المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تبجح الحمائم وكأنهم صِدّيقون أبرار، ولذلك فان مهمتهم تنفذ بواسطة اريئيل شارون، يترك مطلب المستوطنين باجراء استفتاء شعبي كالمرض العضال الذي ينتشر كلما راكم المزيد من الشرعية. قيادات مجلس "ييشع" (مجلس المستوطنات في الضفة والقطاع) يكررون من خلال تكتيك تكرار الكذب اجترار تلك "الحقيقة" الواهنة القائلة ان "اخلاء اليهود من منازلهم" ليس اخلاقيا، إلا ان كل شيء سيكون على ما يرام اذا قرر الشعب ذلك.

هذا الموقف بكل تناقضاته الغريبة يثير التساؤلات المريرة حول فلسفة مجلس "ييشع" الاخلاقية. هل سيحول الاستفتاء الشعبي عملية الانسحاب الى مسألة أكثر اخلاقية؟ أو أكثر جدارة بالانصياع لها والتسليم بها؟ ايضا قضية الاستفتاء عند اعضاء مجلس "ييشع" تثير التساؤلات وتحرض الفكر هي الاخرى. اذا كانت الأمور تصل حقا لدرجة تمنطق العصبة البرتقالية المشتقة من معسكرات النازية والكارثة وما حولها- فما هي علاقة كل ذلك بالحل السحري الذي يمثله الاستفتاء الشعبي؟ واذا حسم الاستفتاء الشعبي مع "ترانسفير اليهود" فهل سيكون الاسرائيليون الذين شاركوا فيه - من وجهة نظر مجلس "ييشع" هم نازيون يرسلون اليهود مع عصبة برتقالية

الى قطارات الموت - يستحقون معاملة أخرى مغايرة لتلك التي استحقها حراس القطارات التي نقلت اليهود إبان النازية؟.

من المحظور التنازل عن الديمقراطية لأنها أصبحت جزءاً من تكتيك مجلس"ييشع" المعروف. لو كان لدى المعارضين أو الجزء اليساري من التحالف الحاكم شجاعة أكثر قليلا لكان عليهم ان يقولوا عدة أمور صريحة لا يستطيع شارون ان يقولها لأنه لا يفكر بها.

المستوطنون يعتقدون بأنه لا توجد سيادة قادرة على التنازل عن "أجزاء من أرض اسرائيل" التي وُعد بها الشعب اليهودي من قبل الرب. دولة اسرائيل وفقا لهذه الرؤية غير الديمقراطية التي تستخدم المصطلحات الديمقراطية فقط لا تستطيع ان تمثل الشعب الذي يعيش في اسرائيل.

أمور بهذه الروحية كتبت في منشور انشاء حركة وحدة البلاد فور احتلال "المناطق" والتي رفضت شرعية كل حكومة تحاول اعادة" المناطق".

أضف الى ذلك ان استفتاء الشعب في قضية مستقبل المناطق المحتلة الذي لا يجري في صفوف الفلسطينيين سكان المناطق الشرعية الوحيدين ليس فقط من وجهة نظر القانون الدولي وانما حتى من وجهة نظر القانون الاسرائيلي - مثل هذا الاستفتاء يحول مفهوم الديمقراطية الى أضحوكة.

إجراء استفتاء شعبي لليهود فقط حول مستقبل "المناطق" الفلسطينية يضفي الشرعية القانونية على وضعية الابرتهايد القائمة فعليا في "المناطق". لماذا يتحرق المستوطنون لاجراء الاستفتاء الذي يعرفون خسارتهم فيه؟ لأن هذا الاستفتاء الذي يتطلب اجراءات تشريعية سيوفر طابعا شرعيا للأبرتهايد.

يتوجب قول هذه الأمور في مواجهة الحملة الاعلامية التي يقوم بها المستوطنون، ولكن يحظر ان يبقى الرد بيد الإطار القانوني الشرعي فقط. الصمت حول مطلب الاستفتاء - أو الردود الرسمية حول علوية قرارات الكنيست والحكومة - تشارك في تكريس وحدانية الحكم الاسرائيلية التي هي اسم مؤدب للجماعة اليهودية "النظيفة من الفلسطينيين".

التسوية في اطار الجدل الآن لا تتعلق بمجموع سكان "المناطق". ارض آبائهم هذه قد أصبحت ملكا للشعب اليهودي حسب هذا النقاش، واذا رغب في التنازل عنها تنازل، واذا رفض فهذا شأنه.

أسياد البلاد بجيلهم الجديد من المستوطنين يعتبرون ان انتصارهم قد تحقق - بغطاء من الكفاح ضد فك الارتباط - وإن لم يقولوا لهم الحقيقة: الديمقراطية موجودة حتى تتمكن الشعوب من حسم مصيرها ومستقبلها بأيديها. ليس من الممكن تقسيمها: "لليهود فقط".

يعلم كل من يعرف الخطاب السياسي في إسرائيل، انه في اللحظة التي سيبدأ فيها إجراء استفتاء شعبي سيظهر مطلب سلب حق العرب من مواطني إسرائيل في التصويت فيه. لقد نطق أفيغدور ليبرمان ويوري شتيرن وديمقراطيون آخرون بآرائهم فيما يتعلق بالتطهير العرقي لدولة إسرائيل. إن الجدل على استفتاء الشعب الذي لا يلغي شرعية استفتاء كهذا إلغاء تاما، هو استمرار المنطق الليبرماني. عجيب صمت اولئك الذين يحسبون ان مهمتهم لا تعدو الآن أخذ الصور الجماعية مع شارون.

(عن "هآرتس")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات