المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في هذه الأيام التي نركز فيها على الفلسفة التدميرية لحماس الداعية إلى تدمير دولة إسرائيل، يجدر بنا استذكار أن أيديولوجيا منظمة التحرير (وفتح الأكبر بين منظماتها)، كما عبرت عن نفسها في ميثاقها الوطني وتصريحات زعمائها حتى نهاية الثمانينيات (بل وأحيانا في التسعينيات)، كانت تشبه إلى حد كبير فلسفة حماس الراهنة.

إن حملة التخويف التي تشن في وسائل الإعلام الإسرائيلية من العواقب الفظيعة لقيم دولة "حماستان" في المناطق وتشويه زعمائها، تكاد تبلغ حد الذعر. وبديهي أنه لا ينبغي الاستهانة بالوضع الناشئ، غير أن التحليل الواعي للسيناريوهات المحتملة يمكن أن يشير إلى أنه تكمن في صعود حماس بذور محتملة لتغيير إيجابي على المدى البعيد.

ويتعلق التغيير الأول بالسيرورة الديمقراطية الجارية في السلطة. إذ سيضطر مؤيدو الأيديولوجية الإسلامية للعمل في إطار قواعد لعبة، تقرر أن هناك مدة محددة لحكمهم. وبكلمات أخرى، فإن رجال حماس سوف يضطرون للعمل بسرعة، حتى جولة الانتخابات المقبلة، من أجل إقناع الجمهور الفلسطيني بأن اختيارهم كان مجزيا. وفي وضع كهذا فإن تبني سياسة متشددة تقود إلى فرض حصار إسرائيلي على المناطق وتدهور الوضع الاقتصادي، يمكن أن يلحق الضرر بالحكم الفلسطيني الجديد في كفاحه لكسب تأييد الرأي العام. والأمر الثاني يتعلق بسلم أفضليات حماس: وكمن صعدت إلى السلطة بهدف محاربة الفقر والفساد اللذين أشاعهما الحكم السابق، سوف تضطر حماس لأخذ موقف الغرب وإسرائيل اللذين يضخان أموالا إلى السلطة الفلسطينية بأشكال مختلفة بالحسبان. ورغم أنه على المستوى الدعائي سيرد زعماء حماس بشدة على التهديد بعقوبات اقتصادية، فإنهم بشكل عملي سيضطرون لتقرير ما إذا كانت تصريحاتهم الحماسية "تستأهل" تدهور الوضع الاقتصادي.

والأمر الثالث يتعلق بعلاقات حماس مع كل من مصر والأردن، الدولتين المعنيتين باستمرار العملية السياسية. فالدولتان ستبذلان كل جهد ممكن لقمع كل نشاط إسلامي داخلي، يمكن أن يقوض أسس نظامي الحكم فيهما. ومن الجائز أن لدى حماس، بقدر ما، دعما إيرانيا ولكن ليس لدى حماس الدعم الجغرافي المباشر من الأردن ومصر، وهي لا يمكن أن تسمح لنفسها بالتصادم معهما.
أما الأمر الأخير فيتعلق بمدى شرعية الحكم الفلسطيني وتأثير ذلك على قدرته على إدارة مفاوضات مع إسرائيل. ومن الناحية الظاهرية كانت سلطة أبو مازن وحكومة حركة فتح مريحتين نسبيا لإسرائيل، غير أن الشرعية الداخلية لهذه السلطة كانت تتآكل، الأمر الذي قاد إلى تجميد العملية السلمية وإلى تطوير بديل إسرائيلي غير مدهش اسمه "خطة الفصل". والآن، صحيح أن إمكانية تجميد العملية السياسية صارت فعلية، إلا أن ذلك لا ينطوي على تغيير جوهري في الوضع. فصعود حماس، التي تتمتع بدعم وشرعية لسلطتها، يمكن أن يتيح لها ولزعمائها إن أقروا بذلك اتخاذ قرارات شجاعة تحظى بدعم واسع. وبكلمات أخرى، فإن منطق "الليكود فقط هو القادر" أي تحديدا الجهة التي تتبنى المواقف الراديكالية يمكن أن تقود نحو تغيير جوهري لأن بوسعها أن تجرف معها قطاعات أوسع من الجمهور، قد يغدو منطقا ساريا في حالة حماس أيضا. ومثل هذا التغيير لن يحدث قريبا، ولكنه أمر ممكن في المدى البعيد.

ومثل هذا التغيير يرتبط كذلك بقدرة حماس على المحافظة على التضامن التنظيمي والأيديولوجي. وليس مفاجئا وصول التنظيم موحدا إلى الانتخابات لأن هدف التخلص من النظام الحالي رص صفوفه. ولكن من المنطقي الافتراض، كما حدث في ثورات كثيرة أخرى، أن تظهر خلافات في الرأي قريبا حول كل ما يتعلق بتبني "الطريق الصحيح" من الناحية السياسية والاقتصادية. فهذه الخلافات يمكن أن تقود إلى إقامة جناح صقري مقابل جناح معتدل (وهذا أمر قائم الآن بدرجة معينة داخل حماس). وقد صدرت أصوات أكثر اعتدالا في الفترة التي سبقت الانتخابات، ولكن يجب التريث لرؤية إن كانت هذه الأفكار سوف تتحول إلى نظرة مبلورة. وقد حدث مثل هذا التغير الأيديولوجي في منظمة التحرير في التسعينيات. ورغم أن الأيديولوجية الدينية لحماس تعتبر من الناحية الظاهرية أقل انفتاحا على التغيير من الأيديولوجية العلمانية لمنظمة التحرير، فإن التاريخ يعلمنا أن التنظيمات الدينية أيضا عدلت مواقفها إزاء الواقع.

وإجمالا، فإن صعود حماس يبشر فعلا بتغيير فعلي في العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين. وظاهريا يبدو أن هذا تغيير نحو الأسوأ، يبشر بتصعيد وتطرف، ولكنه قد يقود إلى نتائج إيجابية على المدى البعيد.

________________________________

(*) الكاتب محاضر في الجامعة العبرية- القدس.

المصطلحات المستخدمة:

الليكود

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات