المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تهديد قوى اليمين للديمقراطية في إسرائيل في تصاعد دائم. وتوجد لذلك مؤشرات كثيرة، منها برامج ومخططات للمس بالمسجد الأقصى، خطابات ودعوات متطرفة للحاخامين، أعمال شغب وعنف للمستوطنين ومؤيديهم. ولسلطة اليمين المتطرف جيش كامل من المستوطنين ولليمين المتطرف مقدرة تنظيمية وجهاز كامل من النشيطين المستأجرين والمتطوعين وكذلك مقدرة التوجه المفتوح إلى أجزاء في جهاز التعليم.

الخطر ليس فقط من المجموعات المتطرفة الكهانية الواضحة، وان التركز فيها يخطئ ولا يصيب المشكلة الجذرية والأساسية. إن الخطر الأكبر لا يأتي من خارج الجهاز إنما ينبع من التغيير الجاري داخل الجهاز، فلقد تغلغل اليمين المتطرف داخل القيادتين السياسية والعسكرية. وقال الضابط في الاحتياط داني ياتوم مؤخرا إنه على هذه الخلفية يتصاعد خطر وقوع انقلاب عسكري في إسرائيل.

من المهم الانتباه إلى التغيير الحاصل في قمة الجهاز السياسي.

وزير المالية بنيامين نتنياهو يحول نفسه إلى القائد الأول والرئيسي لليمين المتطرف، فقد ترأس معارضي خطة الانفصال من اليمين وهو موجود في معاهدة قوية مع المستوطنين في المناطق المحتلة، ويواصل عمل كل ما باستطاعته لإفشال إخلاء المستوطنات من غزة.

ويبرز نتنياهو في قمة الحكم بطابعه العنصري البارز، ففي ظهوره خلال العامين الماضيين تحدث نتنياهو عن المواطنين العرب في إسرائيل بأنهم الخطر الداخلي الأكثر خطورة.

في الماضي ميز هذا الحديث مئير كهانا. مقابل ذلك، فإن اليمين الممأسس التاريخي وعلى سبيل المثال "حيروت" برئاسة بيغن، عارض حتى الحكم العسكري. ولكن اليوم فإن الهجوم على الجماهير العربية ومحاولات عزلها والإلقاء بها خارج الحقل السياسي الإسرائيلي هو بمثابة جزء أساسي ومركزي من إستراتيجية معسكر واسع من قوى اليمين المتطرف. وهكذا فإن التعامل مع الأقلية القومية العربية يتحول إلى حلقة أساسية في النضال من أجل الديمقراطية في إسرائيل.

معنى الإبراز العنصري ليس أن نتنياهو يتنازل عن الضم، بل العكس هو الصحيح، فلقد قاد نتنياهو بنفسه مركز الليكود ودفعه إلى اتخاذ قرار واضح وحاسم ضد أي شكل لدولة فلسطينية وخلافا لموقف شارون، وفي الخطاب الذي ألقاه نتنياهو، في مؤتمر اليمين المتطرف في القدس، قال إنه باستثناء المستوطنات فإن ثلاثة أرباع مناطق الضفة الغربية هي مناطق فارغة وغير مأهولة، وهذه هي مناطق إسرائيلية ولإسرائيل علاقات وصلات قومية ودينية عميقة وممنوع عليها التنازل عنها بأي شكل من الأشكال. وبأقواله تلك فإن نتنياهو يصر عمليا على أن تكون المناطق الفلسطينية بمثابة جيتوات مغلقة كليا للفلسطينيين ومن الممنوع طرق ذلك.

ويدور داخل اليمين نقاش هام بالذات فيما يتعلق بإمكانية استعمال السلاح الذري. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لهذا الموضوع، فان هذا النقاش لا يجري بشكل علني. وقد قال الصحافي يوئيل ماركوس في مقال له في "هآرتس" مؤخرًا إن في فترة رئاسته للحكومة طرح نتنياهو الأفكار حول استعمال أسلحة يوم الحساب والعقاب ضد العراق. وحسب ادعاء ماركوس كان أريئيل شارون ورفائيل إيتان ورئيس هيئة الأركان العامة السابق هم الذين حذروا نتنياهو من هذا الاتجاه الخطير!

الخطر الكبير في مواقف نتنياهو ينبع من كونه على علاقة وعلى اتصال مع القوى الحقيقية في العالم. وهو يعكس ويمثل الصلة الأكثر قوة مع اليمين الأميركي الجديد. هذا اليمين الجديد يشمل القوى الدينية المتزمتة التي مع توجه العربدة والقوة في السياسة ويعتمد فقط القوة في التعامل. وهذا اليمين هو أساس الدعم لجورج بوش، ويقف من وراء الحرب الامبريالية التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية منذ أربع سنوات في عدة مواقع عالمية، واليمين المتطرف في أميركا هو الدعامة الأساسية لليمين المتطرف في إسرائيل.

إزاء أخطار اليمين المتطرف اختار العديد من قادة الحمائم الصعود والانضمام إلى عربة شارون. هذا هو موقف "فوروم الأغلبية"، وهذا هو موقف حمائم حزب العمل وحزب "ياحد". وفي اعتقادي انه موقف مغلوط وخاطئ، فشارون لا يقترح بديلا حقيقيا لليمين المتطرف، ولاعتباراته التكتيكية فهو حتى معني بالمساعدة في تضخيم ونفخ المعارضة لفك المستوطنات في غزة، لكي يؤكد للعالم كله كم هو معتدل وكم أنه من غير الممكن فك مستوطنات إضافية لاحقا. وشارون معني بمعارضة صاخبة وواسعة أكثر ما يكون لفك مستوطنات غزة وهذا هو السبب أنهم حتى اليوم يفسحون المجال أمام قوى يمين إضافية للانتقال إلى غزة، وهذا هو السبب الذي تتعامل فيه قوات الشرطة بقفازات من حرير مع أفراد اليمين المتطرف. وأكثر من هذا فإن حكومة شارون هي التي تمول بواسطة الميزانيات السخية للمجالس الإقليمية في المناطق المحتلة حملة المعارضة لخطة الانفصال. إن المسؤولية المباشرة عن تحويل الملايين الكثيرة من ميزانية الدولة لتمويل اليمين المتطرف ملقاة على عاتق وزير المالية نتنياهو، ولكن تحويل تلك الملايين الكثيرة لم يكن لينفذ لولا موافقة رئيس الحكومة أريئيل شارون وحكومته على تقديم الدعم المادي للمشاغبين من شبيبة التلال، التي أقامت وتقيم عشرات المناطر، ولاستمرارية توسيعها واستيطانها، وشارون يزود المستوطنين بالسلاح بدلا من أخذه منهم. وحكومة شارون هي التي تدفع رواتب الحاخامين من قوى اليمين المتطرف الذين يحرضون المستوطنين ضد خطة الانفصال. وبالتالي فإن النضال ضد اليمين المتطرف معناه النضال ضد هذه السياسة.

خطر الفاشية في إسرائيل مرتبط بأزمة الديمقراطية النابعة من استمرارية الاحتلال، لذا فإن مواجهة ذلك الخطر يجب أن تضم البديل للاحتلال. وخطر الفاشية مرتبط كذلك بالتدهور المستمر في الأوضاع الاقتصادية للعديد من الفئات والطبقات الاجتماعية الواسعة، لذلك فإن مواجهته يجب أن تتضمن اقتراح سبيل اجتماعي يتجسد في الأمل ضد اليأس.

لهذه الأسباب، وكذلك إزاء خطر اليمين الفاشي، لا يمكن وقف النضال ضد حكومة شارون. وعمليا يجب معرفة كيفية خوض النضال. توجد لنا على سبيل المثال مصلحة إستراتيجية في عزل اليمين المتطرف. والسؤال: من الذي سيعزل من؟ هو سؤال أساسي ومركزي في كل نضال ضد خطر الفاشية، ولذلك على الرغم من معارضتنا لسياسة شارون، فليس من الصحيح الانضمام إلى اليمين المتطرف، في التصويت ضد إخلاء مستوطنات غزة، ولنا مصلحة في منع عزل الجماهير العربية وإخراجها خارج الحلبة السياسية، ولذلك سنناضل ضد من يقترح عليها التطوع للخروج إلى الخارج وسنواصل الإصرار على حقها وواجبها في أن تكون جزءا من دائرة اتخاذ القرارات في إسرائيل.

الأخطار جسيمة وكبيرة وممنوع غرس وتجميل الأوهام، وكأنما: "التاريخ قد حسم وقرر" في قضايا السلام والديمقراطية في البلاد. التاريخ لا يحسم لوحده والحسم في التاريخ يكون من قبل الجماهير ونضالاتها، لذا ممنوع أن نكون لا مبالين ومن ناحية ثانية لا مكان إطلاقا لليأس، والتفكير الديالكتيكي يعلم أن كل عملية في التاريخ لها رد الفعل، وفي المجتمع الإسرائيلي توجد قوة كامنة ليس للفاشية فقط، وإنما توجد قوة كافية أيضا لمعارضة ذلك. هناك قوى ديمقراطية كثيرة. المطلوب هو إيقاظها وتوثيق العلاقة معها، وسوية معها يجب خلق البديل الحقيقي أمام المجتمع الإسرائيلي.

(*) حقوقي وناشط من أجل السلام وجودة البيئة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات