المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب فراس خطيب:

في منتصف شهر أيار/ مايو الحالي سيتم الإعلان وبشكل رسمي في إسرائيل عن توصيات "لجنة دفرات"، التي يرأسها الخبير التربوي شلومو دفرات، والتي أعدّت خطة لإعادة المبنى التنظيمي والمنهجي في جهاز التربية والتعليم في إسرائيل. ومع الإقتراب من هذا اليوم يسود الضغط أرجاء وزارة التربية والوزيرة ليمور ليفنات والسلطات المحلية وحتى الطلاب أنفسهم. والقضية حتى الآن لا تحظى بإهتمام إعلامي نتيجة الإستفتاء على خطة "فك الإرتباط"، فقد كان من المفروض الإعلان عنها في تاريخ 2/5 الا أن الأوضاع السياسية أدت الى تأجيل الإعلان الى منتصف الشهر الحالي.

التوصيات

يظهر من تقرير اللجنة أن هناك حاجة ماسة الى إصلاح جذري في الجهاز التربوي- التعليمي الاسرائيلي الذي يعاني من: سوء إدارة تقنية ومنهجية ورؤية خاطئة، وتحصيل متدن للطلاب الإسرائيليين على الصعيدين الداخلي والخارجي. ومن اهم نقاط التقرير، الغاء السلطة الذاتية للمجالس المحلية والبلديات على الأجهزة التعليمية والمدارس ونقلها الى لجنة منطقية تعينها اللجنة تكون مسؤولة عن سير الامور في المراكز التربوية والتعليمية. ويلقى هذا البند الكثير من الإنتقادات ومن المفروض أن يجتمع رئيس الحكم المحلي مع رئيس اللجنة لإبداء المعارضة في هذا الصدد، والذي بحال تنفيذه سيفقد السلطات المحلية صلاحية كبرى كانت تتمتع بها.

نقطة مهمة أخرى جاءت في برنامج اللجنة، هي زيادة عدد سنوات التعليم من 12 سنة تعليمية الى 15 سنة تعليمية، إذ يبدأ التعليم من جيل الثالثة حتى الثامنة عشرة، كذلك تقسيم السنة التعليمية الى فصلين كما هي الحال في الجامعات، وليس الى ثلاثة كما هو متبع اليوم، وتقليل فترة العطلة الصيفية وزيادة فترة العطلة الشتوية . اما بالنسبة الى آلية العمل فإنها ستكون وفق برنامج يقيد عدد إمتحانات التوجيهي (البجروت) ويحدّد المواضيع التعليمية في المدارس.

تظهر من التقرير آلية العمل السائدة في مكاتب وزارة المعارف، وتقترح اللجنة تفكيك تلك الأجهزة مع إتهامها بعدم تلبية متطلبات الوظيفة. وأوصت بتغيير جذري في سلطة وزارة المعارف وإلغاء كل ألويتها، مما يؤدي الى عدم الحاجة للمفتشين من قبل الوزارة، وفي حالة ترجمة البنود المتعلقة بهذا الخصوص على أرض الواقع فسيجد عشرات الموظفين في الوزارة أنفسهم في دائرة البطالة.

تقترح اللجنة زيادة اجور المدرسين مع رفع معايير قبولهم الى الجامعات. وشدّد القائمون على التقرير على أن ثمة حاجة ملحة لتغيير مبنى الساعة التعليمية وإستغلالها لتمرير أكبر عدد من المحاضرات والشرح، وهذا يتطلب مجهوداً مضاعفا من المدرسين والطلاب. وأوصت اللجنة أيضاً بإقامة جسم مهني مستقل عن الوزارة يقوم بفحص إمتحانات الطلاب النهائية (البجروت)، تكون من صلاحياته أيضاً فحص إنجازات الطلاب في الامتحانات القطرية مثل الرياضيات، اللغة الإنجليزية والعلوم ولغة الام عند كل طالب. وسيخضع هذا الجسم الى رقابة جماهيرية عليا.

التقرير... الآن وبالذات

الإنجازات المحبطة التي حققها الطالب الإسرائيلي عامة خارج البلاد أظهرت وبصورة قاطعة أن إسرائيل تقع في أدنى القائمة التربوية التعليمية للدول الأربعين "المتطورة". ووصف التقرير معاناة المدرسين نتيجة أجورهم المتدنية مما يساهم في قلة الانجازات وتدني المستوى المطلوب.

حسب المعطيات المتعلقة بمستوى التعليم الإسرائيلي فإن إسرائيل تعاني من: تحصيل علمي متدن، وضع صعب في المدارس، تأهيل ناقص للمدرسين، فروقات في التحصيل العلمي بين الفقراء والأغنياء، عدم إلتزام بخطط تربوية، إهمال من قبل المعلمين نتيجة شروط العمل "البائسة" كما وصفها البعض، نسبة التسرب العالية، وأخلاقيات متدنية، إذ تنفي هذه المعطيات "الخطيرة" إدعاءات وزيرة التربية والتعليم، ليمور ليفنات، التي قالت إن "مستوى التعليم (في فترتها) في اسرائيل جيدة نتيجة إزدياد عدد الطلاب الحاصلين على شهادات "البجروت" والتي أظهرت فرقاً لا يمكن تجاهله أكثر من سنوات مضت". لكن التقرير يرفض من خلال معطياته تبريرات وتباهي الوزيرة ليفنات ويؤكد على ان هذه المعطيات التي تدلي بها ليفنات، لا تعكس حالة الجهاز الحقيقية ولا حتى إنجازات ومكاسب موثوقة للمتخرجين، إذ يعود الارتفاع في عدد الحاصلين على شهادة البجروت الى التسهيلات التي كانت في السنوات العشر الماضية من اهمها طريقة "القرعة" لاختيار موضوع الامتحان، التساهل في كمية مواد الامتحانات النهائية، إضافة إلى كل التسهيلات الباقية التي بدأت بعدما تسلم البروفيسور امنون روبنشطاين (ميرتس) ملف وزارة المعارف.

ردود فعل حول التقرير

أثار هذا التقرير ردود فعل ايجابية وسلبية في صفوف الذين يخصهم الأمر، والسؤال المطروح اليوم، من سيتسلم السلطة التنفيذية لتطبيق التوصيات في حالة قبولها ولترجمة خطة "إعادة بناء التعليم" على أرض الواقع.

تعودت السلطات المحلية في سنوات مضت على توزيع الميزانيات الممنوحة من الحكومة إضافة الى ميزانيات تقوم هي بتجنيدها، وتحظى مقابل هذا بسيطرة شبه تامة على مجريات الأحداث التربوية التعليمية في القرى والمدن ، ولكن اللجنة أوصت اليوم بإقامة ألوية منطقية مؤلفة من عاملين في قسم المعارف والثقافة في السلطات المحلية، ولكن سياسة الألوية ستكون مستقلة تماماً عما تريده السلطات. إذ ان الصلاحيات شبه الكاملة التي حظي بها رؤساء البلديات من تعيين مدراء وما شابه ستنتهي في حال تطبيق توصيات اللجنة، ما أدى إلى إعلان رؤساء السلطات المحلية رفضهم لهذا البند الذي يعتبر أساسيا، وشدّدوا على عدم قبولهم - حسب إدعاءاتهم- لمثل هذه التوصيات التي تقلل من صلاحياتهم المعهودة. إذ ان السلطات لن تستطيع التصرف بالأموال كما تصرفت في السابق، وستغلق كل أقسام المعارف في المجالس المحلية. ولكن حتى الآن الامور غير واضحة ومن الضروري إنتظار الإعلان عن التقرير لأن التفاصيل الحقيقية والدقيقة لم تظهر حتى الآن. ويظهر الرسم البياني التالي العلاقة بين البلديات والحكومة التي كانت على مدار سنوات.. كما يظهر الميزانيات الممنوحة وتصرف السلطات المحلية فيها.

نسبة إشتراك الحكومة في ميزانية التربية والتعليم

مصروفات المجلس المحلي على التربية والتعليم بشكل فعلي

الميزانية التي تمنحها الحكومة للتربية والتعليم (بالملايين)

البلدة

36.5%

657.3

239.9

تل ابيب

53%

664.5

353.2

القدس

65%

234.3

152.6

حيفا

50%

76.6

38.5

رمات هشارون

61.6%

199.6

123

حولون

69%

51.2

35.6

كريات شمونه

71%

30.2

21.5

اوفكيم

95%

50.5

48

ام الفحم

إذا استعرضنا حال المدارس في إسرائيل سنجد ايضا أن صلاحية المدير إزدادت جداً، فهو يستطيع حسب التقرير أن يوظف ويفصل موظفين ومدرسين، الأمر الذي يخلق توتراً في صفوف المدرسين، وإدعى البعض أن مثل هذا البند من شأنه أن يقلب المدرسة من مؤسسة تعليمية قائمة بحد ذاتها الى مؤسسة خاصة تقع كل الصلاحية بيد مديرها. وحسب ما جاء في صحيفة "معاريف" فإن المعلمين يخافون على أنفسهم من التصرف غير الطبيعي مع المدير كي يكسبوا رضاه ويبقوا في الوظيفة. وتساءل البعض، ماذا عن التحزبات والخلافات الشخصية؟ كيف سيكون التعامل معها؟.

على الرغم من هذا التوتر إلا ان نقابات المعلمين باركت التقرير، لكنها حذرت من مغبة التعامل غير الصحي مع المدرسين وإقالة عدد منهم، ومن بين المحذرين كان سكرتير نقابة المعلمين في الهستدروت الذي قال: "نحن معنيون بمد يد العون للخطة الجديدة، ولكن لن نوافق ولا بأي ثمن على إعطاء السلطة لمديري المدارس".

د. نمرود الوني لـ"المشهد الإسرائيلي": ثمة مكان للخطة

أخصائي التربية وعلم الإجتماع، د. نمرود ألوني، من كلية "سيمنار هكيبوتسيم" في تل أبيب، كتب مقالات كثيرة تناولت قضية التربية والتعليم في إسرائيل. وعلى مدار سنوات ماضية كان نشطاً في المجال ذاته، وعضواً في رابطة ضمت في حينه مجموعة من التربويين والعاملين في جهاز التربية والتعليم من العرب واليهود.

(*) "المشهد الإسرائيلي": انت ممن إنتقدوا سياسات التعليم في الدولة والآن توجد خطة جديدة، ما رأيك ببنودها؟

(*) لا أعتقد أن الحديث عن خطة "إعادة البناء" هو أمر يجب البت فيه الآن وبالذات، فنحن لا نعرف عن ماذا تتحدث الخطة بالضبط، والتفاصيل التي وصلتنا ما هي الا تسريبات من الصعب اخذها كلها بعين الاعتبار. ولكن ما اقوله ومن دون أدنى شك إن هناك مكاناً لإعادة بناء التعليم الاسرائيلي نظراً للأوضاع الصعبة التي يعاني منها الجهاز التربوي، فمستوى التحصيل متدن، والفرق بين الطلاب الناجحين والفاشلين كبير جدا، كذلك فإن الازمة المالية التي يعاني منها الشارع الاسرائيلي عادت وزادت الوضع تعقيداً، وهناك مسألة فوضى التيارات، ليس فقط تيارات متدينة وعلمانية إنما أيضا تيارات سياسية عديدة. هذا لا يلائم الجهاز التربوي أصلاً.

(*) "المشهد الإسرائيلي": لم يكن هناك ذكر للسلك التعليمي العربي على الرغم من احتياجاته الخاصة جداً؟

(*) هناك أفضلية معينة للسلك التعليمي عند المتدينين اليهود عن التعليم في الوسط العربي، نتيجة برنامج تربوي يخصهم، ونحن في وضعية لا يتمتع فيها الجمهور العربي بدعم كاف من قبل السلطات لتحسين الأوضاع.

(*) "المشهد الإسرائيلي": في سنوات الستين كانت إسرائيل تتمتع بمرتبة عالية في التحصيل العلمي، واليوم هي مدرجة في مرتبات دنيا إن لم تكن أدناها، وفي مرتبات متقدمة من حيث الفرق بين التحصيل العلمي بين الطلاب أنفسهم، كيف تفسر مثل هذه الحقيقة؟

(*) أحد الأسباب لذلك هو أن المجتمع الإسرائيلي أضاع الإلتزام في التربية والثقافة، الفن، الأخلاق، وحل تفكك في هذا المجال، والنتيجة كانت إنخفاض مكانة المدرس. من ناحية أخرى فإن الإعلام الإسرائيلي مهيمن في صوره اليومية التي تتمركز في السياسة والسياسيين ومواضيع بعيدة عن التربية مما أدى الى إبعاد الطلاب عن المجال التعليمي التربوي، وإنقلب الوضع الى وضع إستهلاكي. الثقافة الاسرائيلية تفككت، والالتزام بقيم الثقافة بات في وضع صعب للغاية. .

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تربط بين سياسة الحكومة وكل ما يجري اليوم؟

(*) ماذا أقول لك؟ ولكن قل لي من تعاشر أقول لك من أنت. إذا نظرنا الى الوضع السياسي خاصة نوعية البشر التي لها علاقة مع السياسيين في الدولة نكتشف انهم عبارة عن رجال أعمال، مقاولي أصوات، ورجالات لهم علاقة مع العالم السفلي. هذا هو الوضع. كذلك ثمة محاولة من كبار السياسيين في الدولة مثل بنيامين نتنياهو وليفنات لإنهاء سيطرة الطبقة الثقافية التي تشكلت من اليساريين، وطبعاً هذا يؤدي الى خلق حالة غير صحية فهؤلاء الناس لهم خبرة أكاديمية، فنية، ثقافية، علمية في عدة مجالات، ويعرفون معنى حقوق الانسان، ومعنى الفن. يتمتعون بليبرالية وابعادهم عن الحيز التربوي والثقافي يشكل سببا مهما في الوضعية الصعبة.

(*) "المشهد الاسرائيلي" : لم تتطرق اللجنة الى التعليم في الوسط العربي والمعاناة في السلك التعليمي هناك؟

(*) اذا كان هذا المجتمع متعدد الحضارات، فبطبيعة الحال توجد تيارات عديدة، وانا اقول إنه يجب ان تكون خصوصية للجمهور العربي كما هي الحال عند المتدينين. هذا ادنى الحقوق. والجمهور العربي لا يقل أهمية. هناك عدم مساواة واضحة فالحكومة تعطي الامكانية للمتدينين ولا تعطيها للعرب. اذا كانت هناك نية للتحسين يجب ان تعطى كل التيارات حقها الثقافي، فمثلا يستطيع العرب ان يضعوا منهاجاً تربوياً يخصهم الى جانب الإشتراك بمنهاج موحد للدولة كلها.

(*): "المشهد الاسرائيلي": انت ممن يسعون لبناء مدارس تتبنى التعايش بين العرب واليهود. كيف ستجد منهاجاً تربوياً مناسبًا في ظل هذه الأوضاع؟

(*) هذه واحدة من اهم المبادرات الجميلة التي قمنا بها حتى الآن، بمشاركة رجالات ثقافة وأكاديميين عرب من مناطق مختلفة في الدولة. صاحب الفكرة هو د. ايال نافيه، وهو محاضر في جامعة تل ابيب ومحاضر في كلية "سيمنار هكيبوتسيم"، وهو من طوّر الفكرة ومن دعمها بعدما كتب في كتاب له يدعى "تواريخ" عن الفكرة، وقد عرض من خلاله طريقة تعليمية تعتمد على حوارات تربوية هدفها الإلتقاء في مكان ما. فمثلا يدور الحديث عن عام 48، وكل فئة تتحدث عنه من منظارها، وهذا هدف ديمقراطي ثقافي من الدرجة الاولى. اذا نجح برنامج من هذا النوع فهذا يعني نجاحًا في ترجمة الديمقراطية والانسانية وتقبل الرواية التاريخية للآخر مع إحترام لتوجهاته. وهذا أهم ما نسعى اليه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات