المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* لا مهرب من نقل مناطق آهلة باليهود إلى إسرائيل وفي موازاة ذلك نقل مناطق آهلة بالعرب إلى دولة فلسطينية *

مرة أخرى تطرح للنقاش فكرة ترسيم حدود إسرائيل الدائمة في مقابل الدولة الفلسطينية العتيدة من خلال تغيير خطوط الهدنة وملاءمتها مع الواقع الديمغرافي الذي تشكل في أرض إسرائيل. وقد نشأت خطوط الهدنة كنتيجة للاتفاق بين إسرائيل ومملكة شرق الأردن بعد حرب 1948. وتقرر في الاتفاق تحديد الخط، الذي ضم سكاناً عرباً في المناطق التي لم يتم احتلالها خلال الحرب، من بينها البلدات العربية في وادي عارة، من باقة الغربية وحتى كفر قاسم، حيث تم ضمهم لإسرائيل دون أن يطلب رأي السكان العرب، وذلك لضمان خطوط المواصلات والدفاع لإسرائيل.

منذ ذلك الحين وحتى حرب حزيران 1967 نشأ وضع عاش فيه سكان عرب مسلمون على طول خط الهدنة، وتمّ هنا وهناك إقامة عدد قليل من المستوطنات على طول الخط، منها "مي عامي" و"ميتسر" و"إيال" و"ياد حانا"، إلا أن المستوطنين اليهود ظلوا أقلية في هذه المنطقة.

وبعد الحرب، في 1967، ألغي خط الهدنة عمليًا لكن ليس قانونيًا، وطوال الـ 40 عامًا الأخيرة انتقل الاستيطان اليهودي ليتركز إلى الشرق من هذا الخط، أي في الضفة الغربية، حيث يبلغ عدد المستوطنين اليوم 240 ألف مستوطن، وهذا العدد لا يشمل المستوطنين في منطقة القدس الكبرى.

في الأعوام العشرين الماضية تبلورت في الوعي العام فكرة أن حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يكون عن طريق إقامة دولة عربية فلسطينية إلى جانب إٍسرائيل، من الجهة الشرقية، تحت شعار "دولتان لشعبين". ورغم أن هذا الشعار يبدو في الظاهر فكرة جيدة، إلا أنه ينطوي على وصف غير دقيق للوضع.

وفي حال تم الاتفاق على هذه المعادلة، فإن الحديث سيكون عن إقامة دولة فلسطينية لا يكون فيها مستوطنون يهود، ومقابلها تكون إسرائيل، التي يعيش فيها الشعبان- يهود بنسبة 80%، وعرب فلسطينيون بنسبة 20%. لا توجد في هذه المعادلة مساواة قومية. ولذلك جرت في الماضي مناقشة اقتراحات بتحديد خط الحدود بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل بطريقة تجعل المستوطنات العبرية الواقعة خلف الخط الأخضر في داخل تخوم إسرائيل.

وتلزم هذه الفكرة بضم مناطق مختلفة لإسرائيل، تمتد على مساحة تصل إلى 200 كيلومتر مربع، يعيش فيها ما يقارب 200 ألف يهودي، بدون القدس الكبرى، في حين كان الموقف الفلسطيني الذي عرض في مناقشات عدة رسمية (كامب ديفيد وطابا)، وغير رسمية (جنيف)، يشترط تسوية كهذه بضم مساحات مساوية من إسرائيل، غربيّ الخط الأخضر.

يستند شعار "دولتان لشعبين" إلى أساس مفاده أن لكل شعب الحق في السيادة الكاملة على الأرض التي يعيش فيها. وكان ذلك هو الأساس لتوزيع العالم إلى دول قومية حديثة، وخاصة في أوروبا وآسيا. فأكثر من 95% من سكان إيطاليا هم إيطاليون من جهة اللغة والانتماء الديني، في حين أن سكان اليونان هم يونانيون بثقافتهم وعاداتهم، وأستونيا يسكنها الأستونيون، وبولندا يسكنها البولنديون.

ترسيم خطوط الحدود لا ينشئ دولاً متجانسة بشكل مطلق، وبسبب الحاجات الاقتصادية والأمنية والتاريخية، تم في بعض الأحيان ترسيم الحدود بشكل لم يضمن بقاء كافة أبناء الشعب من جهة واحدة من الحدود، بل أبقى أقليات قومية في الجانب الثاني. وهذه الأقليات التي أقامت وتواصل علاقاتها مع الدولة الأم لا تزيد نسبتها عن 10-15% من مجمل سكان الدولة، وهي في الغالب تميل إلى الهجرة أو الاندماج مع السكان المحليين.

وأدى هذا الوضع إلى خلق توترات ورغبات في ضم هذه المساحات وغيرها إلى الدولة الأم. وقد تم حل بعض هذه التوترات من خلال تبادل سكاني بين الدولتين مثل تركيا- اليونان، والهند- باكستان، وتركيا- بلغاريا، وتشيكيا- ألمانيا. وفي أحيان أخرى عن طريق تبادل مساحات من الأراضي. وفي بعض الأحيان كان السكان يسألون عن رأيهم (مثل إقليم السار بين ألمانيا وفرنسا)، وأحيانا كان يتم ذلك بالاتفاق بين الدولتين بدون العودة إلى السكان (مثل إيطاليا- النمسا، وهنغاريا- رومانيا، والأردن- السعودية، وإيطاليا- فرنسا).

وكما يبدو، فإنه وفي إطار الاتفاق الكامل بين إسرائيل والدولة الفلسطينية لن يكون هناك مناص من اتفاق مشابه، يتم فيه نقل مناطق يسكنها المستوطنون في مناطق السلطة (الوطنية الفلسطينية) إلى إسرائيل، وبشكل مواز يتم نقل مناطق يسكنها عرب فلسطينيون من إسرائيل إلى السيادة الفلسطينية.

والإشارة هنا إلى المناطق المحاذية اليوم للخط الأخضر من الجهتين، بحيث يعيش 200 ألف مستوطن يهودي على 200 كيلومتر مربع يتم ضمها إلى إسرائيل، وفي المقابل، يتم نقل 200 ألف عربي مسلم يعيشون على 200 كيلومتر مربع في إسرائيل إلى السيادة الفلسطينية، وبذلك ينشأ وضع تكون فيه الدولة الفلسطينية عربية، في حين يبقى في إسرائيل سكان ليسوا يهوداً بنسبة 14%.

ويكون في إمكان السكان العرب، على طول القطاع من صندلة والمقيبلة في الشمال وحتى كفر قاسم في الجنوب، وهم سكان مسلمون فقط خلافًا لسكان الجليل الذين يضمون أيضًا مسيحيين وشركسًا ودروزًا وغيرهم، إقامة علاقات اقتصادية مع إسرائيل بموجب اتفاقيات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه في إمكانهم أن يعملوا في أي وظيفة عامة- حكومية أو أمنية في داخل الدولة الفلسطينية، الأمر الذي لم يتيسر لهم في دولة إسرائيل.

صحيح أنه سوف ينشأ وضع مؤقت من الخسارة الاقتصادية والاجتماعية في الجانب الفلسطيني، وفي الأساس فقدان حق التعبير عن الرأي أو تبني مواقف تتعارض مع موقف السلطة، إلا أن هذا الوضع سوف يتغير مع مرور الزمن. والإثبات على ذلك هو الاندماج المخلص لعرب فلسطين في الأردن منذ العام 1950.

لقد طرح هذا الحل في الماضي من قبل سياسيين في حزب "العمل" (مثل رعنان كوهين وإفرايم سنيه) وتنصلوا منه لاحقاً. كما أنني سبق أن قدمت أسانيد علمية- أيديولوجية له، وتم طرحه لاحقاً كفكرة سياسية من قبل حزب أفيغدور ليبرمان: "يسرائيل بيتينو".

رغم أن هذا الحل يبدو الآن مؤجلاً من قبل البعض، إلا أنه البرنامج الوحيد الذي يضمن من جهة إقامة دولة فلسطينية مستقلة بدون سكان يهود، تحصل على تعزيز من قبل سكان أغنياء ومتعلمين عايشوا تجربة الحياة بحرية في دولة حديثة وديمقراطية. ومن جهة أخرى يتم تثبيت دولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي، التي يكون فيها اليهود أغلبية مطلقة، دون أن يتم الاعتراض على أهدافها ونشاطاتها وطريقها في كل ما يتصل بعلاقاتها مع العالم اليهودي والفكرة الصهيونية.

_______________________________

* أستاذ الجغرافيا والبيئة البشرية في جامعة تل أبيب. وقد انخرط في السابق كمستشار في طاقم المفاوضات الإسرائيلي مع سورية. ترجمة خاصة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات