المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

طرح الوزير الاسرائيلي السابق وعضو الكنيست الحالي أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا)، في مؤتمر هرتسليا الخامس حول "ميزان المناعة والأمن القومي"، الذي عقد قبل اسبوعين في مدينة هرتسليا "مشروعه الخاص للحل الدائم والنهائي مع الفلسطينيين"، والذي في صلبه استبدال الانسحاب الكامل من المناطق المحتلة منذ العام 1967، بتبادل أراض على أساس تواجد سكاني، فهو يريد ضم منطقة المثلث إلى الضفة الغربية مقابل الاحتفاظ بكامل المستوطنات في الضفة الغربية.

كثيرة هي المشاريع السياسية التي تطرحها أحزاب وحركات سياسية في اسرائيل، وبالامكان النظر الى مشروع ليبرمان على انه مجرد مشروع آخر يلقى في الساحة الاسرائيلية من أجل الاستهلاك الاعلامي وحسب. ولكن على الرغم من الجوانب العنصرية والخطيرة الكامنة في مشروع ليبرمان، إلا ان فيه اعترافا في وكر من اشد أوكار اليمين تطرفًا وعنصرية في اسرائيل، بضرورة التخلي عن مبدأ ارض اسرائيل الكاملة، وانه لا بد من قيام دولتين بين النهر والبحر.

بطبيعة الحال لم يغير ليبرمان العنصري جلده إطلاقا، ولكنه بات "يخاف على يهودية دولته"، وأصبح على يقين أن مشروع الطرد الجماعي (الترانسفير)، الذي لوّح به لسنوات، غير قابل للتنفيذ في ظروف المرحلة.

لقد احدث مشروع ليبرمان، ومرة أخرى نؤكد رغم أخطاره، شرخا في كتلة اليمين المتطرف، وقاد فورا الى شق الكتلة البرلمانية التي كانت مؤلفة من سبعة نواب يمثلون ثلاثة احزاب، واصبحت كتلتين، واحدة برئاسة حزب ليبرمان، "يسرائيل بيتينو"، والثانية تضم حزب "موليدت" الداعي للترانسفير، وحزب المنشقين عن حزب المفدال، "تكوما". وابقت الكتلتان على التنسيق بينهما، ولكن في الانتخابات البرلمانية القادمة سيذهب الحزبان على انفراد كما تظهر الصورة الحالية، وسيكون في الإمكان معرفة مدى التأييد لمشروع ليبرمان داخل معسكر المستوطنين في مستوطنات الضفة والقطاع.

وفي ما يلي مقتطفات من كلمة افيغدور ليبرمان امام مؤتمر هرتسليا، التي شرح فيها دوافع طرح خطته هذه. وتكشف صياغات خطابه الارتجالي الكثير من الجوانب العنصرية لدى هذا الشخص، الذي اعتبر إبان حكومة بنيامين نتنياهو، من العام 1996 الى العام 1999، الرجل الأقوى في "الدولة"، وعلى الرغم من تركه لحزب الليكود منذ خمس سنوات، إلا ان المراقبين يقولون انه ما زال لديه نفوذ قوي داخل هذا الحزب.

يقول ليبرمان: "إن خطتي لربما تكون مختلفة عن أية خطة أخرى بمفهومين، الأول هو انه ما سمعته حتى الآن من الجميع، هو انه يقترحون دولة قومية للفلسطينيين، نظيفة من أي يهودي. ومن جهة أخرى يحولون دولة اسرائيل الى ثنائية القومية، ويقولون انهم يتخوفون من العامل الديمغرافي، ونحن نريد دولة يهودية ديمقراطية، وانا اعتقد ان اليسار عليه ان يكون اكثر صراحة، من اجل ان يقول الحقيقة. انهم يريدون دولة اسرائيل كدولة لجميع مواطنيها، وانا ارفض ذلك، أنا اتحدث عن دولة يهودية صهيونية بالشكل الأكثر وضوحا، من اجل اليهود وايضا من اجل العرب، ومن يرفض هذا فهو ليس بإمكانه أن يكون هنا أكثر من مجرد ضيف".

ويتابع ليبرمان: "أنا لا اتحدث عن ترانسفير، فالترانسفير نعرف أن نفعله لليهود فقط، وهذا ما فعلناه لليهود في يميت (كبرى مستوطنات صحراء سيناء في العام 1981)، وهو ما يفعلونه الآن لليهود في غوش قطيف (مجمع مستوطنات قطاع غزة)، هذا ترانسفير اكسيلانس صاف، يأتون مع شاحنات ويحملون عليها اليهود، ومن يرفض يكبلونه بالقيود، ويخرجونهم من البيوت، بعد أن عاشوا هناك أكثر من ثلاثين عاما، دون أن يسألوهم، ودون أن يأخذ أحد ما موافقتهم، أو عدم موافقتهم حول موضوع الترنسفير هذا".

ويواصل قائلا "ما أريد قوله انه تعالوا نجرب ونحلل ونقول بأقصى صراحة، ما هو سبب الصراع؟ إن اليسار يعتقد أن الأراضي هي سبب الصراع، وهناك آخرون يقولون إن المستوطنات هي سبب الصراع. وأنا اقول انه لا الأراضي ولا المستوطنات هي سبب الصراع، إن سبب الصراع هو الاحتكاك بين الشعبين، وهذه هي الحقيقة. ومن دون إنهاء هذا الاحتكاك لن يكون هنا سلام. إذا كان هناك من يتوهم انه بامكاننا العودة إلى حدود 1967 حتى الشبر الأخير، وفي الغد سيكون هنا اتحاد اوروبي فإنه مخطئ، لن يكون هنا أي شيء طالما أن الاحتكاك مستمر، ومرة أخرى أقول تعالوا لا ندفن رؤوسنا في الرمل، فقد سمعت كل القيادات العربية في إسرائيل، منهم من يخفي كليا ومنهم من يخفي اقل، وقسم يقولون الحقيقة، انهم يتحدثون عن حكم ذاتي ثقافي وحكم ذاتي تربوي في المثلث والجليل، وما من شك في أن الخطوة التالية لمطلب حكم ذاتي تربوي، ستكون حكمًا ذاتيًا كاملا أو الإنضمام لكيان عربي كهذا أو غيره".

"ولهذا فحين أكرر وأعود الى جذور هذا الأمر أريد التأكيد على أن صناعة السلام المتشعبة، التي طورناها هنا، نجحت في ان تدخل الى عقل المواطن الاسرائيلي مبدأ واحدًا: أراض مقابل سلام، وانا اعارض قطعا مبدأ الاراضي مقابل السلام، فأنا اتحدث عن مبدأ مغاير كليا: تبادل للسكان والأراضي، أريد أن نكون دولة قومية، وكلما كانت أكثر قومية كانت أقوى".

"لقد عرض الفلسطينيون نظرية جميلة جدا: تقرير المصير، وبدلا من هذا كان علينا أن نعرض نظرية مناقضة، فكل المعاداة للاسرائيلية هنا هي استمرار طبيعي للاسامية المنتشرة في دول اوروبا، وكل من ينظر الى الاستطلاعات الأخيرة، ومن يتابع كل ما يجري في برلين، عليه أن يفهم أن الحديث لا يجري عن معاداة لاسرائيل والصهيونية، وانما يجري الحديث عن معاداة تقليدية للسامية، وإنما بصيغ أخرى".

"حينما اسمع ما يجري الآن في فرنسا، ليس فقط في ما يتعلق باللباس، وانما بالتشريعات التي يقرونها، وكيف اجبرت كافة مؤسسات التعليم الاسلامية على الحديث عن القيم العامة والعالمية وايضا عن دستور فرنسا، أتساءل: ماذا لو فعلنا نحن هذا الأمر؟ لكانت خرجت مظاهرات الآلاف، ايضا في اسرائيل، بقيادة أولئك من اعضاء الكنيست، الذين يجلسون في الكنيست ويريدون تدمير دولة اسرائيل من الأساس. فلا يتمتم أحد هنا، ولا يكون لأحد منكم أوهام، أن القيادة العربية التي تجلس في الكنيست تعمل بشكل مكثف من اجل تدمير دولة اسرائيل كدولة يهودية صهيونية".

ويتابع ليبرمان: "أوافق قطعا انه حين أحلل جمهور الاقليات في اسرائيل الذي يتراوح عدده من 1,25 مليون الى 1,3 مليون، اعرف أن من بينهم الدروز والشركس، ويوجد بدو، ويوجد مسيحيون، من كل الانواع، مشكلتنا تتركز بمليون، أقل أو أكثر من مليون عربي مسلم، وبالأساس المسلمين في منطقة عارة، هذه عمليا منطقة الحركة الاسلامية الجناح الشمالي، نفس الاشخاص الذين يجلسون اليوم في السجن، ومتهمون بنشاطات لمساعدة الارهاب، وبمشاركة نشطة في الارهاب، وايضا سكان شرقي القدس (القدس الشرقية المحتلة) الذين يشاركون بشكل نشط في الارهاب ضد دولة اسرائيل... وانا اعتقد ان قسما كبيرا منهم علاقتهم بدولة إسرائيل هي عبر علاقتهم بمؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمانات الاجتماعية الرسمية)، او بسبب مخصصات البطالة، او بسبب صندوق المرضى، وانا لست مستعدا ان اكون مغفلا، وأن يستغلوننا بسبب التأمين الوطني، واقترح ان نقول هنا ايضا الحقيقة، واعرض على كل واحد منكم ان يفحص إن كان هؤلاء مواطنين، أو انهم مواطنون من اجل المخصصات الاجتماعية".

"ولهذا فحين أتحدث عن جمهور مليون شخص، فأنا أتحدث أولا عن منطقة وادي عارة، واقترح ان يتم نقل كل هذه المنطقة الى هناك (يقصد الضفة الغربية)، ولن نخرج اي واحد من بيته ولن نأخذ من اي أحد ارضه، ولا يوجد اي سبب يمنعنا من تحريك الحدود من هذا الجانب لأم الفحم (شرقا) الى الجانب الآخر (غربا)، وليهتم مواطن ام الفحم بأن يحصل على المخصصات الاجتماعية من ابو مازن (محمود عباس) وليحصل على مخصصات البطالة ورسوم النقاهة من النقابات هناك، وهناك ايضا ينفذ اضراباته، وليس عندنا. اعتقد انه آن الأوان لنقول هذا هنا بصوت عال، نقولها كما نشعر جميعا، وما يحبطني هو انه عندما أتكلم على انفراد مع شخصيات ومن ضمنها يسارية فإنهم يتفقون معي، بشكل أو بآخر... لقد أجرينا استطلاعات وتبين أن 70% من المستطلعين يؤيدون هذه المواقف، من بينهم 100% من مصوتي حزب "العمل"، و100% من مصوتي "شينوي"، والمعارضون 10% من اليسار المتطرف من بين اليهود، و20% هم العرب".

"والأمر الثاني يتعلق بالقدس، فحين اتكلم عن القدس، كل القدس، بما فيها الحوض المقدس وحتى هار هتسوفيم وهار هزيتيم (جبل الزيتون)، كل هذا سيبقى بايدينا، ولكنني لا أرى أي سبب لأن يبقى السيد جبل المكبر جزءا من دولة اسرائيل، أو لماذا أنا مضطر لأن أدفع مئات الملايين لمؤسسة التأمين الوطني في كل عام، وهذه ايضا حقيقة، أنا ضد الشعارات وضد اي نوع من الكلام الذي ليس له اساس، قسم كبير مما يجري اليوم في شرقي المدينة، ليس له اي دخل بالقدس، ولا يوجد أي سبب يجعلنا نواصل السيطرة على هذا الجمهور وندعمه".

"إن القسم الآخر الذي يجب أن يكمل تبادل السكان والأراضي هو قانون المواطنة، ومرة أخرى لا يوجد هنا تمييز، سيسري الأمر على اليهود والعرب، ومن ناحيتي على كل مواطن اسرائيلي، فمن يريد الحصول على المواطنة الاسرائيلية عليه أن يعلن ولاءه لوثيقة الاستقلال، ولمبدأ أن دولة اسرائيل دولة يهودية صهيونية، وان يؤدي الخدمة الاجبارية، لا أريد اجبارهم جميعا على الخدمة العسكرية، وإنما خدمة الزامية... لا يوجد أي سبب يمنع الحريديم (الاصوليون اليهود) والعرب من تأدية خدمة الزامية مدنية في مستشفيات الناصرة وغير ذلك".

"وباعتقادي فإن كل من يتكلم عن الترانسفير هو غير واقعي، هذه طوباوية، حينما أتكلم عن تبادل السكان والاراضي فإن هذا هو أمر قابل للتنفيذ، وهو أمر واقعي، واقولها ثانية يوجد لهذا الأمر سوابق في العالم، فحتى لو نظرنا الى مجريات العالم في العقود الثلاثة الأخيرة سنجد عددًا من هذه السوابق، من جنوب شرق آسيا وحتى اوروبا في البلقان، كذلك توجد سوابق كهذه في افريقيا والاتحاد السوفياتي السابق، حيث تم تبادل عشرات الملايين، وآلاف الكليومترات المربعة..".

وفي نهاية خطابه يقول ليبرمان: "حين يتجادلون حول اقامة او عدم اقامة دولة فلسطينية يخيفني أمر واحد، ولست واثقا أن جميعهم متيقظون لهذا، فمن جهة خلق الأميركان تواصلا شيعيا خطيرا، فإذا تحدثنا مرة عن جبهة شرقية، فهذا لا شيء مقابل ما نحصل عليه في هذه الفترة، ايران والعراق وحزب الله في لبنان، تواصل شيعي خطير ومرعب مع انعكاسات بعيدة المدى. ومن جهة أخرى نحن نخلق تواصلا فلسطينيا، الاردن ويهودا والسامرة (الضفة الغربية) ودولة اسرائيل، كما اننا نشهد تعاونا متزايدا بين التواصل الشيعي والتواصل الفلسطيني".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات