المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عقب معرفة نتائج التصويت في مركز الليكود، في التنافس بين أريئيل شارون وبنيامين نتياهو، سارع رؤساء حركة "المفدال" إلى إدانة أعضاء المركز، ليصبحوا بذلك أول من يكرّس ويثبت بمسامير من حديد الشعار المستهلك "الليكود انفصل عن الشعب". ظاهريا يتولد الانطباع أن أعضاء "المفدال" فازوا على خصومهم من اليمين المتطرف في السباق على البلاغ الأول الذي أرسل إلى المراسلين (الصحافيين) السياسيين، لكنهم في حقيقة الأمر ما انفكوا يخسرون في مسيرة دولة إسرائيل الطويلة نحو العودة إلى نفسها.

ظاهريا يلتحق ترديد شعار الانفصال عن الشعب بسلسلة طويلة من أنشطة وتفوهات زعماء الصهيونية الدينية. خلال أيام أعمال سد الطرق حاولت عضو الكنيست غيلا فينكلشتاين بسط رعايتها على الفتيات القاصرات المشاغبات اللاتي رفضن قبول وصايتها. وذهبت النائبة المذكورة مؤخرا شوطا أبعد من ذلك عندما طالبت بإطلاق سراح نشطاء اليمين الذين حاولوا إحراق سيارات في شوارع "أيالون" ( الشوارع الرئيسة المؤدية من والى تل أبيب). ومن اللافت أن هذه الخطوة تأتي من طرف حزب يتفاخر بأنه مرّر في الكنيست قانونا بشأن "تشجيع وتنمية سياسة تربوية وثقافية تعي قيم التسامح بين الإنسان والآخر".

ليس سرا أن حزب "المفدال" يعاني منذ عدة سنوات من أزمة داخلية. لكن هذا الحزب لم يتعلم من أخطائه، إذ لا يزال مستمرًا في مغازلة جمهور اليمين المتطرف المسيحاني، وسط تنافس لا ينقطع مع "زملائه": تسفي هندل، إيفي أيتام وأفيغدور ليبرمان. لقد طفح الكيل من الحديث النوستالجي حول "مفدال" الماضي، الذي جسّد القدرة على الجمع بين الماضي اليهودي- الديني وبين الواقع السياسي- الاجتماعي العصري. فكل ما تبقى من تلك الأيام هو الشعارات بشأن مركزية دولة إسرائيل كأداة لضمان وحدة الشعب اليهودي، ويظهر "المفدال" في سلوكه إلى أي حد تعتبر هذه الشعارات فارغة من المضمون بالنسبة له.

إن حزبا يضع نصب عينيه أهمية دولة إسرائيل والاهتمام بمستقبلها لا يجوز له أن يجاري أو ينافس أمثال هؤلاء الساسة المذكورين أعلاه، فقد بات من الواضح للجميع أن هؤلاء يسعون إلى تأبيد الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والأسوأ من ذلك أنهم سيقودوننا بعد عدة سنوات إلى وضع ستضطر فيه دولة إسرائيل إلى الاختيار بين كونها ديمقراطية وبين كونها بيتًا للشعب اليهودي. لقد كان من واجب ممثلي الصهيونية الدينية السياسيين أن يفيقوا ويقفوا في طليعة عملية العودة إلى دولة إسرائيل. لقد كان عليهم بالذات أن يحددوا من جديد ماهية الخطوط الحمراء لدى الصهيونية الدينية. لكنهم ولسبب ما يتجاهلون ذلك مفضلين الالتصاق بكليشيهات وأنماط الماضي التي ثبت قبل شهر واحد فقط بأنها ليست ذات صلة.

وفي معرض دفاعهم عن مسلكهم يتباهى "المفداليون" بالنشاط البرلماني الذي يلقي الثناء والإطراء الذاتي والإشادة بجملة القوانين الاجتماعية التي شرعت بفضلهم في الكنيست .

أحيانا يعيد هذا الأمر إلى الأذهان قصة البيت الذي تخلخلت أساساته وأوشكت جدرانه على السقوط، وملأت الشقوق والتصدعات كل أركانه وزواياه، ومع ذلك لا يزال هناك في حجرة واحدة منه من يصرّ على تصحيح وضع الصورة المعلقة على الحائط.

على قمصان الملابس الموحدة التي يرتديها طلبة مدرسة "تسايتلين"، التي تولت عضو الكنيست فينكلشتاين إدارتها في الماضي، تظهر العبارة الجميلة للحاخام كوك "القديم يتجدد والجديد يتخلد". وكم هو مؤسف أن فينكلشتاين وزملاءها لا يطبقون ذلك بل يفضلون تقديس وتخليد القديم والأثري، وسط التغاضي عن الجديد. إن غالبية شعب إسرائيل بالذات، والتي لا تعد مع جمهور مخلدي ذكرى الحاخام كوك، وبضمنها أعضاء مركز الليكود، تنجح في تطبيق وتجسيد هذه المقولة. ولعله لهذا السبب لا يزال "الليكود" اليوم حزبا ذا صلة. أما "المفدال" فلم يعد كذلك على ما يبدو.

____________________________________

(*) الكاتب عضو إدارة "الحركة الصهيونية الدينية الواقعية".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات