المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

جرت مؤخرًا مظاهرة لحركات السلام الإسرائيلية الممأسسة لدعم خطة أريئيل شارون للانفصال. تردّدت أياما بالانضمام أو عدم الانضمام. ما زال ذلك يضايقني، والنقاش حول الموضوع لا ينتهي.

من المحتمل أن تكون أفضل طريقة لفحص الموضوع هي طرح التعليلات المؤيّدة والمعارضة

نبدأ بالتعليلات المعارضة:

أنا لا أصدّق شارون. دافيد بن غوريون، الذي أحب شارون بالذات، قال قبل 40 سنة إن شارون هو كذوب محترف. "لو تمكّن من التخلص من سيئاته، مثل عدم قول الصدق والانغماس في "القيل والقال"، لكان قائدا عسكريا يحتذى به"، هذا ما سجّله بن غوريون في يومياته بتاريخ 29 كانون الثاني 1960.

منذ سنة وهو يتحدّث عن الانفصال، ويعمل باسم الانفصال، يقلب السماوات والأرض من أجل الانفصال. ولكن حتى هذه اللحظة لم ينفّذ أدنى فعل لتحقيقه عمليا، عدا بعض الخطوات الإدارية. بل على العكس: في هذه الأثناء تستثمر الملايين لتحصين البيوت في غوش قطيف، ومن المفروض أن تُخلى هذه البيوت لتوّها.

لماذا أمنحه الثقة وأدعمه الآن بالذات، قبل أن يبدأ بالتنفيذ الفعلي؟

هل هذا يعني أنه لن ينفّذ؟

أعتقد أنه لا يستطيع التراجع. الأنا الهائل مرتبط الآن كله بهذا الموضوع. لقد تسبّب بالانشقاق الفعلي في حزبه، كرّه المستوطنين به وقلب الجهاز السياسي رأسا على عقب. التراجع عن الخطة الآن ستنزل ضربة مميتة بنظرته الذاتية وصورته أمام الجمهور.

التراجع عن الانسحاب من الممكن أن يسقط عليه غضب جورج بوش. صحيح أن شارون يهزأ بغير اليهود ويعتقد أن من واجبه خداعهم، ولكنه يعلم أن كل الأمن القومي لإسرائيل، في كافة المجالات، متعلق بالدعم غير المشروط من الولايات المتحدة.

عاصفة فقط يمكنها أن تمكّنه من التراجع عن هذا كلّه. على سبيل المثال، اجتياح أميركي لسوريا أو لإيران أو سقوط الحكومة.

إذا كان الأمر كذلك، من الجائز أن ينفّذ شارون الانفصال، لماذا إذا عليّ دعمه؟

لأنني أفكر في اليوم التالي.

لا أتوهّم بالنسبة لنوايا شارون في الضفة الغربية. إنه ينوي ضم 58% منها وحشر الفلسطينيين في قطاعات معزولة، كل واحدة منها تكون محاطة بالمستوطنين ومعسكرات الجيش. وعلى الأرجح، لإرضاء بوش الذي يطلب "تواصلا"، سيتم وصل هذه القطاعات الواحد بالآخر بواسطة جسور أو أنفاق.

فيما عدا ابنه عومري فإن المحامي دوف فايسغلاس هو أقرب مقربيه. عندما أعلن فايسغلاس في حينه أنه بعد الانفصال "سيحنّط" شارون عملية السلام، فإنه كان يقول الحقيقة بشكل استثنائي.

من يدعم شارون اليوم، يدعم من الناحية الفعلية هذه الخطة أيضا.

ولكن هذا متعلق بالمستقبل. الموضوع الذي يقف اليوم على جدول الأعمال هو مشروع الانفصال، لماذا لا أدعم شارون اليوم وأبدأ بالنضال على المستقبل غداة الانفصال؟

لأن هذا قطعا ليس موضوعا يتعلق بالمستقبل فقط! بل يتعلق بالحاضر. ساعة كتابة هذه الأسطر يستمر شارون ببناء الجدار الفاصل، الذي يضم إلى إسرائيل، حتى الآن، 7% من الضفة الغربية. إنه يملأ المنطقة الواقعة بين الجدار الفاصل والخط الأخضر بمستوطنات جديدة. أخيرًا فقط علم بأنه سيباشر ببناء 3600 وحدة سكن جديدة في معاليه أدوميم. هذه هي أخطر مستوطنة في الضفة كلها، لأنها تبتر الضفة الغربية إلى قسمين.

توسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية مستمرّ اليوم بكثافة في كافة أرجاء الضفة الغربية.

في الشهر الماضي نشر تقرير المحامية طاليا ساسون، وكان شارون نفسه قد وكّلها بفحص أساليب إقامة عشرات البؤر الاستيطانية. كما هو معلوم، كان قد التزم أمام بوش بتفكيك كافة المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي أقيمت بعد تقلّده الحكم عام 2001.

تقرير ساسون يقرّ بأن كافة هذه البؤر (وسابقاتها) أقيمت بشكل غير قانوني، وأن كافة الوزارات الحكومية والهستدروت الصهيونية ساهموا بإقامتها، من خلال مخالفة القانون بغمزة عين. ماذا حدث؟ لم يقدّم أي شخص للمحاكمة. كل شيء استمر على حاله. لقد قُضي على التقرير لحظة ولادته.

هذه هي التعليلات ضد تأييد شارون. لننتقل الآن للتعليلات المهمة التي تشير إلى الاتجاه المعاكس.

قال صموئيل جونسون إن الطريق إلى جهنّم مرصوفة بالنوايا الحسنة. ولكن العكس صحيح أيضا: الطريق إلى الجنة مرصوفة بالنوايا السيئة.

من الممكن جدا أن تؤدي نوايا شارون السيئة إلى نتائج إيجابية، لم يحلم بها عندما رسم خطّته هذه. لقد ولدت بالصدفة تقريبا، بهدف حلّ المشاكل الآنية، ودون تفكير مفرط بالخطوات المقبلة.

لم يحلم شارون أن تدخله الخطة في مواجهة مع المستوطنين.

إنه جنرال، وتفكيره هو تفكير عسكري، هكذا أيضا منطق خطة الانفصال: نتنازل عن جهد ثانوي لتقوية محور الجهد الأساسي. بما معناه، التنازل عن بعض المستوطنات الصغيرة وعديمة الأهمية في نواح نائية من "البلاد"، لترسيخ وتقوية المستوطنات ذات الأهمية في الضفة الغربية. التنازل عن قطعة من الصحراء تشكل 6% من المناطق المحتلة لا أكثر، وعليها مليون وربع المليون من الفلسطينيين، بهدف ضم 58% من المناطق المحتلة. تواجد السكان الفلسطينيين في هذه المناطق غير كثيف نسبيا، على سبيل المثال، غور الأردن وصحراء يهودا.

لقد ذُهل عندما لم يفهم المستوطنون هذا المنطق. لديهم منطق آخر. إنهم يؤمنون أن تفكيك مستوطنة واحدة، مهما تكن صغيرة ومعزولة، سيشكل سابقة ويبدأ مرحلة لا يمكن وقفها. إنهم يدركون تماما أن الأغلبية الساحقة في الدولة تعارضهم، والكثير منهم يرون بهم خلية سرطانية.

المستوطنون ترعرعوا تحت كنف شارون. ليس فقط لأنه هو من خطط لإقامة المستوطنات ولعب دورا مركزيا في إقامتها، بل لأن قادتها هم أصدقاؤه وضيوفه أيضا. لذلك يعتبرونه خائنا، وهو يشعر بأنه مغدور.

كل هذا أثّر كثيرا على قراري. إن معارضة المستوطنين وشركائهم القاطعة تضفي على عملية الانفصال مفهوما جديدا.

نقف اليوم على عتبة حرب أهلية. لا نعلم فيما إذا كانت ستسفك دماء فيها أم لا. ولكن حتى لو لم يسقط فيها قتلى وجرحى، فسيكون لهذه الحرب وقع حاسم على مستقبل الدولة.

سيكون هذا صراعا بين الأغلبية في الدولة، وهي الأغلبية البعيدة عن الدين، ليبرالية جدا وديمقراطية جدا، وبين أقلية متطرفة، تكون أغلبيتها عنصرية جدا، متدينة جدا، تؤمن بمجيء المسيح المنتظر وفي أساسها معادية للديمقراطية. لن يكون تقدمنا باتجاه السلام مع الفلسطينيين والعالم العربي هو المؤثّر الوحيد على النتائج، بل سيحدّد أيضا شكل الدولة المستقبلي.

هل يريد شارون دولة علمانية- ديمقراطية؟

السؤال هو بلهجة ساخرة طبعا. معتقداته مشوّشة ومبلبلة. إنه يشبه الكثير من الإسرائيليين: علماني جدا في نمط حياته لكنه يؤمن أن الدين مطلوب. إنه بالتأكيد ليس ديمقراطيا كبيرا لكنه يعتقد أن على الدولة أن تكون ديمقراطية. إنه عنصري متطرّف ويسعى لإقامة دولة يهودية أحادية الجنسية في كافة أرجاء البلاد، ولكنه يضطر الآن بسبب الظروف للعمل ضد معتقداته. فلاسفة ألمان أسموا ذلك "الحذلقة".

ليس السؤال ماذا يريد شارون وبماذا يؤمن، ولكن السؤال ماذا ستكون نتائج أفعاله. كما يتبلور الآن يبدو أنه رغما عنه، ودون أي يقصد ذلك، فإنه يقود إلى حسم ذي أثر.

من الممكن، طبعا، أن لا يحدث هذا، وفي اللحظة الأخيرة يتوصّل شارون والمستوطنون إلى تسوية، كما هو معمول به في السياسة: لا شيء محدّد مسبقا. إلا أن على الإنسان اتخاذ القرار وفق ما يتوقعه بشكل منطقي.

في النهاية، قرّرت المشاركة في المظاهرة. لا لأعبر عن تأييدي لشارون، ولكن بهدف تقوية المعسكر المناهض للمستوطنين.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, دورا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات