المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ذات مرة، هرع احد مساعدي ليفي اشكول، رئيس وزرائنا الراحل، اليه صارخا: "ليفي، وقعت كارثة! هناك موجة جفاف!". فسأله رئيس الوزراء بقلق: "اين؟ في تكساس". اجاب مساعده: "لا، هنا في اسرائيل"، فقال اشكول بلا مبالاة: "اذاً لا داعي للقلق".

منذ البداية، تتأثر دولة اسرائيل الى حد كبير بالأحداث التي تحصل في الولايات المتحدة. في اسرائيل، تغيّر القول العالمي المأثور ليصبح "اذا عطست الولايات المتحدة، تصاب اسرائيل بالزكام".

وينطبق هذا في شكل خاص على المرحلة التي تسبق الانتخابات الاميركية. قد تكون هذه الانتخابات مهمة بالنسبة الى اسرائيل بقدر الانتخابات المحلية، بما ان محتل البيت الابيض يمكن ان يؤثر في مصير اسرائيل بطرق عدة. لكنها ترتدي اهمية اضافية لأن اسرائيل تستطيع ان تفعل ما يحلو لها في الاشهر التي تسبق الانتخابات الاميركية.

الافتراض الاساسي هو انه ما من مرشح للرئاسة يجرؤ على استفزاز الناخبين الاميركيين من اصل يهودي في فترة الانتخابات. انهم يشكلون كتلة سياسية منظمة جيدا ومحفزة جدا وجاهزة للتبرع بمبالغ طائلة، مما يمنحهم نفوذا سياسيا اكبر بكثير مما كانت لتمنحهم اياه اعدادهم.

في الواقع، عدد المسلمين الموجودين الآن في الولايات المتحدة اكبر من عدد اليهود، لكنهم غير منظمين ومحفزاتهم ضعيفة، وهم غير مستعدين للتبرع بمبالغ طائلة. فالتزامهم بالقضية الفلسطينية على سبيل المثال لا يضاهي الولاء القوي الذي يكنه معظم اليهود لاسرائيل. كما ينضمّ عشرات ملايين الاصوليين الانجيليين المسيحيين الى اليهود في التعبير عن ولائهم لاسرائيل.

بطبيعة الحال، تتعمد الحكومات الاسرائيلية ان تتزامن أكثر تحركاتها اثارة للجدل مع الانتخابات الاميركية. كلما كانت المعركة الانتخابية اكثر حدة، كانت اشد استقطابا للمخططين والمغامرين الاسرائيليين.

أعلنت اسرائيل استقلالها من جانب واحد في ايار 1948، عندما كانت حملة اعادة انتخاب هاري ترومان تمر بمرحلة حرجة. اتخذ ديفيد بن غوريون القرار خلافا للنصيحة التي اسداها اليه بعض اكثر زملائه حكمة اذ حذروه من ان الولايات المتحدة ستعارض الخطوة بكل قواها. فقد راهن على عجز النظام الاميركي عن القيام بذلك خلال حملة انتخابية.

في ذلك الوقت كان ترومان بحاجة ماسة الى المال. وقد أمنه له بعض الاثرياء اليهود. وتعبيرا عن امتنانه، وخلافا للنصيحة الواضحة من وزير خارجيته (جورج مارشال) وفي شكل خاص وزير الدفاع (جايمس فورستول) منح ترومان على الفور الدولة الجديدة اعترافا يفرضه الامر الواقع (تفوق عليه ستالين ومنحها اعترافا شرعيا).

ومذذاك اصبحت هذه الممارسة نموذجا متكررا. أمرت الحكومة الاسرائيلية الجيش بشن هجوم عام 1967 (فكانت هذه بداية حرب الايام الستة) بعدما حصلت على الموافقة من الرئيس ليندون جونسون، الذي كان لا يزال يأمل بأن يعاد انتخابه لولاية ثانية عام 1968. وكانت السنة الحاسمة الاولى التي تلت تلك الحرب، والتي فشلت الولايات المتحدة فيها باقناع اسرائيل بالانسحاب من الاراضي التي احتلها جيشها، سنة انتخابية بلا شك. وهذا هو سبب الجزء الاكبر من مشكلاتنا الحالية.

لم تفشل الحسابات الا مرة واحدة. عام 1956، تواطأ بن غوريون مع فرنسا وبريطانيا ضد جمال عبد الناصر في مصر. بعد الاستيلاء على شبه جزيرة سيناء، اعلن بن غوريون قيام "المملكة الاسرائيلية الثالثة". كان مقتنعا بأن الاميركيين منهمكون بانتخاباتهم ولن يتدخلوا. لكنه كان مخطئا.

كان الرئيس دوايت ايزنهاور الذي ترشح لولاية ثانية، متأكدا من انه سيفوز بغالبية ساحقة. لم يكن بحاجة الى اصوات اليهود. وكان ايضا صاحب مبادىء. فوجّه الى بن غوريون ما يمكن اعتباره انذارا: اما ان تنسحب من سيناء والا تتحمل العواقب. بعد اربعة ايام من انشاء مملكته، اعلن بن غوريون زوالها. لكن كان هذا استثناء.

يعتمد اريئيل شارون، الذي يعتبر نفسه تلميذا شخصيا لبن غوريون (وكذلك الامر بالنسبة الى شمعون بيريس)، على الحسابات نفسها في سياسته الحالية. يناضل الرئيس جورج دبليو بوش في سبيل حياته السياسية، ولن يجرؤ على اثارة خلاف مع اسرائيل في الظرف الراهن. اذاً من الآن حتى تشرين الثاني يستطيع شارون ان يفعل ما يحلو له.

انهارت "خريطة الطريق" الشهيرة التي اطلقها الرئيس بوش. (اسمعه يصرخ: "خريطة الطريق؟ اي خريطة طريق؟ الخريطة الوحيدة التي احتاج اليها هي خريطة الطريق الى البيت الابيض!"). اصبحت مطالبته بتجميد كل انشطة البناء في المستوطنات، "وحتى بالزيادة الطبيعية لها"، دعابة. وقد سخر شارون علنا بهذه المطالبات عبر الاعلان عن خطط لبناء 600 منزل جديد في مستوطنة معاليه ادوميم.

يتوسل مبعوثو مجلس الامن لوزارة الخارجية الاميركية (وهم بالمناسبة يهود صهاينة) شارون كي يفكك عشرات المستوطنات الجديدة (التي تُعرف بـ"المستوطنات العشوائية") التي انشئت منذ توليه السلطة عام 2001. قطع شارون العديد من الوعود لبوش في هذا الصدد مقابل تغييرات في السياسة الاميركية القائمة منذ فترة طويلة. لا بد من ان شارون يجد صعوبة كبيرة في ضبط نفسه لئلا يضحك امامهم.

لكن شارون يملك مصلحة حيوية في اعادة انتخاب بوش. انه خائف من جون كيري، حتى لو كان يقول الكلام نفسه الذي يقوله بوش عن المسألة الاسرائيلية الفلسطينية، وكان اسم جده كوهين. أظهرت التجربة انه ليس هناك ترابط بالضرورة بين ما يقوله السياسيون قبل الانتخابات وما يفعلونه بعده.

هذا هو الوجه الآخر للعملة الانتخابية.

اذاً قد يشجع شارون على القيام بشيء –أي شيء - يسمح لبوش بأن يدّعي بأنه صاحب الفضل في تحقيق "انجاز تاريخي" في الشرق الاوسط. من يدري؟ قبل اسبوع من الانتخابات، قد تفكّك ثلاثة منازل متحركة عن تلة منسية في السامرة. يا للروعة!

عن "كاونتربانش"

ترجمة نسرين ناضر

المصطلحات المستخدمة:

دولة اسرائيل, اريئيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات