المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في الشهر الأخير قرأت كل كلمة كتبت في الصحافة الإسرائيلية عن المسلمين والإسلام، وتوصلت الى استنتاج قاطع، هو ان لدينا خللا في استيعاب واقعنا. فالتغيرات الجارية في المنطقة والعالم كله متسارعة جدا، الى درجة ان كل محاولة للبحث في مصطلحات الأمس باتت أمرا سخيفا. جيراننا يعيشون في بيئة سياسية جديدة ومختلفة كليا، والمصطلحات الأساسية تمر في حالة انقلاب جدي، أما نحن فنواصل إتباع سياسة إجرامية وحمقاء، من التجويع والحصار.

على رأس الحزب السياسي الأول في استطلاعات الرأي، "كديما"، يقف ايهود اولمرت، وهو نشيط حزبي ضليع وحذق، لكن تنقصه النظرة السياسية بعيدة المدى، فأولمرت تابع لعالم الأمس، على الرغم من أنه يعرف بالذات محدودية القوة، لكن لعالم القوة لا توجد أدوات ولا شبكة مصطلحات جديدة، ومن دون هذا فإن اولمرت والمحيطين به سيفشلون فشلا ذريعا، وهذا الفشل سيورطنا في مواجهة عارمة مع كل المسلمين على الكرة الأرضية. ولهذا فإن القادة بحاجة الى كتاب تعليم جديد، يُعلّم حتى في صفحته الأولى كيف يتم التخلص من الغطرسة، التي ميزّت كل قادة الدولة حتى الآن. وسيتعلمون أن لا اولمرت ولا شمعون بيريس بإمكانهما ان يسمحا لنفسيهما بتجويع الفلسطينيين فقط لأنهم قرروا ان ينتخبوا سلطة جديدة بوسائل ديمقراطية واضحة جدا.

لا فائدة من الكتابة عن الأخلاق المشوهة لدى المحيطين بأريئيل شارون، الذين تميّز تعاملهم مع مواطني الضفة الغربية باستعلائية الى حد العنصرية، ومن الممكن القبول بفرضية ان غالبية مواطني الدولة يؤيدون سياسة كهذه، طالما أنهم لم يدفعوا الثمن الكبير، كما كانت الحال في السنوات بين 1967 وحتى العام 1973، فقد تحولنا الى ركاب سفينة الأغبياء، بل وحتى إلى مموليها وضحاياها.

إلا أن اللامبالاة والعجرفة ستغيبان بسرعة، وبعد فترة ليست طويلة سنضطر لإقامة لجان تحقيق رسمية لكي ننقذ الجمهور من الضائقة النفسية الجماعية التي ستكون ثمرة السياسة الحالية، ومن لا يفهم وجود فارق ضخم بين التنكيل بأقلية في منطقة تحت السيادة الإسرائيلية، وبين تحدي مئات الملايين، فإنه ببساطة يرفض قراءة العنوان المكتوب على الجدار.

إن مقاطعة حركة حماس والرفض القاطع لكل التلميحات التي يرسلونها لنا ستكلفنا ثمنا باهظا في كل النواحي.

المؤسسة الإسرائيلية، التي تضم القليل من الشخصيات التي لديها بعد نظر سياسي ذكي، وتضم أكثر من اللازم من المثرثرين الفارغين، ليست لديها القدرة النفسية والجاهزية لمواجهة الواقع الناشئ هنا. فالحكم العسكري والتوغلات الى مناطق ليست لنا، والظهور بمظهر الأسياد على أراضي الآخرين، وقتل قادة وهدم بيوت، سيحولهم من جهاز قوي قامع الى مقاومة ضعيفة خائرة القوة. فليس فقط انه لا يوجد لاولمرت ورفاقه غطاء من الحجج، وإنما أيضا ينشطون الآن من خلال يأس الخاسرين، ونحن نتحول من دولة غير عادلة الى مجتمع غير سليم، فالعدالة فقدناها منذ زمن، والآن نفقد المنطق.

من المفيد ان نفهم من نجند ضدنا من خلال سياسة التجويع في المناطق (المحتلة)، التي ترافقها جهود علنية وواضحة للعيان لخلق علاقة بين إيران والغرب، وان نكون رأس الحربة في حرب عالمية جديدة. فهذه المرّة لا يجري الحديث عن فلسطينيين يعيشون في نابلس والخليل او في قطاع غزة، الذين نحن ملزمون بحياتهم الكريمة كبني بشر، فإسرائيل اليوم تصطدم مع مئات الملايين من المسلمين في العالم العربي وإيران والباكستان واندونيسيا، وتخلق حاجزا خطيرا بين يهود أوروبا وبين المسلمين في القارة الأوروبية.

أيضا الوضع في أوروبا يجب أن نأخذه في الاعتبارات بما يتناسب مع حركة الأمور، وليس حسب تقديرات إحصائية وحسابية تعتمد على الواقع الذي ساد قبل عشر سنوات، فللجاليات المسلمة في أوروبا قوة سياسية واقتصادية كبيرة، تذكر الى مدى معين بقوة اليهود في الولايات المتحدة، وتطوير حوار مع هذه الجاليات هو مصلحة إسرائيلية ويهودية، ضرورية وملحة، إلا ان المؤسسة عندنا تفضل المواجهة وتنظر الى يهود أوروبا كجنود لديها، عليهم الانصياع لأوامرها، وهكذا ندفع نحن بالكثير من اليهود مباشرة الى أحضان الفاشية اليمينية العنصرية التي تصرخ علنا ضد مسلمي أوروبا، لكن كل نصر كهذا هو نصر هزيمة، ونجاح بائس يؤكد على الوضع غير المعقول العالقين فيه نحن.

إن التحليل الإستراتيجي واضح وحازم: هناك تواجد كبير للمسلمين في أوروبا، وهذا لم يتغير بشكل واضح، ولهذا فإن الرسوم الكاريكاتيرية في الدنمارك مثلا، هي تعبير عن عجز وليس عن قوة، والصارخون ضد الإسلام في أوروبا سيلجمهم أفضل الأوروبيين، ولهذا علينا ان لا نكون في معسكر واحد مع العنصريين، فلن يساعدنا استطلاع عابر حول المصطلحات المتداولة، وإنما تحليل شجاع لمعطيات التطور المستقبلي.

سيضطر الإسرائيليون وقادة الولايات المتحدة إلى تغيير سياستهم تجاه الإسلام عاجلا أم آجلا، وإذا تأخرت إسرائيل عن الأميركان في هذه العملية، فإن الشرخ بينها وبين العالم سيكون من الصعب رأبه، ولشرخ كهذا انعكاسات سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية، وشعار "العالم كله ضدنا" سيحقق ذاته. وحين نصل الى وضع يكون فيه جواز السفر الإسرائيلي محظورًا في جزء كبير من الدول، سنضطر للتراجع دفعة واحدة، لنواجه اليأس والشعور بالفشل، الذي سينعكس على المجتمع الإسرائيلي.

أمام العجرفة الفايسغلاسية وسياسة مقاطعة الحسم الديمقراطي لدى الشعب الفلسطيني يجب ان تكون سياسة بديلة. وحتى الآن لا يوجد لحزب "العمل" و"ميرتس" أية أفكار حول هذا الموضوع، وتصريحات قادتهما تعبر عن الندم على علاقتهم بمنظمة التحرير الفلسطينية، دون أن يتعلموا من هذه العلاقة ودون يستفيدوا منها في العلاقة مع حماس. إن الإجماع القومي هذا خطير على وجودنا بالضبط كما كان الوضع في أيام غولدا مئير، والآن أيضًا سنحتاج الى المثقف الطليعي في إسرائيل ليجهز لنا الأفكار البديلة بسرعة فائقة، هنا والآن.

بداية يجب التوقف عن النظر الى الماضي وتمني نجاح محمود عباس بأي شكل من الأشكال ليعود الى السلطة في الفترة القريبة، فمن قام بتصفية ياسر عرفات والسلطة الفلسطينية تسبب عن سابق قصد بوصول حركة حماس الى السلطة، وهو يحتفل بنشوء طريق من دون مخرج ليفرض الحلول الأحادية الجانب.

ومن أجل تغيير الواقع فإنني اقترح الخطوات التالية:

- أن تلغي إسرائيل سياسة التجويع في المناطق (المحتلة)، وان تعترف بنتائج الانتخابات وتبارك نجاح الشعب الفلسطيني في الممارسة الديمقراطية وتطبيق إرادة الشعب.

- أن تعلن إسرائيل عن نهج مصالحة عام مع الإسلام، وتشير إلى المصادر الدينية المشتركة وتدعو الى حوار بين قادة الدينين اليهودي والإسلامي.

- أن تعلن إسرائيل عن تضامنها مع المسلمين المطاردين في أوروبا، وتشجع علنا حوارًا بين الجاليات اليهودية والإسلامية في القارة الأوروبية بهدف محاربة اليمين العنصري الفاشي.

- أن تعلن إسرائيل عن وقف محاربتها لإيران وأن تسعى لحوار مع طهران بطرق سلامية، وحتى إن رفض الإيرانيون اليد الممدودة للسلام، فإن إسرائيل تبدي بذلك رغبتها في إقامة السلام مع كل المسلمين.

- أن تعلن حكومة إسرائيل عن سياسة جديدة تجاه جميع المواطنين العرب، وتشجع نشاطهم من أجل السلام الإسرائيلي الفلسطيني وتبادر الى شبكة علاقات جديدة مع قادة المجموعات الإسلامية في داخل إسرائيل.

- أن تبادر إسرائيل الى إقامة محادثات سياسية بين قادة الدولة وقادة حماس وتحاول توسيعها تدريجيا الى مستويات ثقافية واقتصادية من أجل تحسين التفاهم بين الشعبين، وتجري إسرائيل مشاورات مع قادة السلطة الفلسطينية في القضايا المتعلقة بجميع المواطنين في إسرائيل- فلسطين.

- أن يتجاهل اولمرت ورفاقه الاستفزازيين الذين يسعون الى إشعال النار بين الشعبين، وبالأساس يجب نبذ بعض الأشخاص والصحافيين المعروفين الذين يبدون قلقا من أية بوادر اعتدال في صفوف حماس. ومن الأفضل لاولمرت أن يطلق كل التصريحات المعتدلة وأن يحاول وضع قادة حماس أمام امتحان الثقة، وبطبيعة الحال فإن هذا يلزم المؤسسة الإسرائيلية بأن تكون مخلصة لالتزاماتها تجاه الفلسطينيين.

- على السياسيين والمثقفين والإعلاميين من اليسار إقامة "المجلس الإسرائيلي للسلام اليهودي الإسلامي"، وبهذا يكون اعتراف بالتغيرات الحاصلة في المنطقة، وتنشيط الجهاز السياسي عندنا لفهم هذه التغيرات وأن يتحرك وفق ما يفرضه الواقع الجديد.

وبهذا يتم من مجددا تحديد أهداف معسكر السلام في إسرائيل بمفهومه الواسع. سلام إسرائيلي فلسطيني هو أيضا جسر لصفحة جديدة في العلاقات بين اليهود والمسلمين في كل العالم، وهو سابقة تاريخية إيجابية، مثل فترة العصر الذهبي اليهودي في إسبانيا تحت السلطة الإسلامية، ستطرح من جديد، من أجل خلق أجواء جديدة لحوار من نوع جديد.

- أن تعترف إسرائيل بمسؤوليتها عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المقلق السائد في قطاع غزة بعد سنوات طويلة من الحكم العسكري الإسرائيلي هناك. على الحكومة أن تقيم مؤسسة خاصة للمساعدة الاقتصادية المكثفة لقطاع غزة، وأن تشجع المنظمات الإنسانية في إسرائيل والعالم اليهودي على تجنيد أموال لإصلاح الأوضاع في قطاع غزة.

- على إسرائيل أن تبادر الى مشروع هندسي كبير من أجل بناء طريق بين قطاع غزة والمناطق (الضفة الغربية) وأن تسمح للسلطة الفلسطينية بمعالجة مشكلة الاكتظاظ غير الإنسانية السائدة في قطاع غزة.

************

كل الاقتراحات التي طرحتها هنا بالإمكان تطبيقها، والمطلوب إرادة وقوة سياسية من أجل تحويل هذه المقترحات إلى سياسة حكومية مناسبة ومع الزمن إلى سياسة منتشرة. كل هذه الاقتراحات من دون استثناء تخدم أولا وقبل كل شيء مصالح مواطني إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وتؤسس في نفس الوقت شبكة علاقات مع العالم الإسلامي، وتعززها باستمرار، وهي تفسح المجال ليس فقط لليسار الحقيقي وإنما أيضا لحزبي ميرتس والعمل أمام تبني برنامج بديل لبرنامج حزب "كديما"، وأن يبرزا تميزهما، إذا كان لا يزال قائمًا حقًا.

_______________________________

(*) حاييم برعام- صحافي وأحد كتاب الأعمدة في صحيفة "كل هعير" المقدسية.

المصطلحات المستخدمة:

انقلاب, كديما, معسكر السلام

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات