المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في أوج القوة البرلمانية للمستوطنات الزراعية والكيبوتسات، في سنوات الدولة الأولى ، فاز عضو كنيست أو ثلاثة وحتى أربعة من أصل تجمع سكاني واحد. وفي معظم الحالات كان هذا التجمع لا يضم إلا بضع مئات من السكان. نهلال كانت أبرز التجمعات التي خرج منها عدد كبير من أعضاء الكنيست ولكن هناك تجمعات أخرى أرسلت أزواجاً من أعضاء الكنيست مثل عين حارود (اسحق طبنكين وأهرون تسيزلينج) ومشمار هعيمك (يعقوب حزان ومردخاي بنطوف).

ولكن بعد سنوات عديدة استطاع وسط سكاني آخر، هو وسط المستوطنين، أن يصل إلى ذروة تمثيله البرلماني، ومرة أخرى تخرج مستوطنات صغيرة نسبياً ازواجاً من أعضاء الكنيست: نيسان سلوميانسكي وشاؤول يهلوم من المفدال هما من مستوطنة "الكناه،" أوري أريئيل و د. أريه الداد من الاتحاد الوطني يسكنان في "كفار أدوميم"، أفيغدور ليبرمان الذي استقال من الكنيست بعد أن عيّن وزيراً هو جار عضو الكنيست من الليكود ميخائيل جورلوفسكي في مستوطنة "نوكديم".

كان ربع أعضاء الكنيست الأولى والثانية تقريباً (28 عضو كنيست) هم من أبناء "المستوطنات العمالية" ومعظمهم كانوا من أعضاء الكيبوتسات، بعضهم جاء من المستوطنات الزراعية. ومنذ ذلك الوقت أخذ عدد ممثلي الكيبوتسات والمستوطنات الزراعية في الهبوط. في الكنيست السابعة وصل عدد أعضاء الكيبوتسات إلىعشرة أعضاء فقط. اليوم يوجد في الكنيست ثلاثة أعضاء من الكيبوتسات وستة أعضاء من المستوطنات الزراعية (خمسة منهم ينتمون إلى كثل اليمين). في المقابل بدأ عدد أعضاء الكنيست من سكان يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة في الإزدياد. المستوطن الأول الذي دخل إلى الكنيست هو حنان بورات من كفار عتصيون، وكان ذلك في الكنيست العاشرة، في 1981. ومنذ ذلك الوقت أدى ازدهار الاستيطان في يهودا والسامرة وغزة خلال الثمانينيات والتسعينيات إلى مضاعفة تمثيل المستوطنين في الكنيست. في الكنيست السابقة، الخامسة عشرة، دخل إلى الكنيست عشرة مستوطنين. وفي الكنيست الحالية – السادسة عشرة – وصل عددهم إلى 11 عضو كنيست هم: تسفي هندل، أوري أريئيل، أريه الداد، بيني ألون، أفيغدور ليبرمان، من الاتحاد الوطني (ليبرمان استقال من الكنيست لصالح اليعيزر كوهين)، نيسان سلوميانسكي، شاؤول يهلوم من المفدال، يولي أدلشتاين، ميخائيل جورلوفسكي ويحيئيل حزان من الليكود، ونسيم دهان من شاس.

البروفيسور شيفح فايس، الخبير في العلوم السياسية والذي كان عضواً في الكنيست لسنوات طويلة وشغل منصب رئيس الكنيست الثالثة عشرة، قال إنه يوجد تشابه كبير بين المستوطنين وأعضاء الكيبوتسات والمستوطنات الزراعية ولكن يوجد فارق جوهري بين هذين الوسطين السكانيين وهو أن أعضاء الكنيست من المستوطنات العمالية جاءوا من قلب الإجماع الوطني في حين أن أعضاء الكنيست المستوطنين جاءوا من قلب الإختلاف.

في الكيبوتسات والموشافات والمستوطنات، على حد سواء، يرون في ممثليهم في الكنيست نخبة محترمة في وسطهم السكاني، يقول شيفح فايس. ويضيف: "هم يشبهون بعضهم البعض بكونهم بارزين ويحملون معتقدات صهيونية طلائعية ويرفعون شعارات مثل احتلال الأرض، رسم حدود إسرائيل أو احتلال الأرض القاحلة. الحلم الذي تمسك به حزب العمل وهو حدود التقسيم + هو أيضاً منذ 1967 حلم المفدال، بني عكيفا، غوش أيمونيم وحركات مشابهة في مناطق يهودا والسامرة وغزة والجولان. ولعل ارتفاع عدد أعضاء الكنيست من هذه الأوساط يشير إلى أن الإصرار على التمسك بهذا الحلم قد تمكن عميقاً في نفوس الوسط الذي يمثلونه، أي المستوطنين، الذين يقترب تعدادهم من ربع مليون نسمة". قبل حوالي عشر سنوات شكّل المستوطنون ما نسبته حوالي 2% فقط من السكان اليهود واليوم تصل نسبتهم إلى 4% - وهي النسبة التي شكلها سكان الكيبوتسات في السنوات الأولى لدولة إسرائيل.

مع ذلك، يؤكد شيفح فايس، فإنه يوجد فارق كبير بين هذين الوسطين، وهو "أن أعضاء الكنيست من الكيبوتسات في سنوات الدولة الأولى كانوا جزءاً من قيادة الييشوف. وقد جاءوا من صلب المجتمع الإسرائيلي وارتبط بهم كتّاب وشعراء إسرائيليون. وكان في عدادهم شخصيات مثل حزان (يعقوب)، مئير يعاري من مرحافيا، حاييم جباتي من عين حارود، يسرائيل جليلي من نعان، يغئال ألون من جينوسار، إسرائيل بار يهودا من ياغور. جولدا مائير سكنت لفترة معينة في مرحافيا. دافيد بن جوريون سكن في أواخر عمره في سديه بوكير. شعراء وكتّاب، مثل ناتان الترمان وأبراهام شلونسكي، كتبوا لهم. مسرح هبيما ذهب لعرض مسرحياته في عيمق يزراعيل، ومسرح الكاميري خصص لهم مسرحيات. لم يكن قائد واحد في المستوطنات إلا وكان له إبن أو إبنة في الكيبوتسات. هذه كانت خلاصة الطباع القومية الإسرائيلية. أعضاء الكنيست من المستوطنات العمالية وصلوا إلى الكنيست من خلال دفء الإجماع الوطني في حين أن أعضاء الكنيست من يهودا والسامرة وغزة وصلوا إلى الكنيست من خلال صراع متواصل ".

من الصهيونية الدينية إلى الدينية الصهيونية

للإرتفاع المثير لأعضاء الكنيست من المستوطنين ثمة خلفية أيديولوجية محددة. الدكتور جدعون أرن، المحاضر في علم الإجتماع في الجامعة العبرية والذي بحث في حركة جوش إيمونيم، قال ذات مرة إن السيرورة التي حصلت لدى الجمهور الديني الوطني في أعقاب حرب الأيام الستة كانت انتقالاً من الصهيونية الدينية إلى الدينية الصهيونية. ويوضح أرن بأنه إذا فهمت الدينية في الماضي على أنها أمر شخصي تقريباً، وكان الأساس الأيديولوجي هو الشراكة مع المعسكر الصهيوني، فإنه بعد 1967 توقف الدين عن الإنتشار كحالة شخصية فقط وصار ينظر إلى البعد القومي من خلال الدين. وأحد انعكاسات ذلك تمثل في توجه قادة جوش إيمونيم إلى استخدام أدوات دينية وشرعية في حكمهم في قضايا سياسية وأمنية.

التغيير الأساسي حصل في رؤية الأهداف وتحديدها. فإذا كان الصهيونيون الدينيون يفضلون حتى 1967التشبه بالعلمانيين وإقامة مستوطنات شبيهه بالكيبوتسات والمشاركة في العبء الصهيوني فإن الأهداف التي وضعت بعد 1967 كانت أبعد من ذلك بكثير. والمنشورات الأولى لجوش إيمونيم، الحركة التي وصل الكثير من خريجيها إلى الكنيست، تحدثت عن "تحقيق الحلم الصهيوني في إطاره الكامل" وذكّرت بالخلاص الكامل.

في أوج النضال ضد الإنسحاب من سيناء، في 1981-1982، نشر الحاخام إيلي سدان مقالاً تحت عنوان (لنؤسس من جديد دولة اليهود). وقد رفض سدان الفهم الصهيوني التقليدي وقال إن هذا الفهم يرى في أرض إسرائيل ملجأ أمنياً فقط ولايرى فيها فرضاً أو هدفاً دينياً. بيني كتسوبر، الذي كان في السابق أحد أعضاء الكنيست من سكان يهودا والسامرة وغزة، رأى أن "جوش إيمونيم شكلت مواجهة قيمية لخط المباي التقليدي الذي يرى في أرض إسرائيل ملجأ فحسب".

د. ديفيد هانشكي كتب قبل حوالي عشر سنوات في جريدة المستوطنين "نكوداه" ( بؤرة) إن "التعاون مع الصهيونية العلمانية استمر طالما تبنت الصهيونية العلمانية بصورة واضحة فكرة الوطنية اليهودية. وعندما اتضح أن دولة إسرائيل ليست إلا دولة علمانية ديمقراطية لا يوجد لليهودية مكان في سياستها فإن ذلك شكل خيانة لجذور الحياة اليهودية حتى وإن كان ذلك من قبل من يتحدثون العبرية". كذلك فإن بعض قادة المستوطنين وكتّابهم نشروا في الثمانينيات والتسعينيات أقوالاً مشابهة.

على هذه الخلفية الأيديولوجية ارتفع مع مرور السنين أيضاً عدد ممثلي يهودا والسامرة وغزة في الكنيست، غالبيتهم الساحقة متدينة، من المفدال والاتحاد الوطني. رسالتهم الواضحة كانت: نحن أعضاء الكنيست من سكان يهودا والسامرة وغزة وحلفاءنا الأيديولوجيين الذين يسكنون داخل الخط الأخضر (أعضاء كنيست سابقين مثل حاييم دروكمان، غيئولا كوهين، غرشون شافط) لا يمكننا التسليم مع الخطوات التي تحول إسرائيل تدريجياً إلى دولة علمانية ديمقراطية ونطالب بأن تكون القومية اليهودية أو الدين اليهودي أو الإثنان معاً جزءاً أساسياً من الدولة. وكان لهذا الفهم شركاء في أوساط الكثير من الليكود وحتى من حزب العمل.

عضو الكنيست أوري أريئيل، الذي كان سكرتير مجلس "مستوطنات يهودا والسامرة وغزة" ورئيس مجلس بيت إيل، يحاول أن يوضح ارتفاع عدد أعضاء الكنيست المستوطنين مقابل انخفاض قوة ممثلي المستوطنات العاملة بقوله: "الفارق هو بين مفهوم البقاء الذي ميّز المستوطنات العمالية قديماً وبين مفهوم الرسالة والأهداف الواضحة الذي يميّز الجمهور الذي أرسلني وزملائي إلى الكنيست".

أريئيل يعتقد أيضاً بأن ميزان القوى في الكنيست يعكس التغيرات التي تجري على المجتمع الإسرائيلي: "لم نعد قيثارة ثانية وانضممنا إلى قيادة الاوركسترا".

الحاخام دانيئيل شيلو، حاخام كدوميم، يتوسع هو أيضًا في هذا الموضوع في مقال له نشر قبل شهرين في صحيفة "هتسوفيه" (المشاهد). وهو يعتقد أن التعامل مع المتدينين بعد إقامة الدولة مباشرة تميز بالإزدراء الشديد، ولكن بعد مرور سنوات تحول هذا التعامل إلى التقدير ومن ثم إلى الحسد. "وتدريجياً- يقول شيلو- تبين أن المتدينين ينافسون العلمانيين في شتى المجالات الحيوية وقد حققوا إنجازات كبيرة في مجال الطب والإقتصاد وغيرها". ويضيف شيلو: " إن حركات الشبيبة الكيبوتسية وكل الرموز التي عبرت عن النهضة الوطنية أخذت في الإنحسار. وشكل الإستيطان الجديد بعد حرب الأيام الستة يعتبر مثالاً للحسد من قبل العلمانيين".

عضو الكنيست من العمل والذي شغل منصب وزير الزراعة شالوم سمحون يقول إنه لا يغار من إنجازات أعضاء الكنيست من يهودا والسامرة وغزة، لأن إنجازاتهم لم تصبح جزءًا من الإجماع، ورغم ذلك يتحدث سمحون عن تقديره لنجاحهم وإنجازاتهم "فقد استطاعوا أن يقيموا أنظمة داخل موازنة الدولة تمكنهم من الحصول على مبالغ مالية ضخمة، كل وزير يعرف أنه يوجد داخل وزارته نظام كامل يضخ الأموال إلى يهودا والسامرة وغوش قطيف، ويوجد وزراء أنهوا فترة عملهم كوزراء دون أن يفهموا كيف يعمل نظام كهذا".

عضو الكنيست أفيشالوم فيلان من ميرتس يفرق بين ممثلي المستوطنين الأيديولوجيين – 9 أعضاء في الكنيست الحالية – وبين "الطارئين" حزان وجورلوفسكي. "النخبة الأيديولوجية لأرض إسرائيل الكاملة انتقلت للسكنى في المستوطنات، ومن الطبيعي أن تتسلم القيادة هناك. العملية الإجتماعية تشبه إلى حد كبير ما يحصل في الكيبوتسات ولكن نخبة المستوطنين لم تستبدل بالضبط نخبة المستوطنات العمالية. أعضاء الكنيست المستوطنون هم الوجه الحقيقي لإسرائيل المسيحانية التي ترفض الاعتراف بالواقع، كل أعضاء الكنيست من يهودا والسامرة وغزة هم شخصيات مثالية وأيديولوجية. وهم مستقيمون يسقطون حكومة وراء حكومة بسبب معتقداتهم ... لم يأتوا لأجل المال والشهرة ولا أحد يمكنه إملاء رأيه عليهم".

من ناحية ثانية، يضيف فيلان، لا يوجد تشابه بين أعضاء الكنيست من يهودا والسامرة وغزة وبين أمثالهم من المستوطنات العمالية الذين رأوا مصالحهم الشخصية في حالة دمج مع المصلحة العامة. في المقابل فإن أعضاء الكنيست من يهودا والسامرة وغزة يرون بالمستوطنات أنها أهم من الدولة والديمقراطية. ويتهم فيلان المستوطنين بالإبتزاز والتهديدات السياسية وهم يحصلون على الأموال الكثيرة ويعلمون أن 75% من الجمهور الإسرائيلي يعارضون طريقهم لكنهم يتصرفون كما لو أنهم الأقلية التي ترى النور، مثل طائفة مسيانية، في حين أن أعضاء الكنيست من المستوطنات العمالية لم يعملوا في الإبتزاز، كانت دائماً هناك نقاشات ودائماً بحثوا عن الحلول الوسط.

( من محتويات عدد جديد من سلسلة "أوراق إسرائيلية" حول ملامح الكنيست الاسرائيلية الحالية يصدر قريبًا عن "مدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات