المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بعد تجدد المواجهات العنيفة بين حركتي "فتح" و"حماس" شنت الثانية (حماس) هجوماً شاملاً بهدف تصفية القوة العسكرية لحركة "فتح" والسيطرة على قطاع غزة. واجه الهجوم (الحمساوي) مقاومة ضعيفة من جانب خصوم ذوي دافعية منخفضة وسقطت معاقل "فتح" الواحد تلو الآخر في قبضة "حماس". وعلى ما يبدو فقد أحرزت "حماس" سيطرة كاملة في قطاع غزة ولم يعد لفتح كحركة فاعلة أي تواجد تقريباً. وكرد فعل على هذه الأحداث شرعت حركة "فتح" بحملة اعتقالات لنشطاء "حماس" في مناطق الضفة الغربية، وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حالة الطوارئ، وحل حكومة الوحدة الوطنية وعين حكومة تكنوقراط من المقربين لحركة "فتح" برئاسة سلام فياض.

يمكن إجمال الأبعاد الرئيسة لهذه التطورات في النقاط الآتية:

· تعزيز الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية. هذا الفصل كان قائماً قبل التطورات الأخيرة، إذ منعت إسرائيل حرية المرور والتنقل بين المنطقتين، لكنهما تحولتا الآن (أي الضفة والقطاع) إلى كيانين سياسيين منفصلين تحت سيطرة حركتين متنازعتين. وفي ظل هذا الوضع فإنه لم يعد هناك أيضاً عنوان سياسي فلسطيني واحد يمكنه الإدعاء بتمثيل الشعب الفلسطيني أمام إسرائيل.

· ستجد حكومة "حماس" نفسها للمرة الأولى في وضع تستطيع فيه ممارسة سيطرتها وسلطتها على بقعة جغرافية محددة. فمنذ فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومتها الأولى ومن ثم إقامة حكومة الوحدة الوطنية، لم تمارس الحكومتان سلطة فعلية وذلك بسبب استمرار النزاع بين الحركتين ورفضهما التخلي عن السيطرة على مليشياتهما المسلحة وعلى الأجهزة الأمنية الخاضعة لسيطرتهما.

· من المرجح أن تشتد، في المرحلة الأولى، على الأقل، العقوبات التي تفرضها الجهات الدولية على حركة "حماس"، وإن كانت هذه الجهات ستحاول تجنب التسبب بأزمة إنسانية وبالتالي ستستمر في ضخ المساعدات لقطاع غزة.

· من جهة أخرى سترفع العقوبات نهائياً عن حكومة "فتح" المسيطرة في الضفة الغربية.

· من المرجح أيضاً أن تؤدي سيطرة "حماس" على قطاع غزة إلى إثارة قلق شديد لدى النظام المصري الذي سيشعر بالخشية من انعكاسات التطورات الحاصلة في قطاع غزة على الوضع الداخلي في مصر. هذا القلق يمكن أن يعزز الدافعية المصرية لمنع عمليات تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة وتشديد الرقابة على حركة (مرور) العناصر غير المرغوبة من وإلى القطاع.

من الصعب في المرحلة الحالية إعطاء تقدير بشأن الانعكاسات المحتملة على الأمن في المناطق الحدودية (المتاخمة لإسرائيل) في قطاع غزة. فالشعور بالنجاح لدى الجناح العسكري لحركة "حماس" يمكن أن يولد، من جهة، رغبة لدى الحركة بإظهار قدرة في مواجهة إسرائيل، وأن يولد في الوقت ذاته تفكيراً داخل "حماس" بأن توجيه الأنظار إلى الصراع مع إسرائيل سيضعف ويقلل من تأثير الأعمال والممارسات الدموية، التي ارتكبتها عناصر "حماس" خلال السيطرة على قطاع غزة، على الرأي العام الفلسطيني. من جهة أخرى فإن حركة "حماس" تحتاج إلى استقرار نسبي من أجل توطيد سلطتها في قطاع غزة ولذلك ليست لديها مصلحة في تصعيد المواجهة ضد إسرائيل.

إلى ذلك، ستجد إسرائيل نفسها للمرة الأولى منذ فترة طويلة أمام وضع يوجد فيه عنوان واحد واضح يتحمل المسؤولية عما يحدث في قطاع غزة.

وسيتعين على إسرائيل أن تواجه حقيقة أن هذا العنوان ليس العنوان المرغوب فيه بالنسبة إليها وذلك بحكم أيديولوجية حركة "حماس" ورفضها قبول شروط اللجنة الرباعية الدولية المتمثلة في الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والالتزام بالاتفاقيات الموقعة. بيد أن وجود عنوان واحد يعتبر أمراً مريحاً من ناحية إسرائيل. ففي ظل هذا الوضع سيكون من الصعب على الفلسطينيين اللجوء إلى الذريعة المعتادة بأن العمليات ضد إسرائيل تجري من قبل عناصر لا تسيطر عليها الحكومة (الفلسطينية) وأنها لا تستطيع منع مثل هذه العمليات أو الهجمات. الآن، ومن هذه اللحظة، ستكون هناك مسؤولية واضحة عن أية عملية تتم انطلاقاً من قطاع غزة.

إن تحول "حماس" إلى الجهة المسيطرة الوحيدة في قطاع غزة يخلق أيضاً وضعاً تزداد فيه مكتسبات الحركة وبالتالي لديها المزيد مما يمكن لها أن تخسره. هذا الوضع يعتبر أيضاً مريحاً لإسرائيل لأن من شأنه أن يطلق يدها أكثر في الرد على أية عمليات تستهدفها، مصدرها في قطاع غزة وهو ما يوفر لها (لإسرائيل) بالتالي وسائل أكثر للضغط على "حماس" وردعها.

من جانب آخر، فإن الوضع الناشئ سيكون بمثابة الاختبار الأساس لحركة "حماس" من ناحية الجمهور الفلسطيني. فهل ستكون حكومتها قادرة على فرض القانون والنظام والسيطرة على جميع الفصائل والمجموعات المسلحة العاملة في قطاع غزة، ومن ضمن ذلك المليشيات العائلية؟

في هذا السياق يمكن القول أيضاً إن الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية سيعزز دافعية "حماس" لاجتياز هذا الاختبار. إذ سيتعين على قادة الحركة أن يبرهنوا للقسم الأكبر من الجمهور الفلسطيني في "المناطق" المقيم في الضفة الغربية، بأن سلطتهم أفضل من سلطة "فتح" وأنهم قادرون على توفير سلطة فاعلة وغير فاسدة، سلطة قادرة على حصر استخدام السلاح وفرض القانون والنظام. كذلك من المحتمل أن تشكل الخشية من ردة فعل الجمهور الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية كابحاً لأية توجهات (في "حماس") نحو فرض أحكام أو قواعد إسلامية صارمة على السكان في قطاع غزة في مجالات من قبيل شكل اللباس أو أنماط سلوك شخصية أخرى.

هناك سؤال مركزي آخر وهو: كيف سيكون تأثير هذه التطورات على المدى البعيد؟ هل هي بداية نهاية حركة "فتح" والسيطرة المطلقة للحركات الإسلامية على الحركة الوطنية الفلسطينية؟ أم أن هذه الهزيمة بالذات ستشكل الحافز الذي تحتاجه الحركة الوطنية الفلسطينية العلمانية الممثلة بحركة "فتح"، من أجل إجراء الإصلاحات المطلوبة وصولاً إلى تحقيق انبعاث جديد لهذه الحركة؟

كذلك السؤال بشأن طبيعة التأثير المحتمل على مكانة الحركات الإسلامية في العالم العربي وقدرتها على مواجهة الأنظمة القائمة؟ وكيف سيكون تأثير هذه التطورات على رؤية هذه الأنظمة للتهديدات واستعدادها لاتخاذ خطوات مختلفة لكبح الحركات الإسلامية؟ في هذه الأثناء لا توجد إجابات واضحة إزاء هذه الأسئلة..

لعل الشيء الواضح هو أن فرص تطور حوار سياسي جاد بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي كانت أصلاً ضئيلة، أصبحت الآن غير متاحة، إلا إذا غيرت إسرائيل موقفها من سلطة "حماس".

صحيح أن سيطرة "حماس" على قطاع غزة تستدعي حواراً على مستويات منخفضة بين إسرائيل وممثلين للسلطة الحمساوية وذلك لضرورة إتاحة المجال أمام استمرار الحياة والخدمات الأساسية للسكان في قطاع غزة، ولكن يبدو أن مثل هذه الاتصالات لن تخرج عن هذا المستوى طالما كانت إسرائيل متمسكة بسياستها الرافضة لإجراء أي حوار مع "حماس" قبل تلبية الأخيرة للشروط والمتطلبات الأساسية. ومع ذلك ستنشأ ضرورة لتطوير آلية معينة لنقل رسائل إلى حركة "حماس" سواء بقصد الردع أو لإيضاح مغزى الخطوات التي تقوم بها الحركة ورد الفعل الإسرائيلي تجاهها، وكل ذلك بغية تفادي حدوث تصعيد عسكري في مواجهة قطاع غزة، طالما كان بالإمكان كبح جماح "حماس" بطريقة أخرى. من جهة ثانية ربما ستتاح الفرصة لتطوير حوار فعال أكثر مع الرئيس أبو مازن وحكومة "فتح"، يكون مختلفاً عن الحوار العقيم الذي اتسمت به الاتصالات والمحادثات التي جرت بين الطرفين قبل التطورات الأخيرة.

________________________

* شلومو بروم- باحث كبير في "معهد دراسات ألمن القومي" في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة بـ"المشهد".

المصطلحات المستخدمة:

حكومة الوحدة الوطنية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات