المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في الوقت الذي يتواصل فيه "الجدل" داخل إسرائيل حول ما يسمى بـ "مبادرة جنيف" أو "تفاهمات سويسرا"، منذ أن أعلن عن التوصل إليها بين مجموعتين فلسطينية وإسرائيلية، نشر عمرام متسناع، عضو الكنيست عن حزب "العمل" ورئيس الحزب السابق وأحد أبرز المشاركين الاسرائيليين في المبادرة، مقالاً في صحيفة "هآرتس"(16/10/2003) اعتبر فيه المبادرة "خطوة تفوق في أهميتها خطوة الاعلان عن إقامة الدولة (إسرائيل) في 1948" موضحاً ذلك بقوله :" إذا اختار رئيس الحكومة أن يطبّق مبادرة جنيف فسيتم تسجيله في صفحات التاريخ كمن أقام إسرائيل باعتبارها دولة يهودية ودمقراطية على أساس الاتفاق، في حين أن إقامة الدولة في 1948 كانت إجراءً أحادي الجانب لم يحظ إلا باعتراف دول قليلة في العالم".

الى ذلك أشار متسناع الى أن "مبادرة جنيف" تشفّ عن الأمور التالية :

الإثبات بأن ثمة شريكاً في الطرف الثاني (الفلسطيني) وثمة بديل عن سفك الدماء.

* الهجوم المذعور، من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون ووزرائه، على حزب "العمل" والمعارضة والمبادرين الى الوثيقة يعكس خوفهم من السلام لأن ديدن رافضي السلام هؤلاء هو "التحريض والترويع والقتال" ولأن كثيرين سيفهمون الآن مبلغ الخداع الذي التجأوا اليه خلال السنوات الثلاث الفائتة.

* للمرة الأولى في التاريخ يعترف الفلسطينيون علانية وبصورة رسمية بدولة إسرائيل بوصفها دولة الشعب اليهودي الى الأبد. وقد تنازلوا عن حق العودة الى دولة إسرائيل، ما يضمن أغلبية يهودية ثابتة ومستقرة.

* يبقى حائط المبكى والحي اليهودي وبرج داود في أيدي إسرائيل، ويزال عن القدس الطوق الخانق، وتظل سلسلة المستوطنات المحيطة بها جزءاً من المدينة الكبرى الى الأبد. ولا يضطر أي من المستوطنين الى مغادرة بيته. وهذه السلسلة تشمل : غفعات زئيف، غفعون الجديدة والقديمة، معاليه أدوميم، غوش عتصيون، نفيه يعقوب، بسجات زئيف، التلة الفرنسية،راموت، غيلو وأرمون هنتسيف.

* "مبادرة جنيف" هي بمثابة الولد الصغير الذي صاح بأن "الملك يمشي عارياً"، بمعنى أن الحكومة الاسرائيلية الحالية تقود شعبها نحو الانهيار المحتّم. وردود الفعل العربيدة، من جانب الحكومة على المبادرة، تثبت ذلك.

* "مبادرة جنيف" هي نموذج لحل (موديل) وليست وثيقة رسمية بين حكومات. وبكلمات أخرى فهي مشروع لتسوية دائمة مقبولة على الطرفين. وتكمن خصوصيتها، لدى مقايستها مع مبادرات أخرى، في أمرين : الأول أنها تؤشر الى نهاية النزاع والثاني أنها لا تبقي أية علامات استفهام، من حيث كونها قد أجملت جميع التفاصيل العالقة،بحيث لا يظل لأي طرف مطالب إضافية بعدها. وثمة أفضلية أخرى كامنة في حقيقة أن الطرف الفلسطيني تمثل من خلال قيادة فلسطينية أصيلة وواسعة، تحظى بتأييد وتغطية سواء من جانب قيادة السلطة الوطنية أو من جانب النشطاء الميدانيين المركزيين.

***

من ناحية أخرى وفي إنتظار نشر النص الكامل لـ "مبادرة جنيف"، والذي سيتلو التوقيع عليها في موعد لم يحدد تمامًا بعد ولكن المرجّح أن يكون في النصف الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، تتزايد التكهنات والتسريبات حول بنودها المختلفة. ويمكن القول إن الاهتمام الأكبر استقطبه البند الخاص بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو البند رقم 7 الذي قال عكيفا إلدار، المعلق في "هآرتس"، إنه حصل عليه حرفياً، مشيراً الى أنه لا يتضمن تعبير "حق العودة"، كما أن إسرائيل لا تقرّ، في إطار التفاهمات التي تم التوصل إليها، بمسؤوليتها عن نشوء مشكلة اللاجئين (16/10/2003). ويتابع إلدار أنه في البند الأخير من الوثيقة "اتفق الطرفان على أن تتبنى الأمم المتحدة الوثيقة بأجزائها كافة وأن تقر قراراً خاصاً يستبدل ويلغي جميع القرارات السابقة لهذه المنظمة الدولية المتعلقة بالنزاع الاسرائيلي- الفلسطيني". وهكذا- يقول- يُلغى أيضاً قرار الجمعية العمومية رقم 194 القاضي بأن في مقدور اللاجئين المعنيين بالعودة الى إسرائيل أن يفعلوا ذلك وأن اللاجئين غير المعنيين بذلك يكونون مستحقين لتعويضات.

وينوِّه هذا المعلق بتعقيب أدلت به البروفيسور روت لبيدوت، الخبيرة في القضاء الدولي والتي شغلت فيما مضى منصب المستشارة القضائية لوزارة الخارجية الاسرائيلية وكانت عضوة في طاقم التحكيم حول قضية طابا، وذلك بعد أن تفحصت صيغة تفاهمات جنيف، وبموجبه فان الوثيقة إياها "لا تدع أية ثغرة أمام أي مطلب فلسطيني بعودة لاجئين الى إسرائيل، بقوة حق العودة".

وبحسب النص الكامل لهذا البند الذي نشرته "هآرتس" فان "الخيارات المتفق عليها" لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين هي الخيارات التالية :

* "الخياران 1-2: الانتقال الى دولة فلسطينية وإلى مناطق تنقل إليها من إسرائيل عبر تبادل المناطق. وهما خياران مفتوحان لكل لاجىء".

* "الخيار 3 : هجرة الى دولة ثالثة - تكون خاضعة لاعتبارات كل واحدة من الدول التي ستستوعب اللاجئين ووفقاً لحد أعلى تتقدم به كل منها الى لجنة دولية تقام لهذا الغرض".

* "الخيار 4 : الانتقال الى إسرائيل - يكون خاضعاً للاعتبارات الحصرية لاسرائيل، طبقاً للعدد الذي تتقدم به الى اللجنة الدولية. وهذا العدد يمثل العدد الشامل للاجئين الذين تكون اسرائيل على استعداد لقبولهم. وكأساس لحساب ذلك تستعمل إسرائيل معدل الأرقام الشاملة التي تقدم الى اللجنة من قبل الدول الأخرى التي تعتبر طرفاً ثالثاًَ"(يؤكد إلدار أن الحدّ الأقصى لهذا العدد سيكون أدنى من 50 ألفاً).

* "الخيار 5: تأهيل في أماكن إقامة اللاجئين - وهو مفتوح لاعتبارات الدول المضيفة"(الأردن ولبنان وسورية).

بالاضافة الى ذلك ينص البند على أنه "يتعين على كل لاجىء أن يقدم خلال سنتين الى اللجنة قائمة الخيارات، حسب الأفضلية المتدرجة التي يختارها، واللجنة هي التي تختار الأفضلية المناسبة. ويكون لكل لاجىء الحق في الاستئناف على قرار اللجنة. غير أن اللاجىء الذي لا يقدم الطلب في الموعد المحدد أو لا يقبل قرار اللجنة يفقد مكانة اللاجىء. وتنتهي العملية كلها خلال خمس سنوات، وبذا تلغى وضعية اللجوء الفلسطينية إلغاء باتاً". وبذا تتوقف أيضاً أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الدولية (الأونروا).

وتشدد البروفيسور لبيدوت، في تحليلها لهذا البند، على أن حق العودة الفلسطيني غير وارد البتة في قرارات الأمم المتحدة المذكورة في تفاهمات جنيف. وتضيف أن قرار رقم 194 لا تشكل إعترافاً بحق العودة، على حد إدعائها. أكثر من ذلك - تتابع - فان هذه التفاهمات تقر بأن تطبيق البند الخاص باللاجئين سيعتبر "التطبيق النهائي لجميع قرارات الأمم المتحدة وبيان الجامعة العربية، وسيضع بصورة عملية حداً للمطالب الفلسطينية حيال إسرائيل في هذا الشأن". ومن هنا فليست هناك، في رأي هذه الخبيرة، أية أهمية لانعدام تصريح فلسطيني في هذه التفاهمات ينص على التنازل عن حق العودة، حيث أن مثل هذا التنازل هو مجرد تحصيل حاصل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات