبر لا تصل إلى الصحافة الاقتصادية، وهي انهيار التجارة في الحوانيت الصغيرة التقليدية في أحياء المدن، فهؤلاء عادة من التجار الصغار، الذين يضمنون مدخول عائلاتهم، وهذا اقتصاد عائلي آخذ بالانهيار بشكل تدريجي، ما يلقي بآلاف العائلات من الشرائح الوسطى إلى دائرة الفقر، بعد انهيار مالي كلي. وهذه الظاهرة ملموسة، أكثر من غيرها، في المدن والبلدات العربية، التي باتت محاطة أيضا بحصار تجاري، من خلال مجمعات تجارية ضخمة أقيمت بالجوار، وهي في ذات الوقت باتت أماكن للترفيه، وهذا يزيد من ضائقة الحوانيت الحاراتية، وبشكل خاص في قطاع الأغذية، لكن ليس وحده.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, الشيكل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات