المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خاص ب"المشهد الاسرائيلي":

رغم الظلام الدامس خلف القضبان في سجن عسقلان نجح الاسيران الفلسطينيان محمود الصفدي وابن شقيقته نمر الصفدي في كسر العزلة المضروبة عليهما باحكام شديد واطلاق طاقاتهما الخلاقة مجسدين نموذجا لعظمة الارادة ولانتصار الزند على قيده الحديدي. ويتجلى ذلك عبر حصول الاول على اللقب الجامعي الاول ومشارفة الثاني على انجاز الماجستير في الجامعة المفتوحة، ورعايتهما لمشروع مشترك يتمثل في اقامة موقع خاص يروي قصة معاناة وصمود المناضلين داخل المعتقلات الاسرائيلية ويشكل منبرا لابداعات الاقلام الاسيرة.

هذا هو "صفد اكاديمي" (www.safadacademy.com) ابن الشهور الستة الذي ولد في موازاة انطلاق البرنامج التلفزيوني الواقعي "ستار اكاديمي" وفيه يجد الزائر معطيات ومقالات وصورا ترسم بخطوط من نور واقع حياة من حولوا السجون الى اكاديميات للنضال والمثابرة واختراق حدود اليأس والمستحيل وصنع الكثير من لا شيء. ضمن مكتبة السجين نمر الصفدي المحكوم بالسجن 21 عاما يبرز المقال المبدع الذي كتبه بعنوان "عسقلان اكاديمي"، وكانت كبريات الصحف العربية قد نشرته وفيه يقارن بين من ينام على الحرير وريش النعام وبين من لا يجد حائطًا يعلق عليه ثيابه وهمومه. ولكن نمر نجح بالحفاظ على خفة دمه وروح دعابته فردا على سؤالنا عن العام الذي دخل فيه السجن أجاب متوددا " منذ ان حفروا البحر..". ويتضمن الموقع موسوعة "القيد الصفدي" التي تشمل صورا وشروحات للتحف الفنية المصنوعة بايدي السجناء من مسابح وعقود ودفاتر مذكرات ورسومات ابرزها لوحة جميلة رسمها احد السجناء لمحمود الصفدي وخطيبته،عطاف،الفتاة المقدسية التي ابت الا ان تنتظر خروج خطيبها حبيبها المحكوم بالسجن 27 عاما رغم توسلاته لها بالعزوف عنه والمضي في طريقها ضاربة مثلا اسطوريا في الوفاء والصبر. وفي الموسوعة ايضا ترد زاوية بعنوان "هل تعلم" يكشف فيها السجينان ان عدد المناضلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال يبلغ نحو 7000 اسير وان عدد السنوات التي امضوها حتى الآن يبلغ 22824 سنة بما يوازي عمر البشرية منذ بدايات العصر الجاهلي الى اليوم لافتة الى ان الاسير سعيد ابو العتبة،ابو الحكم، هو اقدم المناضلين خلف القضبان حيث امضى حتى الآن 27 عاما ما يعادل 9855 يوما او 236520 ساعة فيما يصل مجموع ساعات زيارات ذويه له طيلة محكوميته 156 ساعة تقريبا اي 13 يوما كما يؤكدان. اما عميد السجناء المناوب اليوم فهو الشيخ سامي يونس ابن قرية عارة والمحكوم بالسجن المؤبد مدى الحياة. وفي هذه الزاوية يشير الصفديان الى ان 28000 مولود لن يروا النور بسبب حرمان الاسرى من الانجاب موضحين ايضا ان ابعد مسافة يراها الاسير في سجنه لا تتعدى بضع امتار يرى من خلالها الجدران فقط داخل غرفة مساحتها في احسن الاحوال تبلغ 24 مترا مربعا تؤوي 10 مناضلين. وتؤكد الموسوعة التي عنونت بالشعار " نعم لآلام الجوع لا والف لا لآلام الركوع" ان سجن نفحة في النقب هو اقسى معتقلات الاحتلال حيث لا يطاق الحر فيه اثناء النهار فيما يخيم البرد القارس اثناء الليل نتيجة للمناخ الصحراوي. وفي زاوية المراسلة يتلقى الموقع مئات الرسائل البريدية من الوطن العربي، من عمان الى تطوان، ومن الجاليات العربية في العالم تحث جميعها السجناء على الصبر وتطري على ثباتهم وعلى دور الحركة الاسيرة في مشروع التحرر والاستقلال.

السجين محمود الصفدي ( 36 عاما) ابن القدس المحتلة والمعتقل منذ 1989 لمشاركته في فعاليات الانتفاضة الاولى ضمن صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين روى ل"المشهد الاسرائيلي" من سجنه في عسقلان قصة الموقع الخاص فقال " قام ابن اختي السجين نمر الصفدي بكتابة مقاله "عسقلان أكاديمي" ردا على "ستار اكاديمي" بعد سلسلة مقالات وخواطر كنا نواظب على كتابتها فولدت الفكرة بانشاء الموقع فعرضناها على احد اشقائي الذي سارع الى بناء الموقع وفقا لتوجيهاتنا في مطلع العام الجاري واخذنا بتلقينه المواد بالهاتف الخليوي". وعن الاهداف الكامنة وراء الموقع قال نمر" اردنا التواصل مع العالم الخارجي، نكتب له ويكتب لنا ونعقب على ما يصلنا، اذ تبلغنا عشرات الرسائل يوميا وتقوم شقيقتي اميرة بقراءة ما تختاره لنا. ويوميا نلقى الدعم والتشجيع من الاخوة السجناء الذين يرون بالموقع منبرا لهم ورمزا لكفاحهم". وداخل الموقع تتخذ مقالات محمود الطابع الجاد فيما تميل ابداعات نمر الى الاسلوب الهزلي الساخر كما تجلى في مقالته "عسقلان اكاديمي" ولكن كليهما يرى بنفسه رسولا للسجناء مهمته الاولى التعبير عن معاناتهم وتعريف الناس على واقع حياتهم.

وعن مشروعهما الآخر المتمثل بالتعليم الجامعي اوضح محمود انه شرع ونمر بالدراسة عام 1995 في الجامعة العبرية المفتوحة وفيما انهى الاول اللقب الاول بالعلوم السياسية فان الثاني اختار العلوم السياسية والعلاقات الدولية ايضا وهو بصدد الانتهاء من اطروحة الماجستير حول "الديموقراطية كنظام سياسي" بعد ان تمكنا من تعلم اللغة العبرية داخل السجن. وعن ذلك قال محمود " في كافة اقسام سجن عسقلان كما هي الحال في سائر السجون يقوم بعض السجناء بتعليم زملائهم العبرية والانجليزية والعبرية وقد درست ونمر العبرية كي نتمكن من دراسة المواد الاكاديمية وخلال طول الطريق ساعدتنا القراءة ايضا على الافلات من الجدران وعزلة القضبان الحديدية المحيطة بنا والتغلب على حالة الروتين والرتابة الممضة". وعن ذلك اضاف نمر " هناك من يمضي عاما واحدا داخل السجن ويشعر انه قد امضى دهرا اما من يشغل نفسه فيصمد ويحمي نفسه والتعليم واحد من انجع الوسائل. مرت ايام علينا لم نشعر كيف بدأت وكيف انتهت اذ واظبنا على القراءة طيلة 12 ساعة واكثر يوميا كي ننجز واجباتنا الجامعية".

وعن الامتحانات اشار نمر إلى ان الجامعة ترسل مراقبا من جهتها الى داخل السجن لامتحان السجناء الطلاب وياخذ المواد معه ولاحقا ترسل النتائج لنا بالبريد لافتا الى ان الشركاء في الغرفة يوفرون الاجواء الملائمة للدراسة ضمن نظام متفق عليه من قبل الاسرى وفيه يتم توزيع اوقات النوم والمطالعة ومشاهدة التلفزيون وغيرها.

وردا على سؤالنا حول قصة خطيبته عطاف وقرارها بانتظاره الى ان يخرج من سجنه اوضح محمود بكثير من التقدير انها لم تنقطع عنه اذ تدأب على زيارته مرة في الاسبوعين. واضاف "طلبت الى عطاف ان تكف عن زيارتي والبحث عن افق جديد رغم محبتي لها لانه من غير المعقول ان تنتظرني ثلاثة عقود لكنها ظلت ترفض بقوة وفي البداية خلت ان هذه طفرة عاطفية او نزوة رومانسية ستنتهي عما قريب ولكن الحكاية هذه عمرها اليوم 15 عاما فاستسلمت لقرارها واحترمته لكنني ابلغتها انها تملك شيكا مفتوحا وبوسعها ان تتخذ القرار بالانفصال متى شاءت بحب ورضى". وقد خصص محمود مقالته الاخيرة، وهي بعنوان "سانتظرك حتى اخر العمر"، لخطيبته عطاف وروى فيه قصة اخلاصها ونبل اخلاقها .

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات