المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب محمد دراغمة

هل بدأ شارون الرقص على إيقاع الهدنة؟

كثيرون حبسوا أنفاسهم بعد العمليتين الأخيرتين في رأس العين ومستوطنة أرئيل، وعاد سوق التوقعات للازدهار، بانتظار الرد الذي سيقدم عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية، وتأثيراته المحتملة على الهدنة الفلسطينية وعلى تطبيق "خارطة الطريق".

لكن المفاجأة كانت في قرار شارون الانسحاب من أربع مدن محتلة بينها مدينة رام الله، التي يحاصَر فيها الرئيس ياسر عرفات، وهو ما بدا سياسة جديدة لم تعهد من قبل عن شارون، الذي ما انفك يعلن أن لا حل لما يسميه بـ "العنف والإرهاب الفلسطيني" سوى "القوة العسكرية وتفكيك البنية التحية للمنظمات".

فقد شكل القرار اعترافاً إسرائيلياً وللمرة الأولى منذ تفجر الانتفاضة قبل ثلاث سنوات بعدم القدرة على إيجاد حل عسكري وأمني للعمليات والهجمات المسلحة الفلسطينية.

وشكل أيضاً اعترافاً صريحاً بالهدنة الفلسطينية بعد فترة من المكابرة رفض خلالها شارون الاعتراف بالخطوة، الفلسطينية مُصراً على اعتبارها خطوة داخلية لا شأن له ولإسرائيل بها.

ويقول المراقبون في إسرائيل بأن قرار شارون هذا جاء متناغماً مع حالة استرخاء يعيشها الشعب الإسرائيلي منذ بدء الهدنة الفلسطينية قبل شهر ونصف، ومع رغبتهم في الحفاظ عليها.

وقال المحلل الإسرائيلي فكتور نحمياس: "من مصلحة شارون والشعب الإسرائيلي الحفاظ على الهدنة والتقدم في تطبيق خارطة الطريق".

وأضاف: "هذه مصلحة أكيدة لشارون والإسرائيليين، وهو ما تظهره استطلاعات الرأي العام في إسرائيل، ففي يوم الخميس الماضي أظهر استطلاع للرأي العام أن نسبة 41% من الإسرائيليين يعارضون الرد على العمليات الفلسطينية خشية تصعيد الموقف وخراب خطة خارطة الطريق".

وقد شهد الشارع الإسرائيلي تغيراً ملحوظاً بعد إعلان الفلسطينيين عن الهدنة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد، تمثل في شيوع حالة من الاسترخاء الأمني وظهور بدايات للانتعاش الاقتصادي.

وقال نحمياس: "النسبة المشار إليها في استطلاع الرأي المذكور تعبّر عن تقبل الشعب الإسرائيلي للهدنة بعد أن جرب مزايا الهدوء".

وأشار في هذا الصدد إلى أن نصف مليون إسرائيلي سافروا في الشهر والنصف الأخير من الهدنة لغرض السياحة وهو ما يعبر عن حالة من راحة البال لم تكن مألوفة من قبل.

ويقرأ فكتور ناحمياس في القرار ويرى فيه تعزيزا لقناعة في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية بعدم وجود حل يؤدي لوقف العمليات الفلسطينية بنسبة مائة في المائة.

وفي الجانب الفلسطيني بدأت السلطة بخطوات عملية لتضييق فرص التمويل الخارجي للقوى والفصائل التي تقوم بعمليات عسكرية.

وعلى الصعيد الفتحاوي بدأت السلطة حواراً مع قادة وكوادر حركة فتح في لبنان بهدف وقف تمويل خلايا ومجموعات كتائب شهداء الأقصى.

وقال وزير الدولة عبد الفتاح حمايل المكلف من الرئيس عرفات بالاتصال مع كتائب شهداء الأقصى لحملها على الالتزام بالهدنة وبالقرار الرسمي للحركة القاضي بوقف إطلاق النار بأن هذه الاتصالات ستتوج بزيارة سيقوم بها إلى لبنان حيث سيعقد مؤتمراً صحافياً هناك يعلن فيه نتائجها.

وقد بدأت السلطة الفلسطينية حملة ضد الدعم الخارجي للكتائب معتبرة إياه محاولة من جهات خارجية تتصدرها إيران للتدخل المباشر في الوضع الفلسطيني الداخلي.

وقال حمايل: "منذ بداية الانتفاضة لاحظنا قيام جهات خارجية بالعمل على بناء شبكة علاقات داخلية، حيث عرضت هذه الجهات دعماً مالياً على مجموعات في كتائب شهداء الأقصى، وقبل البعض تحت الحاجة، فيما رفض البعض الآخر".

وتذهب السلطة في نضالها ضد الدعم الخارجي للكتائب حد اتهام تلك الجهات الداعمة بالوقوف وراء العملية الأخيرة التي نفذتها كتائب شهداء الأقصى في رأس العين قرب تل أبيب لغايات سياسية تصب في خدمة تلك الجهات.

وقال حمايل: "من رقابتنا للاتصالات الهاتفية والرسائل المتبادلة عبر الانترنت تأكدنا أن القرار في هذه العملية كان خارجياً وأن الأداة فلسطينية".

وفي هذا السياق سربت مصادر في مكتب وزير الدولة لشؤون الأمن محمد دحلان نبأ عن مصادرة مبلغ ثلاثة ملايين دولار كانت موجهة من إيران على حركة الجهاد الإسلامي.

غير أن السؤال الذي يبرز هنا هو: ماذا بعد الانسحاب من المدن الأربعة وحتى من باقي المدن؟ وماذا عن الإجراءات الإسرائيلية التي اتخذت على الأرض خلال السنوات الثلاث الأخيرة وفي المقدمة منها الجدار الفاصل؟

فالفلسطينيون الذين يفصل الجدار، بعد إتمام جميع مراحله، بينهم وبين مساحات واسعة من أراضيهم تقدر بحوالي 52% من أراضي الضفة، يرون أن العودة إلى ما قبل الثامن والعشرين من أيلول عام 2000 تتطلب فيما تتطلبه إزالة الجدار الفاصل.

وقال معروف زهران رئيس بلدية قلقيلية، وهي المدينة الأولى المرشحة للعودة إلى السلطة الفلسطينية: "الانسحاب الإسرائيلي من المدينة لا يعني شيئاً إذا لم يتضمن إزالة الجدار الذي يفصل خلفه 45% من أرضيها".

وأضاف يقول: "الجدار يحيط المدينة من الجهات الأربعة ولم يبقَ لها للتواصل مع باقي أجزاء الضفة سوى مدخل على الشرق مغلق بحاجز عسكري، وعملياً فإن الجيش لم يعد موجوداً في قلقيلية منذ عدة شهور ما يجعل الانسحاب خطوة ليست بتلك الأهمية".

وقلقيلية من أكثر المحافظات تأثراً بالجدار الفاصل، فقد عزل خلفه 7000 آلاف دونم من أراضي المدينة و25 ألف دونم من أراضي قراها، جلها من الأراضي الزراعية المروية الخصبة التي تشكل عماد قطاع الزراعة في هذه المحافظة.

والأمر ذاته ينطبق بنسب متقاربة على غالبية المحافظات الأخرى مثل جنين وطولكرم وغيرها.

ويضاف إلى الجدار، كعقبة، تجميد الاستيطان، وفق ما تنص عليه المرحلة الأولى من خارطة الطريق.

ويقول فكتور نحمياس: "إذا أراد شارون تحقيق هدفه الذي كرس حياته من أجله وهو الحفاظ على أمن إسرائيل فإن عليه أن يمضي في تطبيق خارطة الطريق بكامل مراحلها، بما في ذلك تجميد الاستيطان وإزالة مستوطنات".

ويضيف: "هذا طبعاً قد يتسبب في مناوشات يهودية - يهودية تؤدي إلى إراقة دماء، لكن لا بديل عنها لشارون إذا أراد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، أي عبر إزالة مستوطنات، سيتاح له بدعم من حزب العمل؟؟

فهل يتحقق ذلك، سؤال خلفه أكثر من علامة استفهام؟؟؟؟

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, ألف

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات