المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لو لم يكن أريئيل شارون في سبات عميق، لكان سيقفز من سريره فرحا. فوز حماس يحقق أحلامه الوردية.

طيلة سنة كاملة، فعل كل ما في وسعه ليزعزع مكانة أبي مازن. كان منطقه بسيطا: الأميركيون طالبوه بإجراء مفاوضات مع أبي مازن. مثل هذه المفاوضات كانت ستؤدي بالضرورة إلى وضع يضطر فيه للتخلي عن كل الضفة الغربية تقريبا. لم يكن شارون ليحلم في أن يفعل ذلك. لقد أراد ضم حوالي نصف أراضي الضفة الغربية، لذلك كان عليه التخلص من أبي مازن وشخصيته المعتدلة.

تدهور وضع الفلسطينيين، طيلة تلك السنة، من يوم إلى يوم. ممارسات الاحتلال منعت أية إمكانية لحياة طبيعية واقتصاد طبيعي. تم توسيع المستوطنات في الضفة الغربية. بناء الجدار، الذي يضم إلى إسرائيل عُشر الضفة تقريبا، تقدم بسرعة. التصفيات الموجّهة تواصلت. لم يتم إطلاق أي أسير مهم. كان الهدف هو إقناع الفلسطينيين أن أبا مازن ضعيف، وأنه غير قادر على التوصل إلى أي شيء، وأنه لا يوجد أي معنى لطرح السلام على إسرائيل والحفاظ على وقف إطلاق النار.

كانت الرسالة إلى الفلسطينيين واضحة: "إسرائيل تفهم لغة القوة فقط".

ها هو الحزب الذي تحدث بهذه اللغة يفوز بالانتخابات الآن.

لماذا فازت حماس؟

ترتكز الانتخابات الفلسطينية على الطريقة الألمانية: يتم انتخاب نصف أعضاء البرلمان بواسطة قوائم حزبية قطرية، كما هي الحال في إسرائيل، والنصف الآخر يتم انتخابه بانتخابات شخصية-لوائية. تعطي هذه الطريقة أفضلية كبيرة لحماس.

في الانتخابات القطرية التي أجريت وفق القوائم الحزبية، انتصرت حماس بفارق ضئيل فقط. هذا يعني أنه في كل ما يتعلق بالبرنامج السياسي، الأغلبية ليست ببعيدة عن الخط الذي تنتهجه حركة فتح- دولتان، سلام مع إسرائيل.

الكثير من الأصوات التي أدلي بها لصالح حماس، لم تكن تنبع من النظرة إلى السلام أو من رأي ديني متشدد، بل عبرت عن الاحتجاج. أحس "الإنسان العادي" بأن الزعامة لا تنظر إليه. السلطة الفلسطينية التي تسيطر حركة فتح عليها كاملة، تلوثت بوصمة الفساد. اتهمت فتح بمسؤوليتها عن الوضع الصعب الذي أحدثه الاحتلال.

التضحية الشخصية والنضال العنيد ضد الجيش الإسرائيلي تم تسجيلهما لصالح حركة حماس أيضا، التي يتألف اسمها من الأحرف الأولى لكلمات "حركة المقاومة الإسلامية". الفلسطينيون على قناعة بأن انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة هو انتصار للمقاومة.

كان وضع حماس في الانتخابات الشخصية- اللوائية، أفضل بكثير. قدمت حماس مرشحين أكثر جودة، لم تلتصق بهم وصمة الفساد. آليتها أكثر نجاعة، وأكثر انضباطا بكثير. لقد تنافس مرشحو فتح فيما بينهم. منذ وفاة ياسر عرفات، لا يوجد لدى فتح زعيم قوي قادر على فرض الوحدة على حركته. ربما كان مروان البرغوثي قادرا على فعل ذلك ولكنه في السجن. سجنه كان أكبر معروف صنعته إسرائيل مع حماس.

الأشخاص الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة يمكن أن يدعوا بأن هذا كله هو مخطط إسرائيلي شرير.

هناك من يدعي أن حماس كانت منذ البداية اختراعا إسرائيليا. هذه بطبيعة الحال مبالغة كبيرة. إلا أنه من الصحيح أن المنظمة الإسلامية كانت، في السنوات التي سبقت الانتفاضة الأولى، هي الجهة الفلسطينية الوحيدة التي كان بإمكانها أن تتصرف بحرية تكاد تكون مطلقة.

كان المنطق على النحو التالي: العدو هو منظمة التحرير الفلسطينية. الإسلاميون يكرهون منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية وياسر عرفات. إذن يمكننا استخدامهم ضد منظمة التحرير الفلسطينية.

إضافة إلى ذلك، في حين كان أي نشاط سياسي في الأراضي المحتلة ممنوعا منعا باتا، وحتى نشطاء السلام سجنوا بتهمة النشاط السياسي الممنوع، لم يكن بمقدور أي شخص أن يراقب ما يحدث في المساجد. "طيلة الوقت الذي كانوا يصلون فيه، لم يطلقوا النار"، هذا ما اعتقده الحكام العسكريون بسذاجتهم.

حين نشبت الانتفاضة الأولى، في نهاية عام 1987، ثبت بأن هذا كان خطأ. أقام زعماء الجمهور الإسلامي حركة حماس، لمنافسة منظمة الجهاد الإسلامي. تحوّلت حماس، خلال وقت قصير، إلى القوة الأمامية في النزاع المسلح. رغم ذلك، وخلال سنة تقريبا، لم ينفذ الشاباك أي نشاط ضدها. بعد سنة فقط تبدلت السياسة وتم اعتقال الشيخ أحمد ياسين.

لقد نبع كل ذلك من الحماقة أكثر مما نبع من سوء النية. ها هي حكومة إسرائيل الآن تواجه زعامة حماس التي انتخبها الشعب الفلسطيني في إطار عملية ديمقراطية.

ماذا سيحدث الآن؟ إن ما يحدث يمكننا أن نسميه "استرداد الذاكرة"، وكأننا قد شهدنا ذلك.

في السبعينيات والثمانينيات صرحت حكومة إسرائيل بأنها لن تتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية أبدا. إنها منظمة مخربين. "الميثاق الفلسطيني" الخاص بها دعا إلى القضاء على إسرائيل. عرفات هو وحش، هتلر آخر، ولذلك لن...... أبدا.

في نهاية الأمر، بعد سيل من الدماء، اعترفت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إحداهما بالأخرى ووقعتا على اتفاقية أوسلو. كان بالإمكان التوصل إليها قبل عشر سنوات من ذلك الوقت والتصرف بسرعة.

نحن الآن نسمع النغمة ذاتها. مخربون، قتلة. ميثاق حماس يدعو إلى القضاء على إسرائيل. لن نتفاوض معهم أبدا.

هذا كله يعود بالفائدة على حزب "كديما" الذي يدعو بشكل علني إلى ضم أحادي الجانب ("سنحدد بأنفسنا حدود إسرائيل من جانب واحد"). هذا كله سيساعد الليكود وصقور حزب العمل الذين يرددون ترنيمة "لا شريك لدينا".

إلا أن هذه النغمة ستتغير تدريجيا. الطرفان، وكذلك الأميركيون، سينزلون عن الشجرة العالية التي تسلقوها. ستعلن حماس أنها مستعدة، بشكل أو بآخر، للتفاوض، وحتى أنها ستجد مبررا دينيا لذلك. ستذعن حكومة إسرائيل (برئاسة إيهود أولمرت على ما يبدو) للواقع وللضغط الأميركي. ستنسى أوروبا شعاراتها السخيفة التي أطلقتها.

في نهاية الأمر سيوافق الجميع على أن السلام بمشاركة حماس أفضل من السلام بمشاركة فتح فقط.

ما تبقى هو أن نتوسل إلى الله ألا تسفك، حتى ذلك الحين، المزيد من الدماء.

المصطلحات المستخدمة:

كديما, الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات