المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

[قراءة حول جدوى الاستثمار في المنظومات الدفاعية]

تجدّد إطلاق صواريخ "القسّام" على بلدة سديروت في الأسابيع الأخيرة، طرح مجدداً على بساط البحث مسألة الوسائل الدفاعية الممكنة في مواجهة هذا السلاح. تداول هذا الموضوع ليس بالأمر الجديد، إذ شرعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في بحثه والانشغال فيه قبل أكثر من عشر سنوات، حينما كانت "كريات شمونه" تتعرض للقصف بصواريخ الكاتيوشا من لبنان. وفي هذا السياق حظيت بعناوين بارزة في شكل خاص منظومة الليزر التكتيكية "ناوتيلوس"، التي جرى تطويرها في نطاق تعاون إسرائيلي- أميركي بهدف اعتراض صواريخ (قصيرة المدى) بواسطة أشعة ليزر شديدة القوة. وعلى الرغم من أنه استثمرت مبالغ طائلة في هذا المشروع، إلاّ أنه جُمِّدَ بعد مرحلة من التجارب والاختبارات.

في السنوات الأخيرة تجدد الاهتمام بالمنظومات الاعتراضية للسلاح الصاروخي. وكانت المؤسسة الأمنية قد تفحصت قبل حرب لبنان الثانية عدة مقترحات في نطاق مشروع دفاعي ضد الصواريخ القصيرة المدى. التهديد الرئيس الذي صُمم هذا المشروع في مواجهته تمثل في صواريخ مثل "فجر 3"، "فجر 4"، و"زلزال 2"، وهي صواريخ إيرانية يتراوح مداها بين 40 كم إلى 200 كم، تم تزويد "حزب الله" بها.

في أيار 2006، وقبل اندلاع حرب لبنان الثانية، وقع الاختيار على عرض "رفائيل" [سلطة تطوير الوسائل القتالية الإسرائيلية] و"رايتون" الأميركية، لتطوير منظومة اعتراضية للصواريخ القصيرة المدى أطلق عليها Stunner، وسميت بالعبرية "شربيط كسميم" [العصا السحرية] (Magic Wand). وتقوم هذه المنظومة الدفاعية على صاروخ اعتراضي حديث من سلالة صواريخ "بيتون" التي تنتجها سلطة تطوير الوسائل القتالية الإسرائيلية (رفائيل)- وهو بالأصل صاروخ جو- جو- بالإضافة إلى رادار متطور من إنتاج "ألتا". ويجري تطوير هذه المنظومة بمساعدة أميركية، حيث صادق الكونغرس على اعتماد 25 مليون دولار لتمويل هذا المشروع. ويُقدَّر ثمن كل منظومة اعتراضية واحدة من هذا النوع بنحو 100 مليون دولار.

بعد حرب لبنان الثانية اتضح أن الضرر الأساس نجم بالذات عن الصواريخ القصيرة المدى، من فئة صواريخ "غراد" الروسية. فضلاً عن ذلك فقد تصاعد أكثر فأكثر تهديد صواريخ "القسّام" التي يطلقها الفلسطينيون من قطاع غزة. وقد تفحصت الهيئة الأمنية بشكل مستعجل عدة مقترحات لتختار مجدداً عرض "رفائيل" للمنظومة الاعتراضية القصيرة المدى (USAMD)- بين 5-40 كم- والتي أطلق عليها اسم "قبة الحديد" (Iron Cap). وتعهدت "رفائيل" بعرض قدرة تنفيذية لهذه المنظومة (المشابهة لمنظومة "العصا السحرية") في غضون 30 شهراً من توقيع العقد. وتبلغ تكلفة شراء منظومة واحدة من هذا الطراز نحو 300 ألف دولار فيما تقدر تكلفة صاروخ الاعتراض الواحد بأكثر من 40 ألف دولار. واجه تطور هذه المنظومات الدفاعية انتقادات شديدة في وسائل الإعلام، إذ ذكر أولاً أن التحدي التكنولوجي كبير كما أنه ليس من الواضح أبداً إذا ما كانت الجهة المُطوِّرة ستنجح في التغلب على الصعوبات، في ضوء حقيقة أن صواريخ القسّام وغراد هي صواريخ صغيرة من الصعب اكتشافها، كما أن زمن تحليقها قصير جداً (لا يزيد عن 20 ثانية) وفي مثل هذه المدة الزمنية سيكون من الصعب على المنظومة الرادارية تشخيص الأهداف وتحليل معطياتها ومن ثم إطلاق صاروخ ليس هناك ما يضمن نجاحه في اعتراضها. وقيل ثانياً بأن اعتراض صواريخ "القسّام" و"غراد" ليس مجدياً من ناحية اقتصادية، فتكلفة كل صاروخ اعتراض واحد تبلغ كما أسلفنا 40 ألف دولار على الأقل، في حين أن تكلفة إنتاج صاروخ "القسّام" لا تزيد عن كسر عشري صغير من هذا المبلغ. كذلك الحال تقريباً بالنسبة لصواريخ "غراد". وهكذا سيكون باستطاعة الفلسطينيين أو "حزب الله" جر إسرائيل إلى دائرة إنفاق ستزداد بشكل دائم نتيجة لصنع المزيد من الصواريخ الاعتراضية الباهظة كرد على الصواريخ البسيطة والرخيصة الموجودة في حوزتهم. ثالثاً، وبالإضافة إلى كل ذلك، هناك حدود لقدرات كل منظومة دفاعية. ففي حال إطلاق صواريخ، سيكون من السهل جداً على الخصم أن يرهق المنظومة الدفاعية عن طريق إطلاق متزامن لعدد كبير من الصواريخ. من هنا، حتى إذا كانت المنظومة الدفاعية ناجعة إلى حد اعتراض عدد كبير من الصواريخ، فإن بعضاً من هذه الصواريخ ستتمكن مع ذلك من العبور وإصابة أهدافها.

ويجدر التذكير هنا أن راجمات الصورايخ مخصصة أصلاً لإطلاق صليات مكثفة تتضمن عدداً كبيراً من الصواريخ. وعلى سبيل المثال فإن راجمة الـ BM-21، التي تعتبر راجمة صواريخ اعتيادية لدى الكثير من الجيوش في العالم، قادرة على إطلاق 40 صاروخ في أقل من دقيقة. ومن هنا فإن بطارية أو شبكة تتألف من (6) راجمات من هذا النوع قادرة على إطلاق 240 صاروخا في نفس هذه المدة الزمنية (دقيقة واحدة). إذن من الصعب تصور منظومة قادرة على اعتراض نسبة كبيرة من هذه الصواريخ. على الرغم من ذلك يجب أن لا يُستنتج من هذا الحديث أن المؤسسة الأمنية تبدد أموال دافعي الضرائب عبثاً أو دون جدوى.

أولاً، من الواضح بالفعل أن أية منظومة دفاعية لا تستطيع مواجهة صليات مكثفة جداً من الصواريخ. غير أن المنظومات الدفاعية مخصصة لمواجهة تهديد إطلاق صورايخ تهدف إلى إزعاج السكان المدنيين، إطلاق عدد قليل من الصواريخ في نفس الوقت وعلى مدى فترة طويلة. وفي مثل هذه الحالة فإن المهاجم أيضاً سيحتاج إلى المحافظة على قواته، وفي الوقت ذاته سيتمكن المدافع من الدفاع بسهولة أكبر.

ثانياً، إن مقارنة ثمن السلاح الاعتراضي بثمن الصاروخ الذي يفترض به اعتراضه هي مقارنة غير سليمة. فالعملية الحسابية الصحيحة هي مقارنة ثمن الصاروخ أو السلاح الاعتراضي مع الضرر المتوقع حدوثه بفعل صورايخ العدو. وفي الواقع، وبعملية حسابية جافة فإن الضرر المتوسط جراء صاروخ واحد يعتبر ضرراً بسيطاً (معظم الصورايخ تنفجر إجمالاً دون إحداث ضرر). بيد أن الحساب الحقيقي يجب أن يشمل أيضاً الضرر المتراكم بالنسبة للسكان الواقعين تحت تهديد الصواريخ المستمر، سواء الضرر المتراكم بالنسبة لاقتصاد المدن والبلدات المعرضة للقصف جراء فرار ونزوح سكانها والخوف من الاستثمار فيها، أو الضرر النفسي الذي يلحق بالسكان.

ثالثاً، هنالك الاعتبار المتعلق بتشجيع الصناعات العسكرية والتي تعتبر مكوناً مهماً في أمن الدولة، ولكن بغية المحافظة على مستواها فإنه لا بد من أن تخصص لها الميزانيات في موازاة وضع تحديات تكنولوجية أمامها.

رابعاً، لا يمكن عزل الاستثمارات في تطوير منظومات الأسلحة عن مسألة علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة. فالمؤسسة الأمنية الأميركية تبدي اهتماماً كبيراً بالمنظومات الدفاعية المضادة للصواريخ وبأية تكنولوجيا مرتبطة بذلك. من هنا فإن الاستثمار في تطوير مثل هذه المنظومات سيجلب مزيداً من الاستثمارات الأميركية (في الصناعات الإسرائيلية) وسيؤدي في الوقت ذاته إلى تعزيز التعاون بين الصناعات العسكرية الإسرائيلية والصناعات العسكرية الأميركية.

أخيراً تجدر الإشارة أيضاً إلى الاعتبار السياسي الذي ربما سيتغلب على باقي الاعتبارات، وهو أن المستوى السياسي لن يتمكن، منذ اللحظة التي يتضح فيها أن ثمة إمكانية، ولو نظرياً، لتطوير منظومة دفاعية من هذا النوع، من تفادي الاستثمار في تطوير هذه المنظومة، لأنه إذا لم يقم بذلك سيضطر لمواجهة الإدعاء "كان باستطاعتك حمايتنا ولم تفعل".

______________________________

* يفتاح شابير- خبير في الشؤون العسكرية والإستراتيجية في جامعة تل أبيب. ترجمة خاصة بـ"المشهد الإسرائيلي".

المصطلحات المستخدمة:

الكاتيوشا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات