المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل أحد عشر عاما انتخب إيهود باراك بأغلبية ساحقة رئيسا جديداً لحكومة إسرائيل، وقد تعهد بالخروج من لبنان والتوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين. ولكن بعد مرور 18 شهرا أقصي باراك عن سدة الحكم، ودخلت إسرائيل في مواجهة ونزاع مع العالم المحيط بها: مواجهة بقوة منخفضة مع الفلسطينيين، ومعركتان عسكريتان بقوة متوسطة في لبنان وقطاع غزة، فيما تلوح في الأفق حرب (مواجهة بقوة مرتفعة) يتحدثون عنها كما لو أنها قدر محتوم.

بعد عشرة أعوام على الفشل الذريع (في كامب ديفيد) ورغم عشرات الكتب التي كتبت عن المفاوضات التي فشلت، يبدو أن الرأي العام الإسرائيلي ما زال في غالبيته الساحقة يعيش في العام 2000، إذ ما زالت هناك حتى الآن أغلبية إسرائيلية كبيرة تقبل إدعاء باراك القائل "لا يوجد شريك!"، وأن النزاع هو صراع على وجود إسرائيل، هذا الاختبار المستمر منذ العام 1948. لقد عاد باراك من كامب ديفيد ليقنع الأغلبية الإسرائيلية بأنه لا بديل سوى استمرار الصراع. ولكن السؤال الأصح والأصعب بالطبع هو: ما هو الاتفاق الذي يمكن للفلسطينيين أن يكونوا "شركاء" فيه؟! والسؤال الأهم: هل نحن مستعدون للقبول بهكذا اتفاق؟ بعبارة أخرى، هل تجري بيننا وبين جيراننا مساومة على شروط الاتفاق أم صراع لا هوادة فيه؟

الكتب، التي من المستحسن قراءتها قبل الحرب المقبلة، تسرد رواية أخرى مختلفة تماما عن الرواية التي يؤمن بها معظم الإسرائيليين.

فالإسرائيليون الذين شاركوا في المحادثات (مثل الوزير السابق شلومو بن عامي) والفلسطينيون (مثل أحمد قريع) وآخرون (مارتن أنديك) يتفقون على أن الطرفين تفاوضا على شروط إنهاء النزاع، لكنهما لم يتوصلا لاتفاق أو تفاهم حول مسائل الحدود والقدس، وتحادثا قليلا من دون أن يتفقا على المسألة الأصعب والأعوص، وهي قضية اللاجئين من العام 1948.

في تموز 2000 اقترح باراك البحث في موضوع تقسيم القدس، وحسنا فعل في نظري. فلغاية ذلك الوقت فرض "الإجماع الإسرائيلي" حظرا صارما على طرح المسألة للنقاش، غير أن باراك سرعان ما تراجع، وهذه عادته حين يدور الحديث على خطوات وقرارات سياسية حاسمة. فهو لم يقبل بما كان وما زال وسيبقى شرطا أساسيا للسلام: أن تكون القدس عاصمة مشتركة للدولتين في التسوية العادلة. في كانون الثاني 2000، وبعد مرور حوالي ستة أشهر على فشل محادثات كامب ديفيد، اقترح الرئيس كلينتون إطارا لحل شامل، يتضمن الانسحاب إلى حدود 1967 مع تعديلات طفيفة وأن يكون في القدس "كل ما هو يهودي لإسرائيل وكل ما هو عربي للفلسطينيين"، وهو اقتراح كان باراك قد رفضه في تموز 2000، مقترحا ضم حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية إلى إسرائيل من دون تبادل أراض، والتوصل إلى تسوية غير مقبولة أو منصفة في القدس.

إذا كنا قد تعلمنا شيئا في هذا العقد الضائع (اسألوا إيهود أولمرت) فهو أن نقطة البداية والنهاية في التسوية الإقليمية موجودة في مكان قريب جداً من حدود "الخط الأخضر"، لذا فإن الأقنعة التي سقطت في ذلك الوقت كشفت عن أن من يريد السلام، ومن يريد "دولتين لشعبين"، لا بد من أن يقبل بالانسحاب إلى تلك الحدود، أي 77% للإسرائيليين، و23% للفلسطينيين وتسوية أو حل وسط في القدس.

وعوضا عن السؤال إذا كان هناك "شريك"، يجب أن يكون السؤال: هل توافق إسرائيل على خطة كلينتون؟!

حكومة بنيامين نتنتياهو لا توافق على الشروط التي تتضمنها الخطة. فالائتلاف، الذي تقوده الهيئة الوزارية السباعية، يقول علنا إن مثل هذه التسوية غير مقبولة لديه. ربما كانوا يريدون اتفاقا بشروط أخرى، لكنهم لا يفصحون عنها. المتحدثون الإسرائيليون الرسميون يواصلون تكرار الادعاء بأن إسرائيل اقترحت تسوية سخية في العام 2000 أثبتت أن الطرف الآخر هو الرافض للسلام. ولكن حكومة نتنياهو كما هو معروف لا تقبل بالتسوية التي عرضها الرئيس كلينتون؛ وهذا ما يدركه العالم، ولذلك فقد منيت الدعاية الإسرائيلية بالفشل وبالتالي لا يمكن تفسير استمرار الوضع القائم.

والسؤال: هل نحن مستعدون للمجازفة بحرب أخرى ونحن ندرك أننا "لم نقلب كل حجر" بحثا عن السلام؟!

هل نحن مستعدون لاستمرار العزلة الدولية، بينما الجميع يعلم أن خطة كلينتون ما زالت مرفوضة من جانبنا؟ على باراك ونتنياهو، قبل أن يبرهنا فعليا على أنهما شريكان للحرب، أن يثبتا أنهما - تصريحا على الأقل- شريكان للسلام، وهذا لا يتأتى إلا بالقول نعم لخطة كلينتون.

______________________

(*) رئيس "برنامج المجتمع والاقتصاد" في "معهد فان لير" في القدس ومحاضر في قسم الاقتصاد في جامعة بن غوريون في بئر السبع. ترجمـة خاصـة.

المصطلحات المستخدمة:

باراك, الخط الأخضر, معهد فان لير

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات