المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مما نشر في نهاية الأسبوع عن التحقيق ضد رجل البنتاغون لاري فرنكلين، بتهمة نقل معلومات مصنفة إلى اسرائيل بواسطة رجال اللوبي الموالي لإسرائيل (إيباك)، يبدو أن الأقوال عن "جاسوس مدسوس" في الادارة والمقارنات بقضية بولارد مبالغ فيها كثيراً. لكن دون علاقة بجسامة الاكتشافات، قضية فرنكلين ستلحق بإسرائيل ضرراً نموذجياً قاسياً، وستعرقل علاقات العمل بالادارة. إن توقيت النشر، في ذروة حملة الانتخابات الرئاسية وعشية مؤتمر الحزب الجمهوري، يعمّق المشكلة أكثر.


في قضية فرنكلين تتدخل كل العوامل لوصف العلاقة، التي بموجبها تخضع اسرائيل لحاجاتها إدارة رئيس الولايات المتحدة جورج بوش، وجرَّت أميركا إلى حرب لا لزوم لها في العراق، بواسطة المجموعة اليهودية "المحافظة الجديدة" في قيادة البنتاغون، وبمساعدة القوة الخارقة للوبي إيباك وسيطرتها على البنتاغون. من يريدون دحر اسرائيل سيتشبثون بتحقيق فرنكلين وبعلاقاته باسرائيل وبمؤيديها كإثبات لمزاعمهم.
على المستوى العملي، لا شك في أن النشر سيردع موظفين أميركيين، الذين سيفكرون مرتين قبل إجراء محادثات مع نظرائهم الاسرائيليين، خوفاً من أن يتورّطوا في تحقيقات وملاحقات. الضرر الأقصى قد يتلقاه لوبي إيباك، المنظمة التي حرصت دائماً على الظهور كمنظمة أميركية، يعمل نشطاؤها من أجل مصالح الولايات المتحدة ولا يقبلون تلقي معلومات من القدس. ستتضرر صورة المنظمة، وفي الادارة سيحذرون منها أكثر.
في رأي موظفين اسرائيليين، في المدى الطويل القضية لن تظلل على العلاقات بالولايات المتحدة، خصوصاً إذا اتضح أنه ليس في الشك حقيقة. لكنها تكشف مرة أخرى، أنه من تحت الصداقة والقرب العميق بين القدس وواشنطن يوجد أيضاً ترسبات من شكوك، لم تعالج منذ قضية بولارد في الثمانينيات.

بحسب وجهة النظر الاسرائيلية، فرنكلين أقام علاقة عمل بدبلوماسيين اسرائيليين وملحقين عسكريين في واشنطن، ولم تشذ العلاقات به عن المألوف في العلاقات بموظفين آخرين كثيرين في الادارة الأميركية وفي دول أخرى. إنه لم يؤدِّ مهمة سرية، وكانت الاجتماعات معه في مجالات الممارسة الديبلوماسية التي يتبادلون فيها معلومات وتقديرات.
ليست قضية فرنكلين الحالة الأولى التي تثار فيها شكوك في واشنطن على تعاون مبالغ فيه مع اسرائيل. قبل نحو ثلاث سنوات أثير شك مشابه ضد موظف برتبة متوسطة في وزارة الخارجية الأميركية، الذي أقام علاقات عمل بممثلين اسرائيليين، وشك شخص ما أن الصداقة أقرب من اللازم. الشخص أبعد من العمل، جرى التحقيق معه وعانى كثيراً قبل أن يغلق الملف.
ممثلو اسرائيل في واشنطن يتلقون تقارير غير قليلة عن السياسة المتبلورة في قضايا الشرق الأوسط، في أحاديث مع رجال ارتباط لهم بالادارة. كذلك موظفون اسرائيليون يجتمعون مع ديبلوماسيين أجانب، أو صحافيين، يسلمون لهم مادة مصدرها وثائق مصنّفة وبمشاورات داخلية، ولا أحد يشك فيهم بالتجسس.
مصادر اسرائيلية قدّرت أن فرنكلين سقط ضحية صراع القوى في البنتاغون، بين الادارة المهنية والتعيينات السياسية لـ"المحافظين الجدد". التحقيق ضده وكشفه استهدف إضعاف المجموعة السياسية، التي تضررت تلقائياً بسبب التورّط في العراق.
التحقيق يدور في هذه الأثناء في الولايات المتحدة فقط ـ لم تطلب اسرائيل في قنوات رسمية لترد أو لتسلم معلومات أو أدلة للمحققين. في مكاتب رئيس الحكومة اريئيل شارون، وزير الدفاع شاؤول موفاز ووزير الخارجية سيلفان شالوم رووا أمس عن فحص داخلي شامل أجروه في أعقاب النشر، مع كل العناصر ذات الصلة بالموضوع، التي دحضت تماماً المزاعم عن التجسس. "اسرائيل لا تعرف أنه وصل إلى يديها معلومات من هذا الشخص"، لخص مصدر سياسي في القدس. "لم يستخدمه أي كان، بصعوبة عرفوه، ونحن لا نفهم هذا الخيال الخارق"، قال مصدر آخر. "منذ قضية بولارد، لم يجرؤ أي رجل استخبارات عندنا على التفكير بتخزين معلومات في الولايات المتحدة".
ومع ذلك كله، حتى ولو انتهت قضية فرنكلين دون أي شيء، يستحسن بالأجهزة الاسرائيلية أن تفحص نفسها جيّداً، وأن تتصرّف بحذر أكثر في الاتصالات مع موظفين أميركيين، الذين قد ينكشفون لمزاعم عن ارتباط مبالغ به بإسرائيل.

("هآرتس"، 29/8/2004)

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, اريئيل, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات