المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

هاتفوني ليخبروني عن المظاهرة ضد الحرب مساء السبت (22 تموز).

ضد أي حرب؟!

في الماضي لم أكن أتخلف عن أية مظاهرة احتجاج ضد فظائع الاحتلال، وضد تلك الحرب السابقة (حرب 1982) في لبنان. أما الآن، فأين هو الاحتلال في لبنان؟ ولقد خرجنا من لبنان، وخرجنا من غزة.

الإيرانيون يعلنون على رؤوس الأشهاد وجوب محو إسرائيل من الوجود. يقولون إنه يجب محو هذا الشعب عن وجه الأرض. هل هناك دولة في العالم يقولون اليوم إنه يجب محوها؟! وهل هناك شعب يقولون عنه في لندن أو مدريد بأنه يعيش على الدم والاحتلال، وبأنه يقتل ويرتكب جرائم حرب؟!

يكتبون عندنا أن الحرب هي استعراض عضلات من جانب الجيش أمام (إيهود) أولمرت، الذي انجرف وراء الرغبة في دخول التاريخ كقائد وزعيم.

عندي في البيت قالت إحدى الشابات إن الولدين في الناصرة قتلا لأن إسرائيل لم تبن ملاجئ في المدينة، ولإنها ترغب في رؤية العرب ميتين، وهي لا تتذكر أن مدينة صفد (اليهودية الحريدية) تخلو من الملاجئ أيضا. ولكن لماذا يريدون التظاهر؟ لأن إسرائيل لا تحتمل التحريض على تدميرها.. ولأنها ليست مستعدة لتحمل سقوط الصورايخ على عسقلان وسديروت ونهاريا وحيفا؟!

هل هناك مدينة في العالم مستعدة لأن تُقصف بالصورايخ وأن تقف مكتوفة اليدين، تفتش عن ذرائع ومبررات لتفهم العدو، بل ولتدعمه في الواقع؟!

فاشية اليسار، تماما كفاشية اليمين، لا تؤمن بإمكانية عدالة الآخر. فهم يدعون أن هناك حقيقة واحدة فقط. ثمة من يقول عني إنني أصبحت يمينيا.. هذا غير صحيح. وهل يعتبر الذي لا يؤيد تدمير إسرائيل، أو لا يؤيد الزحف على البطون، يمينيا ؟! وما السيء في ذلك أصلا؟ في الحقيقة أنا لست يمينيا، ولكن ما الذي يعنيه اليمين بالضبط في قصة الصراع اليهودي- العربي؟

في هذه الحرب سيكون النصر بوضع الحقيقة في نصابها. قرأت مقالات تقول إن كل شيء، كل ما يحدث، سببه الاحتلال. وإنه لا بد من إجراء مفاوضات. ولكن مع من؟ وما علاقة لبنان بالاحتلال؟ هذا ليس الاحتلال، وليس الشر أو الحقد الذي ينفثه اليهود من طائراتهم الـ إف 16. أنه الأمر الذي كان واضحا على الدوام ومع ذلك تجاهلناه: إنه الجهاد المقدس للإسلام المتطرف ضد الغرب، والذي نشكل نحن أوله والحلقة الأضعف فيه، ذلك لأن الإسبانيين والفرنسيين يمكن أن يكرهونا أيضا.

بالنسبة لنا، إنها الحرب التي شنها العرب ضدنا منذ وعد بلفور، إذ لا يمكن لأي كيان مسلم القبول بكيان قومي آخر بجواره أو بين ظهرانيه. أنظروا إلى المصرين القدماء الأقباط. اليوم أصبحوا سبعة في المائة فقط مما كانوا عليه في الماضي، ومع ذلك ما زالوا يتعرضون للملاحقة والاضطهاد، ليس لأنهم مسيحيون وإنما لأنهم يشكلون أمة تحت احتلال.

قرأت عن لجان تحقيق قيل إنها ستشكل حول الحرب الحالية (على لبنان)، وكيف أن الجيش والدولة والحكومة والشعب المأسور بالشعارات الجوفاء، وقعوا جميعا ضحية لابتزاز نفسي، وخوف وهمي مزعوم، فصواريخ الكاتيوشا لم تطلق على شمال إسرائيل إلا لأننا نحتل جنين..

ولكن "حزب الله" هاجمنا في أميركا الجنوبية وفي لبنان قبل أن يكتشف مزارع شبعا، التي كانت سورية في الأصل. فما نحن فاعلون إذن؟

في المظاهرة تحدثوا عن جرائمنا. وعن أن هذه الحرب حرب وحشية فظيعة يقتل فيها أطفال في الجانبين، وفي ضوء طبيعة الأسلحة، فإن عدد الأطفال الذين يقتلون هناك يفوق بكثير عدد الأطفال الذين يقتلون هنا. ولكن "المخرب" الانتحاري ليس يهوديا سافر إلى نابلس ليفجر إحدى دور السينما.

ليست لدي مشكلة في كونهم يكتبون. مشكلتي هي إذا كان ما يكتبونه حقا هو كل الحقيقة.

لست شريرا أو مجرما، ولكنني على الرغم من كل ما يجري من تقتيل واسع، أؤيد هذه الحرب (الحرب الحالية على لبنان) وأؤيد أولمرت، الذي يشن حربا حيوية حاسمة، مبدئية، وربما حتى مميتة. لقد أصبح (أولمرت) في برهة وجيزة قائدا عسكريا بارعا يعرف كيف يفصل الحب من الزوان.

ربما أكون مخطئا، وهذا ممكن. الشيء غير الممكن هو أن هناك حقيقة واحدة فقط. لسنا نحن من سمح لإرهاب متطرف بإقامة قواعده داخل بيوت ومبان سكنية. نحن نخوض هذه المرة حرب وجود. عدنا إلى الأيام التي تجندت فيها في سن السابعة عشرة ضمن صفوف قوات "البالماح"، عندما رفض العرب قبول مشروع التقسيم، وهاجموا وسائل المواصلات اليهودية، علما أنني كنت قبل أيام من ذلك عضوا في منظمة "هشومير هتسعير" لإيماني بحلم الدولة الثنائية القومية.

كلا، لست خجلا أو نادما على الأيام التي هتفت فيها ضد الاحتلال.. وكنت عضوا في اللجنة من أجل مهجري إقرث وبرعم.. وشاركت في مظاهرات احتجاج في الجليل إثر اندلاع أحداث "يوم الأرض" (1976) وتعرضت للضرب أحيانا بسبب نشاطي هذا. وأنا أحب ابنتي الناشطة (مع مجموعة نساء يهوديات) على حاجز قلنديا وضمن حركة "تعايش"، تقدم العون لأي فلسطيني يواجه مشاكل على حاجز العبور، وتتعرض للضرب على يد المستوطنين والجنود.. إنها مؤمنة بفكرة "إسرائيل دولة جميع مواطنيها"، وأنا أيضا أعتقد أن ذلك هو الحل الوحيد المنطقي، ولكنني لست مستعدا للتنازل عن الدولة اليهودية، ولذلك فإنني مؤمن بأننا سنحارب مئة سنة أخرى لأنه لا يوجد عربي واحد في العالم مستعد لقبولنا كإسرائيل، لا كبيرة ولا صغيرة ولا محتلة. بعد "مجزرة معلوت" {الهجوم الذي نفذه فدائيون في مستعمرة معلوت القريبة من الحدود الشمالية مع لبنان أواسط السبعينيات- "مدار"} اقترحت على أصدقاء عرب، من كتاب وشعراء وفنانين، إصدار بيان مشترك يستنكر "المذبحة" ويستنكر في الوقت ذاته هجمات وغارات سلاح الجو الإسرائيلي على لبنان. إلا أنهم رفضوا الاقتراح وقالوا إن الفلسطينيين الذين نفذوا "العملية" هم مقاتلو عصابات، وأما إسرائيل فهي دولة إرهاب.

لم استطع فهم هذا الموقف طوال سنوات عديدة.. ولكنني أفهم جيدا الآن عندما يهتف المناضلون ضد الاحتلال، لـ"حزب الله" !

(ترجمة "مدار")

_____________________________________

(*) يورام كانيوك هو روائي وكاتب مقالة إسرائيلي.

المصطلحات المستخدمة:

الكاتيوشا, البالماح, هشومير

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات